للأتصال
فيديو
نوستالجيا
في الإعلام
مقالات
في مرايا الاخرين
في مهب العراق
نقد
نصوص
شعر
السيرة
الرئيسية


   

  نقد فني  



أفلام هوليوود واغنيات البوب حاضرة ايام الديكتاتورية وممنوعة في (العراق الاميركي)!

تاريخ النشر       29/08/2011 06:00 AM


عمّان-علي عبد الأمير
من آخر العروض اللافتة للسينما الاميركية قبل غزو صدام للكويت في العام 1990، كان فيلم "باتمان" الذي تزامن عرضه الاول في صالة سينما بابل مع عروضه في مختلف عواصم العالم، في مؤشر على ان السينما الاميركية حتى بجديدها كانت حاضرة وتجلب اهتمام كثيرين من متابعي "هوليوود" في العراق، مثلما كان العرض الاول لفيلم المخرج برايان دي بالما "المحصنون" في صالة سينما "سمير اميس"، والى جانب تلك العروض كانت الموسيقى الاميركية المعاصرة: البوب والروك والجاز هي الاكثر مبيعا في اسواق الموسيقى، فضلا عن ان اذاعة "بغداد أف أم" التي كانت تبث النغم الغربي،  مخصصة تقريبا لبث جديد النغم الاميركي طوال ساعات وعبر برامج عدة.
ومع غزو النظام العراقي السابق للكويت، وفرض عقوبات عرفت بانها الاقسى في تاريخ منظمة الامم المتحدة منذ تأسيسها، ظلت دور العرض السينمائية عاجزة عن استيراد الجديد من الافلام، لكن الموسيقى الاميركية ظلت تصدح لسنوات عبر اثير "بغداد أف أم" حتى مع اقسى مراحل العداء العراقي لاميركا، في جو من المفارقة اللافتة، ففي الوقت الذي كان فيه الاعلام العراقي معبأ بالكامل للتحريض ضد الولايات المتحدة، كانت اغنيات مادونا، بروس سبرينغفيلد ومرايا كيري وغيرهم من نجوم الموسيقى الاميركية المعاصرة، تنقل ايقاعا منغما الى طائفة غير قليلة من اجيال عراقية شابة لم تكن عابئة كثيرا برطانة الاعلام الرسمي وخطابه التحريضي.
وفي الايام الاولى التي تلت سقوط نظام الرئيس صدام حسين، توقع كثيرون ان تسود الثقافة الاميركية محمولة على معدات ووسائل الجيش الغازي الذي ظل متحكما بمقاليد البلاد حتى لسنوات بعد العام 2003، وهو ما كان يحذر منه عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي الاميركي الجنسية رحيم الحاج في حفلاته حين كان يخشى على "الاشكال الموسيقية والثقافية العراقية المحلية" من تأثير "ثقافة مستمدة من موسيقى البوب وعروض هوليوود السينمائية"، والامر ذاته امتد الى اوساط ثقافية عربية ظلت تحذر، وبحسب هواجس مستمدة من "الصورة النمطية"، من تكييف قسري لثقافة وطن السياب والغزالي وجواد سليم، لتغدو "ثقافة على شاكلة وجبات ماكدونالد، وأنغام البوب، وافلام هوليوود".
ما يبدو مفارقة كلية، هو ان "العراق الاميركي" عرف لاحقا وبلا هوادة حربا ضد كل اشكال الحداثة في الثقافة والفنون والفكر والعلوم لصالح قيم اصولية دينية متشددة جاءت انعكاسا لوجود من يمثلها في النخب السياسية المتحالفة مع الاميركيين. وخلال السنوات ما بعد العام 2003 اغلقت صالات السينما، وانطفأت انوار شاشاتها، ومثلها اغلقت بل احرقت احيانا، مسارح اغلب المحافظات في المناطق العربية، فيما طال النسف محال بيع الموسيقى واسطوانات الفيديو، مثلما قتل اغتيالا المئات من الكتاب والعلماء والفنانين والصحافيين والاطباء، وهم مركز التنوير الاجتماعي و ممثلو حيوية الطبقة الوسطى.
وشكلت رسائل التهديد المباشرة وغير المباشرة لممثلي ذلك المركز الحي في المجتمع العراقي، اشارات واضحة دفعت بالالاف الى مغادرة البلاد والهجرة بحثا عن ملاذ آمن، ومن بينهم موسيقيون قاربوا اشكال النغم الغربي (الروك بخاصة)، وسينمائيون لطالما شعت في ارواحهم انوار العروض الاميركية المبهرة.
اليوم لا صالات حقيقية للسينما في بغداد، ولا في البصرة ثاني اكبر مدينة في البلاد، ولا في الموصل التي صارت للسنوات ما بعد العام 2003 نهبا للتطرف الديني والعرقي، ولا عروض لهوليوود في "العراق الاميركي" اللهم الا تلك التي توفرها قنوات عربية واميركية يمكن التقاط بثها في المنطقة، غير انها تواجه حظر من نوع آخر، هو "الحظر العائلي"، فبسبب صعود القيم الدينية المحافظة والمتشددة بين معظم العراقيين وتحديدا في مناطق وسط البلاد وجنوبها، باتت السينما والاغنيات وتحديدا الغربية منها ممنوعة في معظم البيوت العراقية، والآباء يسارعون مع نصب معدات استقبال البث الفني يسارعون الى "تشفير" لائحة من القنوات الغنائية والسينمائية، فيما تتكلف رداءة خدمة الانترنت الحكومية بجعل متابعة اي عرض فني امرا صعبا ان لم يكن مستحيلا لعموم المواطنين.


 الظلام سيد احدى صالات السينما ببغداد فيما الحجاب يسود (أ ف ب)
صحيح ان لا أمر حكوميا عراقيا صدر بمنع العروض الفنية الاميركية والغربية بعامة، الا ان الحكومة لا تعرض عبر القنوات المسيطرة عليها اي مادة سينمائية او موسيقية غربية، فيما تتكفل الى جانب شاشات بالعشرات تسيطر عليها الاحزاب الدينية الحاكمة والمتنفذة عبر ميليشياتها، ببث ثقافة تجعل النغم الموسيقي الجميل والعروض السينمائية الرفيعة امرا يقع في خانة المحرمات حتى بغياب امر حكومي رسمي.
"العراق الاميركي" يبدو طاردا للبهجة الروحية التي تولدها عروض الموسيقى والسينما، ومولدا لكثير من قيم التزمت والإنغلاق.

*نشرت في "الحياة"
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/302151



 

 

 

Copyright ©  2025 Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM