رويترز: جديد علي عبد الامير .. بلاد تتوارى

تاريخ النشر       23/11/2009 06:00 AM


جورج جحا بيروت (رويترز) -
قد لا تكون مدن العراق وشوارعها بانهار الدماء التي تسيل فيها المجال الابلغ الذي يعكس الاحزان العراقية المتواصلة.. فصفحات الكتب التي يصدرها عراقيون هذه الايام اقرب الى ان تنازعها هذا الدور. فهذه الكتب ..روايات وقصص قصيرة ومجموعات شعرية وغيرها.. تعبر عن الاحزان والفواجع العراقية ببلاغة قد تفوق الواقع لانها تعكسه باشكال جمالية. انها وبما في ذلك من غرابة ذكرت منذ القدم.. تعبر بجمال عن القبيح والمرعب. ومما يشكل جامعا مشتركا بين كثير من النتاج الادبي العراقي هذه الايام هذا الشعور السائد لدى الادباء بانهم يودعون وطنا عرفوه وأحبوه على رغم ما نالهم من الام ومعاناة وان صورة هذا الوطن تبتعد وتحل محلها صور متعددة غير واضحة.. وكذلك يبرز عندهم امتلاء نتاجهم بالالم والحنين.
من الاصدارات التي تحمل هذه المعاني وغيرها مجموعة الشاعر العراقي علي عبد الامير بعنوانها المعبر والمفجع وهو "بلاد تتوارى". انها وغيرها تشبه بكاء يكاد يكون دموي الدموع لا على اطلال منزل حبيبة بل على انقاض وطن حبيب تكاد صورته تسرق من العين والذاكرة. اشتملت المجموعة على 35 قصيدة نثر توزعت على 94 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
 

شعرعلي عبد الامير:"تعبير عن الفواجع العراقية ببلاغة قد تفوق الواقع "
 

مما يسم كثيرا من قصائد علي عبد الامير التصاق بالحسي واليومي احيانا من اجل التعبير عما في النفس وايراد كثير من الاسماء اماكن واشخاصا وكثير من الوقائع ايضا.
تبدأ المجموعة بقصيدة تحمل عنوانا رمزيا معبرا هو "البلاد كنصب تذكاري". عبد الامير فيها يحمل الينا بعض عالم محمد الماغوط في مجموعته "حزن في ضوء القمر" بتأثيره الكبير في مجال قصيدة النثر. يقول في القصيدة المذكورة :
"اشدو لها وصوتي الاخضر
عشب بين قدميها
 أشدو لنفيرها الذي كونني وصرت له الضواحي
 والكتف التي تتصل بالتيه/
اشدو للحنين الذي يغازل البلاد بقصد الرفيف الذي هو فكرة العودة
اشدو لخرائبها وهي تتقوس كنصب تذكاري
 ادخلها مبتهجا منشدا فردوس راياتها
 اشدو فيمتلىء غدي بالدموع".
وفي قصيدة "الخوذة في الحرب.. السنبلة في المجاعة" المهداة الى الفنان المخرج جواد الاسدي يقول
 "نسند بعضنا بعضا في الندم
 ان نختبر الامل في ثنايانا
 لكنني اضعتك الى الابد
 غبت عني في الحرب
تهرول وخلفك اغنية مجروحة
تذكرت ضالتنا في المجاعة
تبددت ارواحنا في الحرائق
 الحرائق التي جعلتنا مأهولين بالبلاد
 فقد عدنا للموت وهي تنال حصتها من الغياب
 واكتفينا من الامهات ببكائهن قرب النوافذ".
تميز عدد من قصائد عبد الامير على رغم وقعها الموسيقي وتوتره وايحاءاتها وتفجر كثير من صورها.. بالتركيز على امور محددة احيانا لم ينتقل الشاعر من خلالها الى حالات انسانية مؤثرة. ومن ذلك قصيدة "الى شاعر عراقي" حيث تبدو اقرب الى قصة عتاب وقطيعة بسبب غدر واستغلال. يقول
 "اوهمتني انك تحمل المظلات
 وتنتظر متعبين على رصيف منسي
 كي تمنحهم ورودا...
جعلتني اذرف دمعا حين سالتك
 ما لي اراك حزينا فقلت.. مات ابي
 لم يمت احد ولم يرتفع عويل
غير انكن القسوة والبراعة
 حد ان تقتل الاب كي تظفر بمئتي دولار
 لعزاء متخيل في الناصرية...
 لم اكن اعرف وانا اسهب في جمال اللحن
 انك تبني برجا للخيانة
كنت تسكر على حسابي
وتشاهد افلاما اباحية على حسابي".
كتبت قصائد المجموعة في مدن عراقية وعربية مختلفة وفي نيويورك حيث يعمل الشاعر في محطة "الحرة" التلفزيونية. وعبد الامير درس الجراحة والطب البيطري وكتب في النقد وعمل في الصحافة وتخصص فيها في مجالات الموسيقى الغربية المعاصرة وفي السينما. في قصيدة "تمنح بغداد قلبا رقيقا" المهداة الى الفنان نصير شمة يقول
 "سمراء تشبه حزنا عراقيا
رق حزننا فصار امراة سمراء وحيدة...
 رقت قلوبنا فصارت امراة سمراء وحيدة".
وينتقل الى القول "خطاك ينوح خلفها عازفون
 ويداي ضائعتان
 لا ورودا من خصرك
 لا حنينا يأخذني ثانية الى بغداد
 لا أما تضيء لي شمعة
لا طريقا يهدهد اغنيتي
 لا املا يسع خوفي
 لا غدا...
 لا وداعا اقدر عليه
 لا عطرا منك في عنقي".
في قصيدة "عراقيون تحت امطار مانهاتن" التي كتبت في نيويورك والتي اختصر فيها كثيرا من احزان العراقيين وغربتهم بشكل مباشر لكنه مؤثر قال
 "تقول العابرة في نيويورك
 اشتروا مظلاتنا فهي رخيصة وتقاوم الريح
 نقول.. نحن فقراء عراقيون في مهب الريح
فتتركنا ساخرة..
 رئيسكم منح مشردينا ملايين الدولارات".
وبعد هذه المباشرة وايراد اسماء عديدة واحداث محددة يقول
"نحن عراقيون في المنفى
 خبزنا غريب
 ومظلاتنا ممزقة
 ورؤوسنا عارية في الريح
 وأرواحنا في مهب الامل".
اما قصيدة "بلاد تتوارى" فتحمل سمات تجعلها جديرة بان تعطي اسمها للمجموعة كلها. يقول فيها
"المطر على عجلات مذعورة
 المطر بارد على جثث في العجلات
 المطر على رايات العراقيين السود
 المطر على حربهم
 المطر في شرفاته
 المطر على خنادق في التراب البعيد
 المطر على خوذة جندي وهو يطلق النار
 المطر في فمه وهو ميت
 المطر على رأسي
وانا ادفن احلامي".
*تقرير نشر في معظم الصحف والمواقع الاخبارية العربية في 13-9-2005


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM