نقد فني  



الرقص على الموتى: جان جينيه يفضح عالماَ لا يخجل

تاريخ النشر       16/01/2011 06:00 AM


عمّان - علي عبد الامير
في مشهد تتصاعد فيه السخرية من وقائع العالم المعاصر ، لجهة أحداث نيويورك ، وما اعقبها من نتائج تكشف عن حافة الكارثة التي يعيشها العالم اليوم، بدأ عرض مسرحية " الرقص على الموتى" لجماعة "كوليكتيف 12" الفرنسية ، ضمن ايام عمّان المسرحية.
العرض اعتمد اداء سوسن بوخالد، وهي توجه الاشارات الساخرة ( ملامح المهرج وازياؤه كما نعرفها في عروض السيرك ) الى احداث يعرضها جهاز تلفزيون كانت قد جرته معها الى المسرح الذي كان عبارة عن خشبة دائرية مرتفعة عن الارض في اشارة الى التوازن القلق.
 الموسيقى واشارات الممثلة ومشاهد من احداث نيويورك، وأخرى مما كشفت وقائع الانتفاضة الفلسطينة الثانية، وانعكاسات الحدثين على جوانب اجتماعية وانسانية واقتصادية، كلها هذه بدت مقاربات ومداخل معقولة للاقتراب من القضية الاساسية التي عنى العرض المسرحي بالكشف عنها : الوقائع الكابوسية لما جرى في مخيم شاتيلا اثناء الغزو الاسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت صيف 1982 .
العرض اعتمد نصاَ كتبه الفرنسي صديق فلسطين، وصاحب "أسير عاشق"، جان جينيه وهو كان كتبه عقب الكشف عن جريمة قتل الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، وبعد ان قام بزيارة المخيمين، ومعايشة "البقعة المكتظة بالموت"، وحمل عنوان "أربع ساعات في شاتيلا" .

جان جينيه: معايشة "البقعة المكتظة بالموت"
المعالجة المسرحية التي تولتها المخرجة كاترين بوسكوفيتيش بالتعاون مع الدراماتورج  فيليب شاتو، كانت قد بدأت بطيئة جداَ ومقتصدة جداَ، حد انها بدت وكأنها غائبة، فالممثلة ( بوخالد ) كانت تقف عند اطراف البقعة الخشبية الدائرية لتسرد مشاهدات الكاتب جينيه للموتى الذين اغتالتهم  اسرائيل من خلال بعض المتعاونين معها في بيروت . وما يزيد في رتابة التلقي صوت الممثلة الذي كان يأتي في سياق واحد على الرغم من تعدد الحالات التي يصفها بالكلام الذي جاء بالعربية غالباَ وبالفرنسية في بعض الاحيان .
الكلام عن الموت وليس اثره ودلالاته هو الذي كان سائداَ في العرض، ولولا الحركة التي تولت عبرها الممثلة رفع جهاز التلفزيون الى اعلى وجعله وكأنه يتدلى من سقف المسرح ومنه تتوزع حبال تربط الى حافات الخشبة الدائرة التي تقف عليها ، لما كانت مسرحية "الرقص على الموتى" الا مشهداَ من المسرح السياسي المباشر، كما ان الحركة التي ازيلت بموجبها المساند التي تثبت القطعة الخشبية، لتصبح قلقة في حركتها، وتهتز مع كل حركة للممثلة، عمّقت الاحساس بأن كل الوقائع المأساوية التي عرضتها المسرحية أفقدت اللحظة الانسانية توازنها، وجعلتنا جميعاَ نعيش لحظة قلقة نكاد فيها نفقد توازننا، انها لحظة نولي فيها ظهورنا للابرياء وهم يقتلون دون رحمة .
 سينوغرافيا العرض التي صممها حسين بيضون مبتكرة  وفكرة "الحركة القلقة" كمقابل لعالم "تهتز" فيه القيم والحقائق، أوجزها اقتراحه البالغ الذكاء : ( القطعة الخشبية الدائرة ) التي تكاد في ثباتها ثم فقدانها التوازن، توجز طبيعة الاحداث في عالمنا اليوم، وما زاد عمقاَ في فوضى هذا المكان القلق، موسيقى حادة تبدو كأنها النذير الكابوسي لعالمنا المعاصر واصواته المعدنية الزاعقة .
* نشرت في صحيفة "الرأي" الاردنية العام 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM