مشهد من الفيلم
المستوى الثاني من هذا الطريق نحو الايمان بالله، يمثله ما عاشه الشاب هذه المرة من اقدار تبدأ من قرار الاب السفر إلى أميركا بعد ان ضاقت به سبل العيش، وهنا يعيش الابن الشاب مفارقة وهو يجد نفسه مجبرا على مغادرة بلاده التي يحب والتي منحت الاحساس الاول بحب امرأة جميلة، فيحاول ان يثني والده عن قراره بالرحيل عبر حوار يكتظ بالمفارقة العميقة الدلالة:
الوالد: البحَّار كولومبس هو الذى اكتشف أمريكا
الابن: لكن كولومبس كان يريد الذهاب إلى الهند
لكن هذه المفارقة لم تثن الوالد عن قراره: فيشحن عائلته وحيواناته في سفينة، التي ما تلبث ان تغرق فى المحيط، في مشهد برع المخرج في صنع اهواله المدهشة والمرعبة في آن، ثم يجد الشاب (باي) نفسه في قارب نجاة، ومعه: الضبع، الحمار الوحشي، القرد والنمر، ولان البقاء للاقوى، يقتل الضبع الحمار الوحشى والقرد، وفى النهاية يأكله النمر.
ووفرت تقنية التصوير الثلاثى الأبعاد "ثري دي" التي اعتمدها المخرج إنج لى، في تنفيذ استعارة ليست بعيدة عن "سفينة نوح"، ضمن قراءة صورتها التمسك بالحياة، وعمادها الدفاع عن الوجود الانساني حيال اهوال تبدأ ولا تنتهي، فثمة النمر البنغالي الجائع الشرس، الذي يبدو في الجانب الاخر من الصورة سببا موضوعيا لحياة (باي) حتى الوصول الى لحظة التعايش المؤثرة بينهما.
هنا لابد من الثناء على الأداء البارع للمثل الهندي الشاب سوراج شارما (17 عاما) الذي قدم تمثيلا مذهلاً الذي يتحول من التشتت حد الفناء الى التماسك العميق ومحاربة اليأس بمفارقات تثير الضحك احيانا، لكنها تقارب قيم التسامح والتعايش بين المختلفين: الانسان الوادع حيال نمر مفترس، في مستوى قلق من العلاقة بينهما، المستوى الذي يمثله القارب في محيط عاصف، لا يهدأ الا حين يصل الشاب المرعوب الى الإيمان العميق بالله ليصل وهو على مقربة من الفناء الى جزيرة مهجورة، يعيش فيها مع كائناتها الغريبة درسا من دروس اغناء الحياة وتعميقها.
كل هذا المسار الفكري جسدها المخرج بصريا بعناصر طبيعية مدهشة: الأسماك الطائرة التي تكاد تقفز من الشاشة الى الجمهور، الحيوانات الصغيرة التي تسكن جزيرة النباتات آكلة اللحوم، الحوت المضيء العملاق، والأمواج الرهيبة التي تنزل عليها الصواعق من كوة منيرة في السماء، بدت اشارة الهية، حد ان (باي) يدعو النمر: تعال وانظر الى عظمة الله.
المخرج آنغ لي بدا يدير العناصر السينمائية في تمكن بالغ، عدا تلك الوسيلة المملة التي استخدمها في سرد حكاية الفيلم عبر حديث لبطله ( باي) وهو رجل ناضج، مع صحافي سيتولى كتابة حكاية وصوله ناجيا.
* نشرت في "المدى" البغدادية