صحيح ان موقف الرئيس اوباما كان حاسما في اخماد جذوة تلك الاشارات الرابطة بين الهجوم والمعتقد الديني للطبيب النفسي الاميركي المسلم، الا ان هناك ايضا من المواقف المتعقلة في الاعلام الاميركي ما اوقف الربط القسري بين الاعتداء والاسلام، فصحيفة كبرى مثل "واشنطن بوست" رأت ان "الجريمة البشعة التي نفذها حسن لم تكن على صلة بالتعبير عن أي نوع من الإيمان ، ولايدل شيئا عن المسلمين الأميركيين الذين يقدر عددهم بنحو 3000 شخص ممن يؤدون بشرف خدمة في القوات المسلحة". حتى انها اوردت في مقالها الافتتاحي ان عائلة الرائد الطبيب وصفت الهجوم بانه "حقير ومستهجن" مؤكدة "عائلتنا تحب اميركا".
وكانت اوساط اميركية مسلمة تلقت بارتياح موقف الرئيس اوباما الذي سارع الى القول بان الهجوم في قاعدة فورت هود الذي أدى إلى سقوط 13 قتيلا و28 جريحا هو "من أشنع ما شهدته قاعدة عسكرية أميركية مع ذلك، وفي حين شهدنا أسوأ ما في الطبيعة البشرية، شهدنا أيضا أفضل ما في أميركا" في اشارة الى ان الشعور الوطني وتغليبه على الاصول الاثنية والدينية لمنتسبي المؤسسات الاميركية ومنها الجيش "هم أميركيون من كل جنس ودين. هم مسيحيون ومسلمون ويهود وهندوس وغير مؤمنين، هم أحفاد مهاجرين وهم أنفسهم مهاجرون، ويعكسون الاختلاف الذي يشكل أميركا ولكن ما يتشاطرونه هو الشعور الوطني".
مسدسان ومئة رصاصة قاتلة
وفي حين دعا أوباما الأميركيين إلى الصبر وإفساح المجال لتمكين المحققين من أداء مهمتهم ومعرفة الأسباب التي دفعت الضابط نضال مالك حسن إلى تنفيذ فعلته لافتا"لا يمكن أن نعرف على وجه تام الأسباب التي تدفع رجلا لفعل مثل ذلك الشيء" فان الغموض لايزال يكتنف دوافع الرائد الطبيب نضال مالك حسن الذي كان يعالج في "فورت هود" العسكريين العائدين من العراق وأفغانستان والذين يعانون من صدمات نفسية، إلى إطلاق النار أكثر من 100 مرة من مسدسين احدهما اتوماتيكي ونحو نصف دزينة من مخازن العتاد الخاص بهما، ولم يوقفه شيء الا رصاص الشرطية كيمبرلي مونلي التي تنتمي إلى فريق التدخل السريع وهرعت إلى مكان الحادث وأطلقت النار على الرائد فاصابته، قبل ان يصيبها بجروح خطيرة.
ووتتجه واحدة من المسائل الأكثر الحاحا لدى مكتب التحقيقات الفدرالي أو السلطات العسكرية الى محاولة الاجابة عن سؤال حول ما اذا كانت السلطات قد قامت بعملها من اجل تفويت الفرصة على الرائد حسن ومنعه من التصرف. فقد وردت اشارات عن ان المشتبه به أشاد بالانتحاريين المسلمين على احد مواقع الانترنت، وعن كونه معارضا لعملية ارساله للخدمة في العراق أو أفغانستان ، ومحاولته مغادرة الجيش، وهي اشارات كان يجب ان تؤخذ على محمل الجد بما فيه الكفاية، على حد سؤال ورد في تعليقات كتاب ومحللين اميركيين.
مهمة الرائد حسن ، وهو طبيب نفساني ، كانت لمساعدة الجنود الذين يعانون من الضغوط الرهيبة للحرب وعمليات ارسالهم الى مناطق النزاع المسلح في الخارج. و قاعدة "فورت هود" حيث يعمل كان لها نصيبها من هذه المتاعب ، فسجلت عشر حالات انتحار هذا العام، بينما في السنوات الثماني التي قضاها في مجمع "والتر ريد" الطبي التابع للجيش بالعاصمة واشنطن، كان الرائد حسن اصيب بالصدمة جراء ما عايشيها من حالات نفسانية معقدة لعسكريين عائدين من جبهات القتال، وهو ما اورثه الصدمة. ويبدو بحسب معلقين فان الطبيب تصدى لاحساسه بالصدمة النفسية بافراغ غضبه على الرجال والنساء ممن يعانون نتائج الحرب وقسوتها، فاختارتحويل بندقيته نحو زملائه. من هنا تأتي تاكيدات القيادات الاميركية في تغليبها نظرية البعد النفسي للمجزرة "اذا كان حسن فعل ذلك انطلاقا من الضغط والصدمة وحتى الجنون ، وألحقه جرحا بالغا بزملائه من الرجال والنساء في "فورت هود"، فان على الأمة الآن أن تبذل قصارى جهدها لمداواة تلك الجروح".
رصاصات تصيب المسلمين الاميركيين بالصدمة
مع ما قاله رئيس اركان الجيش الاميركي، الجنرال جورج كيسي ، الذي كان قائدا للقوات الاميركية خلال أحلك الأيام وأكثرها دموية في العراق بان ما قام به الرائد الطبيب النفساني في الجيش الاميركي الفلسطيني الاصل "ليس مجرد ضربة لقاعدة فورت هود ولكن للجيش بكامله"، ومع تأكيدات شهود عيان على ان المهاجم نفذ عمليته بعناية وانه راح يصرخ بالعربية "الله اكبر" اثناء اطلاق النار على الضحايا
حتى بدا نوع من الهلع بالانتشار بين المسلمين الاميركيين لاسيما اولئك الذين يخدمون في صفوف الجيش الاميركي، على الرغم من التطمينات التي قدمتها ابرز القيادات الاميركية من ان "الهجوم لايحمل ضغائن دينية".
وفي حين راح زعماء مسلمون وائمة مساجد في مدن اميركية عدة يؤكدون الجوهر المسالم لدينهم، تواصلت ردود افعال العشرات من الضباط والجنود الاميركيين المسلمين، فدانوا الهجوم مؤكدين ان منفذه لا يمثل الاسلام وانهم ملتزمون الاخلاص لقواعد العمل المهنية التي تنظم خدمتهم العسكرية.
وبدا العسكري الاميركي المسلم (من اصل باكستاني) نافيد علي شاه عازما على ايجاد نمط من الانسجام ما بين التزامه الديني بالاسلام وبمواطنته الاميركية قائلا في رسالة نشرتها صحيفة اميركية "في أعقاب المجزرة ، عزمت على أن اكون أقوى وأكثر ثباتا في تربية ابني، وسوف لن أعلمه أن يكون مسلما جيدا وحسب، بل في ان يكون مواطنا صالحا".
* نشرت في مجلة "الاسبوعية" التي كنت اراسلها من واشنطن بإسم علي الشمري