عمّان- علي عبد الامير أعلنت وزارة الثقافة العراقية ، استلهامها النتاج الفني الايراني، فقد اكد وكيلها طاهر الحمود أن "الأفلام والمسلسلات الإيرانية أخذت تشكل نموذجاً فاعلاً للمتلقي بسبب التزامها بالقيم الأخلاقية وابتعادها عن كل ما يخدش الذوق العام"، كاشفا في بيان صحافي قبل ايام عن الاتفاق مع إيران على تبادل الخبرات في مجال الإذاعة والتلفزيون، و سعي وزارته إلى إبرام اتفاقات تعاون مستقبلية مع ايران في مجالات الثقافة والفنون.
مشهد من فيلم ايراني قصير انتج للتذكير بمحنة المخرج بناهي وزميله رسولوف
بيان الحمود جاء اثر لقائه بمدير الإذاعة والتلفزيون الإيراني عزة الله ضرغامي الذي زار بغداد وجال على كبار القادة والزعماء العراقيين، واكد إن "وزارة الثقافة العراقية اتفقت مع الجانب الإيراني على تبادل الخبرات في مجال الإذاعة والتلفزيون وإقامة الدورات المشتركة، فضلا عن إدامة التواصل بين مؤسسات البلدين وصولا إلى التوقيع على اتفاقات تعاون مستقبلية في مجالات الثقافة والفنون، وبما يخدم الإعلام البلدين وسبل الارتقاء بهما". النتاج الثقافي والاعلامي الايراني، يخضع لسيطرة نظام ايات الله الحاكم واجهزة مخابراته التي اودعت السجن عشرات المثقفين والفنانين الايرانيين كان بينهم المُخرج جعفر بناهي المحكوم عليه بالسجن ست سنوات، فضلا عن عقوبة "غريبة" في قسوتها: منعه من إخراج الأفلام طوال عشرين سنة ومن السفر ومن إجراء المقابلات، ايضا. وكان الحكم على بناهي الذي صدر في كانون الأول (ديسمبر) 2011 بعد إدانته بتهمتي "القيام بنشاطات مسيئة إلى الأمن القومي والترويج الدعائي المعادي للنظام"، بعدما بدأ إخراج فيلم حول الاضطرابات التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في حزيران (يونيو) 2009. وكان مهرجان سراييفو في دورته الاخيرة، كرّم المخرج بناهي الذي "أعطى اول عمل سينمائي له الشرارة الاولى لاول نسخة للمهرجان قبل 17 عاما والذي نظم وقتها في تحد للحرب التي دارت رحاها بين عامي 1992 و1995". وقال مدير المهرجان ميرساد بوريفاترا ان "اول مهرجان افتتح بفيلم البالون الابيض للمخرج بناهي في ظل ظروف صعبة للغاية ولكن صحبته حماسة وتطلع للحرية لا يمكن تصديقه." واضاف وهو يعرض جائزة قلب سراييفو خاصة لبناهي "هذا الفنان المدهش لا يزال يذكرنا بأهمية الحرية والابداع الفني وهو بالضبط ما صنع مهرجان سراييفو السينمائي في عام 1995." وفي سياق محنة بناهي، ثمة حكم آخر صادر في حق المخرج الإيراني محمد رسولوف الذي كان يعمل مع بناهي بالسجن ست سنوات وخفض إلى سنة واحدة . وفي اواخر العام الماضي حكم على الممثلة الايرانية مرضية وفامهر بالسجن عاما واحدا وبتسعين جلدة لمشاركتها في فيلم يتناول الصعوبات التي تواجه الفنانين في الجمهورية الاسلامية. ويروي الفيلم الذي شاركت استراليا في انتاجه قصة ممثلة شابة تعيش في طهران وتمنع السلطات عرض مسرحية تشارك فيها، فتجد نفسها مجبرة على التخفي للتعبير عن افكارها الفنية. اللافت ان "استلهام الفن الايراني" عراقيا لجهة التأثر الحميم بنهج سلطات نظام ايات الله، كان سبقه استلهاما لبنانيا مماثلا، حين اعلنت إدارة "مهرجان بيروت الدولي للسينما" في دورته الاخيرة، منع المخرج الإيراني نادر داودي من التوجه إلى لبنان حيث كان مقرراً عرض فيلمه الوثائقي "الأحمر والأبيض والأخضر" الذي يروي العنف الذي شهدته إيران في الأسابيع التي اعقبت انتخابات الرئاسة عام 2009، فيما كانت الرقابة اللبنانية "استلهمت" المنع الايراني فطلبت عرض الفيلم على الرقابة منعا على ما يبدو، للمس بنظام آيات الله صاحب النفوذ الواسع في لبنان، مثلما نفوذه يبدو كاسحا سياسيا وفكريا وثقافيا في العراق. ليست المفارقة في "الاستلهام العراقي للفن الايراني" هو التنسيق مع القوى الحاكمة التي لا تتردد في اعتقال من صنع علامات التفوق في العقدين الماضيين لذلك الفن، بل ان المسؤول في وزارة الثقافة العراقية، يتحدث عن تنسيق في مجال الصناعة السينمائية مع نظيره الايراني، من اجل تحريك عجلة الصناعة السينمائية في العراق الذي اغلقت فيه كل صالات السينما في بغداد لتتحول، بسبب سيادة قيم التشدد الاسلامي، الى ورش لصناعة الاثاث والاحذية او مخازن لتجميع البضائع.
* نشرت في "الحياة" مايو- ايار 2012
|