نقد فني  



مفهوم التسلية في قنوات عراقية فضائية: جمهرة راقصة من الغجريات وبذاءات من كل نوع

تاريخ النشر       03/12/2011 06:00 AM


عمّان- علي عبد الامير
ما إن انتهى شهر رمضان، حتى انقضت قنوات فضائية عراقية على مشاهديها بحشد راقص من غجريات، تختلط في اجسادهن المهتزة، ملامح البذاءة مع ايقاعات وغناء موسيقي اقل ما يقال عنه: هابط، فضلا عن احاديث مثيرة للملل مع ممثلين وممثلات ممن ادوا ادوارا في المسلسلات او البرامج التي انتجتها تلك القنوات، وشعراء شعبيين، ومطربين يبثون اشواقهم للوطن، دون ان ينسى الجميع تكرار الحديث عن "الوحدة الوطنية".
هذه ليست توليفة برامج منوعات الفضائيات العراقية في العيدن بل هي توجز مفهوم تلك القنوات عن التسلية والمنوعات، التي لايتردد احد مقدمي برامجها عن وصف مطرب من موجة الابتذال الغنائي العراقي بانه: الفنان الفنان..الفنان الانسان" في تقديمه للمطرب علي العيساوي، وهو ما فعله مقدم برنامج منوعات في قناة "الرشيد" خلال رمضان، فلا تكتفي القنوات، والحال هذه، بان تجعل الهبوط الذوقي سمة مادتها للمنوعات، بل تطلق احكاما فخمة على ممثلي الفنون الهابطة، او تقدم صورة شديدة الابتذال عن مفهوم "المرأة المتحررة"، فالعراقية التي تحاول الخروج من اشتراطات الثقافة المحافظة التي تقسر انسانيتها، بحسب تلك الصورة المتلفزة، بالكاد هي الراقصة في نوادي الليل، او هي من فئة الباحثات عن اوقات سهرة تبدأ من الغناء ولا تنتهي بالرقص المبتذل. هذه كانت صورة عراقيات في برنامج " سبايكي" المنوع الذي كانت تقدمه قناة "السومرية" في توقيت غريب، فهو كان يعرض بعد دقائق من موعد الافطار، لتأتي وجبة الراقصات فضلا عن صورة العائلة (محور البرنامج) في مواقفها الاجتماعية اليومية وحوارات اطرافها، كأنها وجبة تسمم البدن والروح، ليس عند الصائم وحسب، بل عند كل انسان بحد ادنى من الرادع الفكري والاخلاقي والذوق الانساني ايضا.

المشهد الاثير من مسلسل "سباكي": غناء النوادي الليلية وفتياتها
 
صورة المرأة العراقية هذه، تجد في البرنامج المنوع الذي كانت تعرضه "البغدادية" مساء ايام العيد، ومثلها فعلت في برامجها المنوعة قناة "الحرية"، فما ان يبدأ احد المطربين من الضيوف اداء فقرته حتى تتوزع الاستديو شابات يتنافسن على الرقص صحبة الغناء، في تقليد فج لما كانت فعلته وقبل سنوات كثيرة، برامج المنوعات في قنوات لبنانية، وهي صورة ليست خادعة وحسب، بل جارحة لمشاعر الاف العراقيات ممن يعملن على الخروج من اسر ثفاقة محافظة، تبدأ من "الحجاب القسري" ولا تنتهي بالزواج القسري المبكر، كأن الفضائيات تتفق ضمنيا مع مصادر تلك الثقافة المحافظة، ضمن معادلة ظالمة: فالسلوك القويم قرين الحجاب والتشدد في السلوك، اما الحرية فعنوانها صورة مبتذلة، اسمها الراقصات ليلا صحبة الغناء الهابط.
كما ان صورة اخرى نمطية يمكن تحديد ملامحها، عبر برامج المنوعات تلك، صورة الغناء والموسيقى في العراق، فهي اذ تكون عبر الصورة المتلفزة، اغنيات هابطة باصوات فقيرة و"نشاز"، انما تدير ظهرها بانانية مقصودة لتجارب موسيقية عراقية نظيفة وراقية، تمثلها اجيال تدرس الفن الموسيقي الاصيل عربيا وغربيا، مثلما تؤديه في حفلات وتظاهرات فنية تتضمن الحد الادني من العناية بالذوق السليم، والحس الانياني المرهف. اجيال في كليات الفنون الجميلة ومعاهدها،  في مدرسة الموسيقى والباليه، في مهعد الدراسات الموسيقية، وفي فرق موسيقية وغنائية تجرب في كل الاشكال: من المقام العراقي كفن موسيقي تقليدي حتى "الهب هوب" وهو ما ظهر عبر نشاط اكثر من مجموعة في بغداد والبصرة. ورغم الارحية العالية لكل اولئك والتنوع الكبير لفنونهم الغنائية والموسيقية، الا ان برامج المنوعات بالكاد تتذكرهم، فيما انظارها مصوبة نحو "ابهار" غنائي من نوع خاص: الحان هابطة واصوات فقيرة تحف بها اجساد الراقصات.
التسلية في برامج القنوات العراقية ليست غناء مصحوبا بالراقصات وحسب، بل نجدها في برامج مسابقات قد تكون منفذة في سياق درامي ينطوي على مؤشرات فنية، او بطريقة الاتصال الهاتفي،  واحيانا تكون منفذة بنزول مقدم او مقدمة البرنامج الى الشارع، وتنفيذ الاسئلة عبر لقاءات مباشرة مع المواطنين. برامج المسابقات هذه، وفي خطوطها المشتركة التي تعني عددا غير قليل من الفضائيات التي انتجتها، نجد مؤشرين: الاول فقر مدقع في ثقافة الجمهور العامة، والثاني حين تتحول تلك البرامج الى فرصة لكيل المدائح من قبل المواطنين لمدراء تلك القنوات، بعد مداخلات غير بريئة من قبل المقدمين، والمؤشران يكشفان مفهوما فقيرا للتسلية كما تتعاطاه القنوات العراقية.

* نشرت في "المدى" البغدادية

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM