نقد فني  



باسم قهّار في مسرحية (كهرب):عالم النساء الوحيدات

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       20/01/2011 06:00 AM


عمّان - علي عبد الامير
صاغ المخرج العراقي المقيم في استراليا في انتاج لصالح "المسرح القومي" التابع لوزارة الثقافة السورية، ملمحاَ آخراَ من عالم النساء الوحيدات، تلك الموضوعة المرتبطة بالاحزان والاسرار، والبوح والتدفق في المشاعر الغريبة، والتعبير الأغرب عنها، وذلك في عرض "كهرب" بالمركز الثقافي الملكي ضمن ايام عمّان المسرحية التاسعة التي ينظمها "مسرح الفوانيس".
باسم قهار الذي عرف في بغداد مخرجاَ مشاركاَ في عروض تميزت بالاختلاف لجهة خطابها وعنايتها بتشكيل الصورة، وبالذات عروض المخرج د. صلاح القصب، ومن ثم عروض في سوريا مع هجرته من العراق ولبنان قبل الاقامة في سيدني، ومقاربة المسرح الاسترالي عبر 4 عروض، قبل ان يأخذه الحنين ثانية ويعود الى دمشق، مركزاَ ثقافياَ وفسحة اتصال مع الثقافة العربية، أهدى عرضه الى آيات الاخرس: "نهدي هذا العرض للفدائية آيات الاخرس، وفاءَ وخجلاَ ودفاعاَ عن حق المسرح في ابتكار قيم الحق والعدالة والأمل".

باسم قهّار: الالم بتعبير مرهف وعميق

عرض قهار الذي اراده "تحريضاَ على الحب والأمل" يندرج في سلسلة من الاعمال المسرحية الاصلية والمعّدة عن عالم النساء الوحيدات، سلسلة تبدأ من ملامح مسرحيات لوركا "برناردا ألبا" وغيرها، مسرحية أوجان جينيه "الخادمتان" ولا تنتهي بـ "الحريم" التي اعدها العراقي علي حسين واخرجها في بغداد ناجي عبد الأمير، وكذلك عرض الكاتبة والممثلة عواطف نعيم "بيت الاحزان"، غير ان ما يلفت في عمل قهار، هو الخروج من الطابع الفجائعي والقهري لاسرار النساء الحزينات، الى نوع من الكشف الداخلي العميق عن القهر، عن الحياة بملامحها النسوية المعذبة، عن الانتقال من ظلمة هي الاسرار والخوف، الى جرأة هي كالشمس، جرأة البوح بالحب والافصاح عن توق الخروج من مكان ضيق يسحق الحياة ويحيلها قهراَ مستمراَ.
نساء قهار هنّ ثلاث فتيات وأم متغطرسة دفاعاَ عن "الفضيلة"، لكنها حين تسحق بناتها، فهي تذهب الى "رغباتها" حد خيانة "ذكرى الاب الذي أخذته الحرب ولن يعود". هنا في البناء الدرامي الذي عاون فيه (مناضل داود) ليس من انجرار الى الصيغة الثابتة للمشاعر القهرية عند عالم النساء الوحيدات، وانما نظر اليه من باب الرغبة في تحطيم عتمة هذا العالم وصولاَ الى ضوء انعتاق.
سينوغرافيا العرض، بدت مقتصدة ومؤثرة في آن، وهي وإن انفتحت في بناء المشهد على عمق المسرح، الا أنها نجحت رغم ذلك العمق، في تكثيف الاحساس بالعتمة الخانقة، بالرطوبة ولزوجة الايقاع الرتيب للأيام، لاسيما ان (الرجولة) مجرد حلم أو رسالة من عاشق متخيل وهي ان حضرت في المكان، فأنما تحضر (خرساء) عبر رجل نحيل أخرس، اشبه بالمعتوه تتوهم البنات شقيقاَ لهن، فيما هو لقيط تتبناه الأم تعويضاَ عن حاجة البيت لرجل وان كان غائباَ عن الفعل.
الرجل أو الفعل (الرجولة) مجللة بالخيبة عند باسم قهار في عرضه "كهرب"، وبالخذلان وبالصمت، فهو شبه معطل عبر ملمح الاخ الأخرس، وحين يحضر في ملمح آخر، فهو اشبه بالطيف العابر الغائب الملامح (الرجل الذاهب الى الحرب من مكان مظلم في المسرح الى آخر اكثر ظلاماَ).
وكان واحداَ من أجمل مشاهد العرض، ذلك الذي تبوح فيه أحدى البنات عن فكرة الرجل عندها، عن "أول بوسة" اكان ذلك عبر الاداء التمثيلي أو الفكرة التي توجز تأثير الذكورة المتخيلة "مثل دوائر الضوء التي تأتي وتبتعد في العيون"، أو "مثل البصل الذي يبكيني: أقطعه ويقطعني".
اداء بارع كان من الممثلة "امانة والي" التي عرفها الجمهور في غير عمل درامي تلفزيوني سوري ويتعرف عليها هنا بشكل مختلف، لدور الأم المتغطرسة في بيت تشكله اسرار البنات المسحوقات، الأم التي " كل شيء فيها ينكسر" حين تتضح حقيقتها أمام بناتها: حقيقة انها تخون ذكرى الأب، وتخون صورة الأم الحانية على البيت واهله.
مع ان بعض المشاهد في العرض كان بحاجة الى مراجعة لجهة البناء الفضفاض حواراَ وتمثيلاَ وتشكيلاَ على المسرح، الا ان اظهار الفتيات وهن "حوامل" على الرغم من وجودهن وحيدات في بيت معزول يطبق اسراراَ على انوثتهن، كان اجراءَ لافتاَ من المخرج قهار، فهو أكد ان الاحلام والامنيات تكتسب "فعلاَ انسانياَ" ليس أقل في تأثيره من الفعل البايولوجي، انه فعل الحرية والدفاع عن الوجود البشري.
*نشرت في "الرأي" الاردنية 2002
 
 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM