نقد فني  



أمير تقي عجام يسخر من سياسيي بلاده وحلمه عن "جلجامش" ما يزال مؤجلا

تاريخ النشر       16/08/2011 06:00 AM


عمّان-علي عبد الأمير
لاتبدو الخطوط التي يضع وفقها الرسام العراقي امير تقي عجام ملامح سياسيي بلاده مألوفة لجمهرة المتلقين، ذلك ان ثقافة "النظرة الكاريكاتورية" للقائد او السياسي ظلت محرمة في العراق لنحو يزيد على ثلاثة عقود اثناء فترة حكم "البعث" وتحديدا الرئيس السابق صدام حسين الذي كانت ملامحه تتجسد بطريقة تقارب الاسطورة في الالاف من اللوحات الضخمة والجدرايات والتماثيل، لكن عراق ما بعد العام 2003 أمكن إسقاط النظرة "الاسطورية" للرئيس او الزعيم السياسي، واصبح تلقي القادة بملامح "النقد الساخر" ضمن النشر الصحافي كرسوم "كاريكاتورية" امرا طبيعيا، لكن لم تعرف ملامحهم في عمل فني محكم وإن كان ساخرا، الا مع تلك الرسوم بدأ عرضها الفنان المقيم في دولة الامارات للعمل في مجال الرسوم المتحركة، فقد نشر أمير تقي عددا من لوحاته منذ العام 2008 لسياسيين عراقيين وأجانب فضلا عن شخصيات مثلت مراحل من وعيه الانساني والثقافي، فثمة لوحته الحاذقة في التنفيذ للموسيقار بيتهوفن، او مجموعته الخاصة بنجوم هوليوود ومنها لوحته المتدفقة الاحاسيس للنجمة نيكول كيدمان، فضلا عن عدد كبير من "ايقونات" عصرنا في مجالات سياسية وفكرية ورياضية ايضا.
 

الرسام العراقي امير تقي عجام
 
الرسام الذي تحصل على شهادته الدراسية من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل (100 كم جنوب بغداد) عمل في صحافة الاطفال الناشطة لسنوات طويلة في العراق قبل ان يهاجر الى الاردن ويعمل في مطبوعات ومشروعات ثقافية وتربوية للاطفال، حصل على رعاية خاصة من مؤسسة "ديزني" في قسمها الاوروبي ثم لاحقا في بعض نشاطاتها بالشرق الاوسط، قبل ان يستقر في دولة الامارات ويواصل العمل مع "ديزني" عبر شراكة سعودية كانت تصدر بالعربية مجلات: "أميرات" و"مكتشف الوحوش" و"ميكي وميني" و"دونالد" فضلا عن أصدار عدد من سلسلة كتب علاء الدين. ثم عمل لنحو عامين في أبو ظبي مع مجلة "أطفال اليوم". ويعمل حاليا في أبو ظبي رساما لقصص الكومكس والكرتون إلى جانب الرسم الكاريكتيري لشخصيات معروفة، وليصبح عبر رسوماته المبهرة واحدا من مجموعة فنانين على امتداد المعمورة يتشاركون في سخريتهم الناقدة التي لا تبقي ملمحا انسانيا الا وقاربته في ملامح تجمع اقصى حدود السخرية الى جانب الفة نادرة تجعل المتلقي في حال محبة للشخصية المرسومة مع انه يضحك لها وعليها كثيرا.
في رسوم عجام للسياسيين العراقيين يمكن التوقف عند قوة تجسيده لملامح زعيمين هما : رئيس الجمهورية جلال الطالباني و رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، ففي لوحته المجسدة للطالباني يمكن الامساك بتدفق شخصية الرئيس وحضورها في اكثر من موقف لاسيما "الظرافة" المعروف عنها الرجل في تعليقاته واحاديثه عن شخصيته الانسانية، حد ان المتلقي يمكن ان يتوقع من اللوحة ان يسمع عبرها كلمات الطالباني بعربيتها الانيقة (رغم كونه زعيما كرديا معروفا)، ويتحسس الفة وخفة في حضور الرجل رغم وزنه "الثقيل".

الرئيس جلال الطالباني بريشة أمير عجام
 
 بينما يجد في لوحة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي مشاعر متناقضة، فثمة الصرامة التي تعنيها الكتلة الضخامة، لكنها لا تخفي روحا "طفولية" عبر العينين الصغيرتين بنظرتهما الحائرة وحركة الشعر الرمادي الخفيف، حد ان المبالغة في المواصفات الجسدية لعلاوي لم تخف ملامح انسانية قريبة من تصرف الرجل وسلوكه الاقرب الى حسن المعشر وتلقائية السلوك.

أياد علاوي كما يراه أمير تقي عجام
 
التدفق الحسي عند شخصيتي الطالباني وعلاوي كما في لوحتي امير تقي عنهما، يتحول الى سكون اقرب الى الصرامة في لوحته عن رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، مع ان الفنان قلل ما أمكن من الجانب "الساخر" في تعاطيه مع شخصية المالكي الا ان المتلقي يمكن ان يتحسس "الجانب العابس" فيها  والنظرة "المتشككة".

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لم يقسو عليه أمير عجام؟

ومن الشخصيات السياسية العراقية "التاريخية" يقدم امير تقي عجام قراءته الشخصية للزعيم عبد الكريم قاسم الذي اطاح هو ومجموعة من الضباط بالحكم الملكي في العام 1958، فيظهره مبتسما بنظرة يشع منها الامل، عاكسا بتلك الملامح نظرة عراقية جمعية عن "الزعيم" الراحل بوصفه "انسانا طيبا عفيفا ونزيها".

الزعيم المبتسم عبد الكريم قاسم

ومثلما يبدو متيسرا العثور على مشاعر الاعجاب الكثيرة التي يظهرها متلقون عراقيون وغيرهم للطريقة التي اظهر فيها امير تقي عجام ملامح الساسة الحاليين في بلاده، الا ان لا مشاعر الامتعاض او الترحاب أمكن التعرف عليها من قبل السياسيين الذين طالتهم الروح الناقدة للفنان، فهم ظلوا يقيمون جدرانا تفصلهم عن الحراك الثقافي وفي جانبه الانساني تحديدا، عدا لمسات عدة تذكر في هذا الجانب للرئيس جلال الطالباني.
فيما خص الزعماء السياسيين العرب يمكن التوقف مطولا عند لوحة امير عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ورغم "المبالغة" في ملامح الرجل لجهة غلاظة الشفتين والتجاعيد التي تثقل الوجه الا ان المتلقي يشعر تماما انه ازاء شخصية مبارك بكل تحولاتها السياسية والانسانية، وان "المبالغة" الفنية في الملامح تكرس نظرة ناقدة من الفنان للزعيم المصري الذي يبدو رغم تدفق شخصيته المرسومة "ثقيلا" و"ضاغطا".

الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك

وعن هذا "التضخيم" في  وجه الشخصية بوصفه نقدا لها يقول أمير تقي عجام " الفكرة السائدة عن الكاريكتير في الوطن العربي إنه فن التحقير أو الحط من الشخصية المرسومة، لكن في الواقع ليس بالضرورة أن تكون له هذه الوظيفة فهو يعتمد المبالغة مع الحفاظ على روحية الشخصية ذاتها، وإن أستخدمت لأغراض سياسية أو دينية أو أخلاقية فالأمر يعتمد على هدف ونية الرسام نفسه في إيصال رسالته. وعموما فن رسم الشخصية الكاريكتيرية يختلف نوعا ما عن الرسم الكاريكتيري السياسي، فلا يحتاج إلى تعليق أو إطلاق نكتة مثلا، بل هو تجسيد مبالغ لسمات الشخصية فقط".
وبعيدا عن السياسة ونظرة الفنان عجام "الناقدة" لرموزها، ثمة لوحاته المشعة روحا ولونا ولمسة انسانية عن فنانين وكتاب ومفكرين اجانب، فثمة لوحته عن النجمة نيكول كيدمان بابتسامتها المضيئة، وزرقة عينيها وجبهتها العريضة وخصلات شعرها، فيجد المتلقي امام حركة الملامح ، نفسه، وهو يستعيد عددا من الشخصيات التي جسدتها النجمة الاسترالية في افلامها.
وهو في مقاربته لنجوم السينما او لموسيقيين مشهورين او علماء يعكس تجربته الشخصية وقراءته لهم " قد أرسم أحيانا تخليدا لذكرى أو لموقف مرتبط بالشخصية ذاتها" فينتقل من المخرج ستيفن سبلبيرغ الى نيكولاس كيج، ومن ويلي سميث الى ميغ رايان، ومن عمر الشريف الى ميل غيبسون، وسياسيا من ونستون تشرشل الى باراك اوباما، وادبيا من الشاعر والروائي إدغار الان بو الى الروائية فيرجينيا وولف، ودائما بحسب لمسة شخصية تتعلق بقراءة ثقافية وانسانية لكل تلك الشخصيات.
تلك القراءة ما انفكت تقارب حلمه الشخصي وهو مشروع فيلم كارتوني طويل عن بطل الاسطورة الرافدينية القديمة"جلجامش"، لكن غياب التمويل لتحويل ذلك الحلم الى حقيقة فنية، هو ما يؤرق ابن بابل لايما انه يدرك قدرات بلاده المادية ومدى ما كانت ستكسبه تربويا وثقافيا لو خصصت من موارزناتها المالية الضخمة، جزءا يسيرا لتنفيذ المشروع-الحلم، لكنه سيعود عليها بالكثير.

جلجامش: حلم رافديني مؤجل

 

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM