علي عبد الأمير* ظهر في أواخر ثمانينات القرن الماضي، جيل من المسرحيين العراقيين الشبان، حاول طبع التجريب المسرحي بملامح محليـة عراقيـة، مستـندة إلى ذخيرة لافتة أوجدها من قبل مخرجون رواد بارزون. ومن مخرجي الجيل الجديد: جبار المشهداني، الذي استطاع في عدد من الأعمال التي عرضها في "منتدى المسرح" ورشة احتضنت ابرز الأعمال المسرحية العراقية المهمة في عقدي الثمانينات والتسعينات، ان يكون احد مخرجي المسرح التجريبي العراقي على رغم انه كان طالباً في معهد الفنون الجميلة، وفي العام 1995 أخرج للفرقة القومية للتمثيل "الليلة الموعودة" وحازت جائزة أفضل سينوغرافيا.
فريق عمل عرض "مسرحيات قصيرة جدا" تأليف خزعل الماجدي إخراج جبار المشهداني (الثاني من اليمين) المشهداني يستعد لإنجاز عمل مسرحي، يستعيد فيه شخصية "زبيبة" التي ابرزها صدام حسين في روايته الأولى "زبيبة والملك"، بحضور زوجة الأديب الراحل سامي محمد الكاتب الحقيقي للرواية والتي قالت أخيراً لعدد من زملاء زوجها انه "مات مسموماً بعد انجازه الرواية". وسيكون المحور المكاني للعرض الذي تلتقي فيه المرأتان، مقبرة جماعية من "مكارم" صدام للعراقيين. المشهداني شاب قلبه وفكره وهو في عز الصبا، وهو مشغول بسؤال عميق عن سقوط النظام، وسقوط البلاد: "ما زلت أتساءل من أسقط من؟ لا أعتقد اني قادر على ايجاد مخرج من الفوضى العارمة التي تجتاحنا، ربما الوقت لم يحن بعد لكي أقهقه على كل ما حدث". وعن تعدد إنشغالاته بين الاخراج والكتابة والتمثيل والصحافة، وتشتت عناصر القوة في اتجاهه المسرحي، يقول المشهداني: "هذه الإنشغالات لا تبدد في داخلي الإنسان الذي أحبه. وأبدو متفائلاً من ان اعمالاً جديدة ذات هواء نقي ستخرج الى سطح الحياة المسرحية العراقية، مؤكدا ان "الذين سمموا الهواء كثر، وهو سيعود نقياً عندما يعود الأنقياء الى الوطن، ونحن ننتظرهم بعد زوال أسباب نفيهم، ومنهم المخرج ناجي عبد الأمير المقيم حالياً في فنلندا، أحد امراء النقاء وربما آخرهم، وعودته عندي اهم من عودة التيار الكهربائي". وعن انسحابه من مواسم المسرح العراقي السابقة، يقول المشهداني: "في زمن الفكر الواحد والصوت الواحد.. أرادوه مسرح اللون الواحد، ولا ادري كيف تجرأ بعضهم على ارتداء اقنعة جديدة مع الأجواء الجديدة بعدما كانوا أساطين ذلك اللون الواحد. اعتقد ان افقاً جديداً لمسرح جديد تبرز بذوره الآن، ولكننا للآسف محكومون بنفاق فني ثقافي مقيت في بركة صغيرة جامدة". وعن مشروع عرضه القائم على إستعادة رواية "زبيبة والملك" التي شاع ان صدام هو مؤلفها، يقول المشهداني: "فكرة العمل ببساطة شديدة هي ان اجمع "زبيبة" وزوجة الناقد سامي محمد، الذي نقلت لنا الأخبار انه كان هو كاتبها الحقيقي وقد وضع له السّم بعد إنجازها، مع فتاة عراقية تجلس بالقرب من مقبرة جماعية وتدور أحداث المسرحية حول السؤال: من جنى على من"؟ وبينما ينشغل المشهداني بالبحث عن وسائل تنفيذ عرضه المسرحي المثيـر للجدل، فهو لا يزال ينظر الى الماضي القريب من بوابات السؤال الجارح: "كيف كانوا يبررون لنا إلغـاء انسانيتـنا ووجودنا وهواء الحرية، كيف يعللون تسويقهم لنا مسرحيات عليلة معوقة تحتضر موتـاً لكي نصفـق لها، كيف يمكنهم اقناعنا بأن حياتنا لم تكن مسممة بالمقولات والخطب العفنة المؤدلجة بالأكاذيب بدلاً من تسويق تجربة عراقية مهمة كانت تهدف الى عوالم جديدة من التجريب المسرحي الإنساني؟ تصـور المهزلة التي كنا نعـيـشها في ظل القهر، أحد زملائي من المخرجين تهـافت الى السفـر بصفـة كومبـارس مع فـرقـة مسرحيـة الى الخارج لكي يحصل على نعمة السفر ومن ثم اللجوء الى خارج مدار الرعب"! *نشرت في "الحياة" 25/10/2003 وضمن الرابط أدناه http://bit.ly/26mz2ok |