عمّان- علي عبد الامير هي صورة الانسان "الذليل"، "المغفل"، "القروي الساذج" و"الخبيث" بقسوة ان اصبح مسؤولا، و"فقير المعرفة سيئ الهندام "حتى وان صار غنيا، صورة تبدو نمطية لمواطني جنوب العراق كما رسختها اعمال درامية، صورة لا تخلو بواعث تجسيدها من خلفية سياسية، كما يقول عراقيون كثر من مواطني جنوب البلاد تعليقا على مسلسلات درامية واستعراضية تتزاحم الفضائيات العراقية على بثها في رمضان الحالي. صحيح انها ليست جديدة، وانها تتصل بحالات مشابهة في مجتمعات اخرى تجد في انسان تكوين اجتماعي وجغرافي معين، صورة نمطية، تذهب الى تسفيه ذلك الانسان والسخرية منه، وصحيح ايضا ان تكون خلفية سياسية ما وراء تركيز تلك الصورة، اذ شكل مواطنو الجنوب ولعقود مادة للسخرية في اعمال فنية كانت تعرضها شاشة واحدة لحكومات ظلت تنظر بعين الشك والارتباب لموطني الجنوب، وفقا لموقف طائفي حتى وإن كان لم يتم الافصاح عنه، لكن ما هو يبعث على الاستغراب، هو استمرار بث تلك الصورة، حتى مع غياب "الشاشة الواحدة" لصالح شاشات كثر، وحتى في غياب النهج السياسي الاقصائي لمواطني الجنوب انطلاقا من ان الحكم بات في قبضة احزابهم ومرجعياتهم الدينية. فضلا عن هذا، فثمة من يتساءل: لماذا يلعب الممثلون من ابناء الجنوب ادورا تركز فكرة الانتقاص من ابناء جلدتهم انسانيا ؟
عمل درامي عراقي : أي صورة لابن الجنوب؟
في قنوات "السومرية" اللبنانية- العراقية، و"الرشيد" و"الشرقية" وحتى "العراقية" الرسمية ثمة اعمال تقدم ابن الجنوب العراقي بلهجته المميزة، وفق صور اقل ما توصف به انها تمس انسانيته، وكأن صورته النمطية باتت عابرة للازمنة والانظمة ايضا، وغير قابلة للمراجعة. في "السومرية" هناك مسلسل استعراضي بعنوان "سبايكي" يمنح ابن الجنوب صورة " فقير المعرفة سيئ الهندام ، حتى وان صار غنيا" عبر أب يمتلك مطعما يقدم وابناؤه (ولدان وبنت) سلسلة من المواقف التي تؤكد انحطاطا تربويا واخلاقيا قل نظيره، لا تبدأ مع مقالب يصنعها الاولاد للاب ويردها لهم بارخص منها، ولا تنتهي بمشاركة الاب ابنه في الغناء والرقص على حلبة احد نوادي الليل الرخيصة. وفي "الشرقية" ثمة صورة "الساذج " و"الذليل" و"الخبيث" احيانا في مسلسل كارتوني عن شخصية "العتاك" او "العتاق" وهو الرجل الذي يجمع الاشياء "العتيقة" من البيوت، وهي مهنة عرفها العراقيون وتحديدا ابناء المناطق الفقيرة المنحدرون من الجنوب على الاغلب. وليس بعيدا عن هذه الصورة بملامحها المتعددة، يأتي حضور ابن الجنوب العراقي في " حربي وكمر(قمر)" الذي تعرضه قناة "الرشيد". ويقول الناقد عبد الخالق كيطان " اللافت اتفاق هذه القنوات، وفي وقت واحد، على توجيه الإهانة لابن الجنوب من خلال أعمال تنتقص من لهجته بشكل واضح، وتظهره بوصفه سطحياً ونموذجاً للسخرية ليس إلا".
وعن الممثلين في هذه المسلسلات يقول انهم"ينقسمون إلى قسمين: الأول، وهم الأكثرية، من أبناء الجنوب فعلاً، أو من المتحدرين من المناطق الجنوبية، وهم يجيدون اللهجة الجنوبية بوضوح، ولكن مشكلة هؤلاء إنهم يستغلون معرفتهم باللهجة ليوغلوا بتجريح أبناء المناطق التي ينتمون إليها. والنوع الثاني من الممثلين هم أولئك الذين يريدون محاكاة زملائهم في إتقان اللهجة. الرغبة عند الفريقين نفسها: إظهار ابن الجنوب بوصفه موضوعاً للضحك". ويتفق الناقد كيطان مع الرأي القائل ان الامر تقف وراءه فكرة سياسية "هذا الموضوع موروث من أيام الديكتاتورية، فرسانه في المسرح "التجاري" معروفون، وهم قاموا بنقل خبراتهم في الضحك على ابن الجنوب إلى الشاشات، وهذه المرة يشاهد "تهريجهم" ملايين المشاهدين بعد أن كان عدد المشاهدين محصوراً بجمهور المسرح فقط". وينتقد منفذي تلك الصورة النمطية عبر الشاشة وتحديدا الممثلين "الممثل العراقي الذي يبحث عن الظهور في شاشات التلفزيون بأي صورة كانت، حتى ولو كانت مخجلة وتسيء له قبل غيره". وفي اطار البواعث "السياسية" لصورة ابن الجنوب يقول القانوني رياض الزيدي انها "ليست حكرا على النظام السابق بل ان محنة الجنوب تمتد منذ الامس القريب، حين "كان النظام السابق يريد اظهار اهل الجنوب بصورة تبعث على السخرية، يتعمدها في تشوية صورتهم في تجهيلهم، كان يريدهم وقودا لحروبه، واليوم لم يتغير الامر، فالطبقة الساسية الحالية من احزاب الاسلام السياسي التي تاجرت بمعاناة اهل الجنوب ومعها المؤسسة الدينية تقوم بنفس اللعبة، فهي ايضا تريد اظهار ابن الجنوب عاجزا ضعيفا ساذجا متخلفا منقادا تابعا لهم". غير ان هناك من المشاهيدن من يرد على هذه الاراء المتعلقة بالصورة النمطية لابن الجنوب العراق، فيرى ان الحساسية حيال هذا الموضوع تنطلق من "عقدة نقص، وشعور بالدونية ، فمعظم المسلسلات كوميدية عن حياة اهل الجنوب، وقد نرى مسلسلا كوميديا عن اهل الموصل (شمال البلاد) او عن غيرها، وهو مجرد تصوير لحياتهم، فأين الاستهزاء؟ وهي طريقة عيش سائدة في مناطق الجنوب".
* نشرت في "الحياة"
|