اتنبوره يشرح للمثل بن كينغسلي جانبا من شخصيته "غاندي"
العراقيون ممن كانت اجهزة " في أتش أس" الفيديوية، وسيلتهم الى الاستزادة الفنية الراقية بعيدا عن ثقل دم الاعلام الرسمي وغثاثته، وجدوا في الفيلم، "رسالة نبيلة تمجد السلام" وكأنها موجهة الى بلادهم التي كانت قد بدأت رحلتها نحو العنف المطلق عبر حربهم الطويلة الاولى التي ستتحول الى حروب لا نهاية لها الى اليوم.
ووصل اعجاب المخرج اتنبوره بأبي الامة الهندية حد "تأليه" الزعيم غاندي. وهنا يورد الناقد حسن حداد " تأليه غاندي حذر منه الرئيس الهندي "نهرو"، عندما إلتقى بالمخرج أتنبروه في عام 1963 ، حين خاطبه:" أياً كان فيلمك ، فلا تجعل من الرجل إلاهاً .. لقد كان رجلاً عظيماً، لذا يجب تجنب تأليهه، وهذا هو مافعلناه في الهند ".
ومن التفاصيل "الانسانية" الكثيرة لغاندي والتي حجبها أتنبرو عن فيلمه، خلافاته الحادة مع إبنه (هريلال غاندي) الذي إعتنق الإسلام وإنشغل في عمليات عقاريات واسعة .. كذلك هاجس العفة الذي طارد المهاتما، الذي كان يقضي الليالي عارياً في فراش فتيات، لتأكيد صموده ضد رغباته الجنسية، ليقدمه "شخصية خارقة شامخة ومبسطة، شخصية تاريخية أسطورية"، لكن المخرج يؤكد "نحن لا نقدم فيلماً تسجيلياً يغطي خمسين عاماً من حياة غاندي، بل لكي نكون صادقين مع أنفسنا، فان هدفنا من الفيلم هو تقديم فلسفة غاندي وروحه".
مع اثنين من جوائز الاوسكار التي ظفر به فيلمه "غاندي"
هذا الفيلم المسبوك بكلاسيكية الصنعة ورصانة الاداء والصورة، هو غير فيلم "كورس لاين" الذي عرض في بغداد العام 1986 بعد سنة من انتاجه، في سينما "سمير اميس" اولا ثم "غرناطة " ثانيا، يوم كانت الصالتان متخصصتين بعروض السينما العالمية الرصينة.
و"كورس لاين" معالجة سينمائية تولاها ايتنبوره لمسرحية غنائية بالعنوان ذاته، قدمت للمرة الاولى في "مسرح شوبرت" بنيويورك العام 1975، واستمرت لنحو زاد عن ستة الاف عرض، وهي تصور مخرجا ( ادى دوره الممثل مايكل دوغلاس) يبحث عن راقصين وراقصات يجتهدون من اجل عرض متقن يجمع بين روحية الاداء عبر الرقص التعبيري والموسيقى الرصينة، ومن خلال هذه الرحلة المختلفة في سياقها الفني الخالص، يقدم المخرج ايتنبوره خيالا محلقا لحكاية سينمائية هي غير تلك الواقعية الصارمة التي جاءت عليها معالجته للزعيم غاندي.
المخرج وعدد من الممثلين في فيلمه "كورس لاين"
وما تحفظه الذاكرة الثقافية البغدادية، هو ان الفيلم جذب كثيرا من رواد السينما ممن هم باعمار كانت تبدو متقدمة، ضمن محاولة منهم باستعادة ايام السينما الاميركية وافلامها المتخصصة بالموسيقى والاستعراضات الراقصة، والتي كانت تغص بها دور السينما في العاصمة العراقية، في خمسينيات القرن الماضي حتى اواسط ستينياته.
واذا كنا قد تحدثنا عن فيلم "غاندي" وقد صار حاضرا في بيوت العراقيين عبر اشرطة " في أتش اس"، فان عبر الاشرطة ذاتها، حضر ريشارد اتنبروه في سنوات الحصار، حين استطاع المخرج ستيفن سبلبيرغ، اقناع صاحب غاندي بالعودة الى التمثيل، ليؤدي دورا بارزا في فيلم " جوراسيك بارك" او "الحديقة الجوراسية" الذي شاهده الالاف من العراقيين كبارا وصغارا، ولكن دون ان يعرفوا ان من يمثل دورا في الفانتازيا الخيالية هذه، هو ذاته من ابدع لهم فيلم "غاندي".
* نشرتها وكالة "واي نيوز" بعد يوم من وفاة المخرج ايتنبوره 26-8-2014