بقلم: الدكتور حامد العلي* كنت قد قرأت في وقت مضى (رسائل فارسية) للفيلسوف الفرنسي شارل دي مونتسكيو. وما أثارني في قراءتها طريقة توظيفه لرؤيته الفلسفية بروح شعرية عالية تبدت في صور رسائل حملت المعنى الأدبي والفلسفي على حد سواء. وعلى الرغم من انها كانت تحمل المعنى السياسي الذي هزّ عرش الملك والبارونات، لكننا وجدنا فيها درسا من دروس الادب الفرنسي. واليوم وبعد ظنوني بأنني لم استمتع برسائل غير تلك التي كتبها (مونتسكيو)، وجدت روحا جديدة تعانق السماء بكتاباتها. وتزاحم مودتي لرسائل مونتسكيو ..
نعم ان ما قرأته اليوم للشاعر علي عبد الامير عجام . في ديوانه ( الطائر على شراع الألم ) يوحي لي بأنني أحلق مع ملحمته الشعرية المتكاملة هذه في فضاءات الفلسفة لأسجل كلماتي هذه. 1. الشاعر راقص بكلماته مفاهيم الفلسفة على مر تاريخها. فقد كتب باسلوب المدرسة الايونية والايلية في مخاطبته الاموات. وأظهر حبا للاستكشاف بوقفته على أطلاله ليستدرك ( الأيروس) بلغة حديثة كما فعلها (هربرت ماركيوز). 2. جسّد الشاعر الجدلية الشعرية بين مفهومي افلاطون وارسطو، في ان هل الشعر الهام افلاطوني ام محاكاة ارسطية؟ ومايثير الجدل في شعر عجام اننا تارة نراه افلاطونيا في أروع تجسيد للمثالية، واخرى نراه ارسطيا في واقعيته . 3. على الرغم من اننا قرأنا ألوانا شعرية مختلفة تعود بطبيعتها الى مدارس فلسفية متعددة، لكن مايلفت النظر ان الشاعر عجام تمكن من ان يتبع منهجا فلسفيا جديدا. نطلق عليه ( الوليد) اي المنهح الذي تولد ذاتيا من قراءاته الفلسفية المتعددة للفلسفة الاوروبية. 4. الواقعية السحرية وفلسفة ( بيتردايت) استحوذت على أغلب أبيات عجام الشعرية . مما يجعل القاريء يتابع الآبيات واحدا بعد الآخر . كي يستدرك العلاقة بين الجسد والروح في إطار واقعي ابتعد فيه عن الغموض الأدبي واستلهم من الوسطية الذهبية عند أرسطو اسلوبا له . فلم نرى راديكتالية نيتشه أو تشاؤمية شوبنهاور وحتى عقلانية ديكارت، فلم نجد منه مايجعل القاريء يبتعد عن الواقعية. وهنا نقرأ شيء من ماكتب: "موتها الباعث على الحياة" و"الى موتي الذي نفضت غباره قليلا كي اطل عليه ". نرى ان اسلوب المناجاة كان حاضرا وكأن مونتسكيو قد عاد من جديد في رسائل فارسية . وشعوره بالحنين مع الأمنيات المفقودة كان واضحا في تجليات شعره. وبدا الشاعر هنا وكأنه فقد شيئا ثمينا يبحث عنه: "هل لك ان تغمرني بأنفاسك . " وهو تجسيد رائع للامل الذي يخرج من الموت. وهنا وكأنه أرنولد توينبي في تحديه: "لن اسمح لك ان تموت هنا في أقفال حياتك ." الشاعر هنا بدا وهو يبحث عن شيء مفقود. في احضان حبيبة عادت لحزنها .. لكنه مازال يراها كالورد في الحدائق، بقوله "لا ورد في الأكمام".
عطر ... يصف الشاعر حبيبته بأنها كالفراشات والتي كان وصالها صعبا ومضنيا وان الشوق في روحه يساعر الليل. ثلج ..... مهما كانت الظروف والمناخات والصعاب فلا تبعثره عواصف الثلج .. حتى وان خسر ما يحمل إليه الدفء، لانه قد تسلّح بعطر انفاسها الذي سيلهمه القوة . من هذه الامثلة التي كتبتها من أبياته الشعرية .. هدفت الى اظهار الواقعية السحرية في شعر علي عبد الأمير عجام.
*أستاذ التاريخ وباحث عراقي- بابل **يمكن تنزيل الديوان الجديد للشاعر والكاتب علي عبد الأمير عبر الرابط أدناه http://www.aliabdulameer.com/inp/Upload/the-bird.pdf
|