نقد فني  



(حياة باي) للمخرج آنج لي : الطريق الى الايمان بالله عبر مغامرة انسانية

تاريخ النشر       24/05/2013 06:00 AM


عمّان- علي عبد الامير*

يستغرق فيلم المخرج الاميركي، التايواني الاصل آنج لي في الفيلم فى قضية مثيرة للجدل، الا وهي طبيعة الإيمان بالله، عبر ما تبدو مغامرة انسانية لفتى يجد نفسه وحيدا في عمق البحر على متن قارب نجاة صغير يشاركه فيه نمر بنغالي ضخم.

المخرج عمد الى التمهيد لقضية الايمان من خلال البيئة المكانية الاجتماعية التي تنطلق منها حكاية الفيلم المأخوذ عن رواية بالعنوان ذاته فازت بجائزة بوكر العام 2002 وترجمت الى العربية العام 2006، فينقلنا الى الهند حيث تعدد اللغات والأعراق والأديان: الهندوسية والمسيحية والإسلام، ضمن تكوين روحي ثقافي يرى أن " كل الأديان طرق للإيمان بوجود الله، وهنا نشهد المراهق وهو ينتقل بين أكثر من ديانة بأسلوب يجمع بين تطلعه الى الاكتشاف والبحث الجدي عن الايمان الذي يمنحه صفاء نفسيا وصل الى حد التعايش اللمكن مع الحيوانات المفترسة، لكن هذا ما يلبث ان يصطدم مع اول تجربة حقيقية، حين قدم لنمر (ضمن حديقة الحيوان التي يملكها والده) قطعة لحم ليقرأ فى عينه قدرا من الامتنان، ولكن والده حذره من تلك النظرة التى ربما لا تفصح عن طبيعة النمر، وضرب له مثلا عمليا بأن وضع أمام القفص غزالا صغيرا لينقضّ عليه النمر ويجرجرها جثة في لحظات.
 

مشهد من الفيلم
 
المستوى الثاني من هذا الطريق نحو الايمان بالله، يمثله ما عاشه الشاب هذه المرة من اقدار تبدأ من قرار الاب  السفر إلى أميركا بعد ان ضاقت به سبل العيش، وهنا يعيش الابن الشاب مفارقة وهو يجد نفسه مجبرا على مغادرة بلاده التي يحب والتي منحت الاحساس الاول بحب امرأة جميلة، فيحاول ان يثني والده عن قراره بالرحيل عبر حوار يكتظ بالمفارقة العميقة الدلالة:

الوالد: البحَّار كولومبس هو الذى اكتشف أمريكا

الابن: لكن كولومبس كان يريد الذهاب إلى الهند

لكن هذه المفارقة لم تثن الوالد عن قراره: فيشحن عائلته وحيواناته في سفينة، التي ما تلبث ان تغرق فى المحيط، في مشهد برع المخرج في صنع اهواله المدهشة والمرعبة في آن، ثم يجد الشاب (باي)  نفسه في قارب نجاة، ومعه: الضبع، الحمار الوحشي، القرد والنمر، ولان البقاء للاقوى، يقتل الضبع الحمار الوحشى والقرد، وفى النهاية يأكله النمر.

ووفرت تقنية التصوير الثلاثى الأبعاد "ثري دي" التي اعتمدها المخرج إنج لى، في تنفيذ استعارة ليست بعيدة عن  "سفينة نوح"، ضمن قراءة صورتها التمسك بالحياة، وعمادها الدفاع عن الوجود الانساني حيال اهوال تبدأ ولا تنتهي، فثمة النمر البنغالي الجائع الشرس، الذي يبدو في الجانب الاخر من الصورة سببا موضوعيا لحياة (باي) حتى الوصول الى لحظة التعايش المؤثرة بينهما.

هنا لابد من الثناء على الأداء البارع للمثل الهندي الشاب سوراج شارما (17 عاما) الذي قدم تمثيلا مذهلاً الذي يتحول من التشتت حد الفناء الى التماسك العميق ومحاربة اليأس بمفارقات تثير الضحك احيانا، لكنها تقارب قيم التسامح والتعايش بين المختلفين: الانسان الوادع حيال  نمر مفترس، في مستوى قلق من العلاقة بينهما، المستوى الذي يمثله القارب في محيط عاصف، لا يهدأ الا حين يصل الشاب المرعوب الى الإيمان العميق بالله ليصل وهو على مقربة من الفناء الى جزيرة مهجورة، يعيش فيها مع كائناتها الغريبة درسا من دروس اغناء الحياة وتعميقها.

كل هذا المسار الفكري جسدها المخرج بصريا بعناصر طبيعية مدهشة: الأسماك الطائرة التي تكاد تقفز من الشاشة الى الجمهور، الحيوانات الصغيرة التي تسكن جزيرة النباتات آكلة اللحوم، الحوت المضيء العملاق، والأمواج الرهيبة التي تنزل عليها الصواعق من كوة منيرة في السماء، بدت اشارة الهية، حد ان (باي) يدعو النمر: تعال وانظر الى عظمة الله.

المخرج آنغ لي بدا يدير العناصر السينمائية في تمكن بالغ، عدا تلك الوسيلة المملة التي استخدمها في سرد حكاية الفيلم عبر حديث لبطله ( باي) وهو رجل ناضج، مع صحافي سيتولى كتابة حكاية وصوله ناجيا.

* نشرت في "المدى" البغدادية



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM