استفتاءات ملفقة تجريها الفضائيات العربية الحقيقة الفنية تذبح في تقييمات أم بي سي لافضل اغنية عام 2001 تصنع الفضائيات العربية، لا مجالها السياسي وحسب، بل مجالاَ فنياَ خاصاَ بها، فثمة افلام سينمائية دون غيرها، وثمة اغنيات تحكمها ذائقة محددة، وثمة خلطة غريبة في البرامج تبدأ من الفتاوى الدينية المتشددة والسلفية وتنتهي في أقصى حدود لاستغلال الدلع الانثوي عند المقدمات اللائي لا يترددن في تقديم برنامج من على سرير النوم كما فعلت من على شاشة "أم بي سي" المذيعة رزان مغربي . ومن أجواء تلفيق كهذه، تنطلق برامج فنية، تصدر احكاماَ وتؤثر في الذائقة الشعبية، شئنا أم ابينا، فتجعل وبحسب مذيعات ومذيعين يتعثرون في أمية ذوقية وضعف ادراك للفنون وفي مقدمتها الغناء والموسيقى، اغنية رديئة بين أفضل عشر اغنيات عربية لعام 2001 لا بل الاغنية الاولى، كما فعل ذلك قبل أيام برنامج "ميوزيكانا" على شاشة أم بي سي، حين سمّى اغنية "شبيه الريح" للمطرب السعودي محمد عبده كأفضل اغنية عربية لعام 2001، فيما اي مراجعة فنية على درجة أولية من الموضوعية لن تتوقف لا عند هذه الاغنية وحسب، بل عند ما وصلته تجربة المطرب عبده من تكرار جعل اغنياته الأخيرة تبدو وكأنها اغنية واحدة. وجاء اختيار المحطة لاغنية محمد عبده ، انطلاقاَ من حماستها "الوطنية" له ومن اعتبارات تحكمها المجاملات الشخصية أكثر مما يستند الى مراجعة فنية موضوعية. وما يفضح ذلك الاختيار و "المجاملة" التي وقفت خلفه، كان الاساس الذي اعتبره برنامج "ميوزيكانا" ذاته لاختيار الاغنية الافضل، وهو الاساس الجمالي في "الفيديو كليب"، وبما ان المطرب عبده لا يصور اغنياته وفق هذا الاسلوب، فأن الاختيار لم يكن ينسجم حتى مع الاساس الذي وضعه البرنامج . بينما حرصت النتائج على منح المرتبة الاولى لاغنية لم تصور اساساَ على " فيديو كليب"، كانت ست من الاغنيات التسع الباقية ضمن التسلسل من الاولى حتى العاشرة ، من النوع الرديء موسيقياَ وادائياَ، ناهيك عن القيم الساذجة التي تبثها صور تلك الاغنيات كما في اغنية "ويلي" للمطرب راشد الماجد الذي يصور اغنيته وهو يدخل "مستعمرة" نسائية خاصة به ممتطياَ صهوة دراجته النارية، او اغنية "دايم دوم" للمطرب اللبناني عاصي الحلاني الذي يعاني تخلفاَ منتظماَ في ذائقته وقدرة صوته على الاداء، الذي كان ذات له صلة بالغناء، أو أغنية اللبناني يوري مرقدي "عربي أنا" المصابة بانفصام حاد في الوعي الفني والشكل الموسيقي، فهو يجاهر مفاخراَ "بعروبيته" فيما اللحن والشكل والجو الموسيقي والصورة لا علاقة لها بأي ملمح عربي ! وكذا الحال مع اغنية "إدلع يا كايدهم" للسعودي عبد المجيد عبد الله الذي يؤكد تراجع ذائقته التي كانت حساسة ذات يوم للكلام الجميل، واللحن الناضج . وفيما اغفلت اللائحة التي ضمت كما تدعي "أفضل عشر اغنيات عربية لعام 2001" وعن عمد، واحدة من أجمل الاغنيات العربية الجديدة وهي اغنية "سيدي وصالك" للمطربة المصرية أنغام، الاّ انها حرصت على تقديم اغنية سمجة الصياغة الموسيقية، وركيكة في التعبير عن العاطفة ، وهي اغنية "تترجى فيّ" للمصري ايهاب توفيق . واذا كانت اغنية "ولا على باله" للمصري عمرو دياب تستحق موقعاَ بين الاغنيات العشر الاولى، فأن ذلك عائد ليس الى صورتها "الفيديو كليب" وانما لبنائها الموسيقي الخفيف ولكن دون اسفاف، وللاداء الرقيق لعمرو دياب، بينما اكتظ "الفيديو كليب" بكل ماهو سطحي ومثير لاشياء كثيرة لا علاقة لها بالعاطفة والوجدان والاحتفاء بالقيم الانسانية . وفي الوقت الذي تم فيه استبعاد اغنيات تتحقق فيها صفتان طيبتان، هما صفة الانجاز الموسيقي وصفة الصورة الجيدة كما في اغنية اللبنانية نوال الزغبي "طول عمري" ، حضرت اغنية "سهروني الليل" للمطرب راغب علامة على الرغم من خلوها من اي علامة للجودة عدا "الوسط الراقص" للحسناء التي شاركت علامة تصوير الاغنية . وعبر هذه القائمة الملفقة الاحكام والمفضوحة النوايا، تقيم غير فضائية عربية وسائل عرض تتحكم من خلالها بالذائقة، فتحدد الأفضل، وبالتالي الاسوأ، وما على المشاهد البريء الاّ ان يتلقى المعلومة، معتبراَ ان لا أحد سيجرؤ على خديعته ويقدم له معلومة ملفقة ! *نشرت في صحيفة "الرأي" الاردنية
|