عمّان – علي عبد الأمير
تمارس الأغنية العربية المعاصرة, حضورها وتأثيرها في ذائقة فئات عديدة من مجتمعاتنا, وتصبح قيم تلك الأغنية وطرق تعبيرها عن المشاعر متداولة بين الكثير من الشباب العربي, وقد يبلغ التماهي معها حداً تصبح قادرة بموجبه على تشكيل طريقة تفكير المتلقي الشاب حسب مؤشراتها العاطفية واللحنية وملامح مغنيها أو مغنيتها.
ولأن معظم ما يُغنى اليوم غناء بلا ملامح يدل على تكوين خاص أو نشأة لهما علاقة بظرف أو ذائقة محلية – وهذا هو حال التركيبة الاجتماعية العربية التي تستعير من (الآخر) استعارات هشة وبالذات منجزه الاستعراضي الخارجي- تكون النتيجة أغنية تلفيقية, تميل الى التقليد الفج للنموذج السائد, والتأكيد على الشكل المثير الزاعق, سواء كان ذلك في عرض الاغنية وعناصرها الاساسية أو في الاستعانة بإثارة اضافية تأتي دائماً من فتيات على جانب من الفتنة, يطلعن في أحلام المغني اضافة الى بيته الباذخ وسيارته الفخمة. ورغم هشاشة معظم أهل الغناء المعاصرين يتم تلفيقهم بمساعدة شبكة واسعة ومعقدة الارتباط ما بين المنتجين, والملحنين, والموزعين, واصحاب الاستوديوهات, وأصحاب القنوات الفضائية, والمشرفين على بث نمط محدد من الانتاج الغنائي دون غيره, ومع هذا نراهم وقد تحولوا الى رموز لـ "النهضة العربية المعاصرة", وراحوا ينقلون الذائقة العربية الى مستويات تعبيرية لم يحلم بها المواطن من قبل.
عمرو دياب: يحمل قيثارته الى قرية تسكنها غجريات جميلات
ففي مشهد الغناء العربي المعاصر, نجد من يستعير لحناً لا علاقة للعرب به اللهم سوى قولنا: أنه لحن من منطقة فتحها العرب وعاشوا فيها وقتاً من مجدهم الغابر. انه لحن اسباني بل وتحديداً: لحن من الحان الغجر أو تلك التي يجيدها عازفوا الغيتار الذين يتجولون في مشهد غارق في ضبابيته. هذا هو حال عمرو دياب حين يغني "نور العين" والذي اعتمد في "الفيديو كليب" الخاص بتلك الأغنية, على طريقة أظهرته وهو يحمل قيثارته قادماً من مكان مجهول, يطرق بقوة ليبدد سلطة النوم عن قرية يسكنها غجر ساحرون ... عازفون نشطاء على الغيتار وراقصات يتجمهرن حول المغني, يضعن الخلاخل في أرجلهن ويرتدين ملابس "غجرية" تجعلهن في النهاية يشبهن فتيات الاعلانات التلفزيونية التجارية, بوجوه أغرقها المكياج بكثافة وعلى طريقة المرأة العربية حين تحاول الإيحاء أنها جميلة!
من يقلد من؟ بعد "نور العين" كرت المسبحة, لا ندري من يقلد من؟ وباتت الغيتارات الاسبانية وتلويحاتها اللحنية في أشرطة غنائية لأسماء معروفة أو غيرها ناشئة وفي أولى الخطوات نحو مهمتها الكبيرة في (إنعاش) الروح العربية و (تخفيف) الدماء العربية من (ثقل) وكآبة التاريخ والسياسة والاحداث الدراماتيكية, فالمغني وليد توفيق, يغني "غجرية", وتتطاير آلات الغجر الموسيقية: الكمان ودائماً الغيتار ولا بد طبعاً من (غجرية) فاتنة في "الفيديو كليب" وهكذا تكون النتيجة لحن اسباني والكلام ركاكة عربية بصوت متواضع في تعبيره. واعتماداً على نشاز متصل تأتي أغنية "عليم الله" لأحد اسماء الموجة الجديدة في الغناء العربي والذي لا يحمل في صوته إلا مساحات ثقيلة على أذن السامع ناهيك بالميوعة التي "تميز" أدائه. هنا لا تبدأ اغنيته من مفارقة الكلمات مع اللحن فقط, حيث الكلام عربي فاقد للتعبير والإيحاء, واللحن اسباني وتؤديه (الغيتارات والاكورديون), بل من صوت المغني الخالي من الطعم والرائحة!
ويبدو ان (بنات) الأغنية العربية تأثرن بالمشهد (الاسباني) هن الاخريات ووجدن ان غجرياً في "الفيديو كليب" يمكن ان يقابل وجود الغجرية أو الغجريات في اغنيات المطربين. ففي أغنية لمغنية قد تكون (الأحدث) بين الناجحات, وهي أغنية "يازين" للمغنية ألين خلف والتي (شقّت) طريقها الى الشهرة عبر اعادتها لمغناة "ياصبابين الشاي" للمغنية طروب خالدة الذكر, نجد وحسبما تشرح لنا ذلك صورة الأغنية (الفيديو كليب) المغنية ضمن قافلة للغجر في عربات خشبية تنكسر عجلات احداها, لتنزل المغنية (الغجرية) الجميلة لتغازل حبيبها (الغجري) الشاب والذي يظهر بكامل (الاثاث) الغجري: الشعر الطويل, وقطعة القماش على الجبين, والملامح الحادة التي تحيل الى القوة النبيلة حين يرفع الشاب الغجري العجلة المكسورة ويصلحها لتمضي القافلة!! واذا كانت خفة الاغنية التي تقدمها ألين خلف مبرراً لخفة المعالجة الاسبانية – الغجرية في الصورة والموسيقى, فما الذي يمكن قوله عن مطربة وُصفت حسب لونها الغنائي, بأنها "صاحبة لمسة من الرصانة" ونعني المطربة أصالة نصري, بانتمائها مؤخراً الى (الموجة الاسبانية) في الغناء العربي واختيارها غجرياً جميلاً يعزف لها على الغيتار ويجاذبها اشارات الحب في الفيديو كليب الذي حمل صورة اغنيتها "يا مجنون"؟!
عبر هذا التلفيق تريد الفضائيات العربية اقناعنا, بأن هذا غناء عربي له علاقة بروحيتنا وبأنه يمثل بعض اضافة لذائقة أجيال طالعة من خراب وقائعها الاقتصادية والاجتماعية الذي ستجده (غنائياً) وقد تحول الى مشهد ناعم ورقيق, حيث ان اهل الغناء لا يكفون عن مداعبة أفواج من الجميلات اللائي لا يتعبن من الرقص واظهار المرح في مشهد ملفق يعتاش على الصورة المتوهمة لموسيقى الغجر الاسبان .... ولأشكالهم.
*مقالة نقدية نشرت في ملحق "سينما وفضائيات" بصحيفة " الحياة" 1999
|