نقد فني  



سينا عطا يرسم خراب اللحظة العراقية

تاريخ النشر       24/10/2010 06:00 AM


عمّان – علي عبد الامير
يبدو النثار الاجتماعي والثقافي والانساني الذي آلت اليه اوضاع العراقيين اثر عقود من الحروب والطغيان وانهيار الاحلام وسيادة قيم العنف وايقاع الصخب في سنوات ما بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لبلادهم، سببين مناسبين دفعا بالرسام سينا عطا (دفعا ايضا بنخب عراقية ادبية وفنية وعلمية) الى استلهام العزلة خيارا فكريا وانسانيا، للهروب من الوقائع السود تارة ثم للتأمل في الحال ذاتا وجماعة تارة اخرى.
وفي معرضه في "غاليري الاروفلي" بالعاصمة الاردنية عمّان الذي افتتح الاربعاء الماضي اقام سينا عطا معادلا جماليا لخراب الذات العراقية وجروحها. فثمة الفرد بملامح مشتتة تائهة متعبة وسط امتداد من العتمة التي لم تغير ايقاعها غير مساحات حمراء صغيرة من الاحمر القاني في دلالته الواضحة، وثمة القضبان التي تتسيد كامل اللوحة وبينها تتوزع الاجساد الصغيرة في احجام متناهية الصغر.
كثير من العتمة في لوحاته، غير ان عطا نجح في تغيير رتابة ايقاعها المتكرر بتوزيع الضوء مرة عند ملامح التكوين البشري، او في رسم مساحات فاتحة اللون (الاخضر والفيروزي والرصاصي) الداكن كأنه في ذلك يرسم للانسان المتوحد، المنعزل ان شئت، فرصة ما للخروج من محنته وعزلته المطبقة.

التعبير الجمالي عن العزلة - كاميرا علي عبد الامير

فكرة الانسان أسير عزلته كانت حاضرة بقوة في خزين التشكيل العراقي المعاصر، ولكنها عند سينا عطا ليست بالضرورة قرينة الوحشة والصخب والعنف في دلالاته المنفذة على سطح اللوحة، بل هي تبدو في تماسك التعبير اللوني وحرفيته تعبيرا جماليا بالغ الرهافة والاناقة حتى وإن كان ذلك تعبيرا عن خراب اللحظة الانسانية العراقية ووحشتها. هنا يحيل هذا التأويل الى عمل فائق التعبير والجمال انجزه الرسام علي طالب في سلسلة اعماله الاخيرة وفيها كان ينتظم في معادلة عكسية، اذ كلما زاد خراب وطنه وتشتت انسانها كلما رقّت لوحاته لونا واناقة وتعبيرا، في عملية اتصال مع مغزى عزلة الانسان ووسائله في حماية ذاته من التواري عبر تحصين قائم على احاطة النفس بكثير من الجمال.

سينا عطا قرب احدى لوحات معرضه "مشاهدات من العزلة"
 
وفي واحدة من اكبر لوحات معرضه الاخير ( متران عرض ونصف متر طول) اوجز الرسام سينا عطا فكرته عن عزلة الانسان وغربته ليس في تجلياتهما المحلية العراقية على اهميتها، بل في بعدهما الانساني العام، فثمة تكوين لوجه بشري مبدد الملامح في اقصى يمين اللوحة ثم تمتد عتمة تامة لنحو متر ونصف ليبدأ خط ابيض ناحل متقطع ثم ينتهي عند نقطة حمراء ليواصل نقاطه البيض المتقطعة حتى يبدو خطا واضحا وهو يعبر حدود اللوحة. هنا الفكرة وقد اكتملت عناصرها التعبيرية حتى وان جاءت وفق تنفيذ تجريدي، اذ ثمة التكوين المبدد للانسان ولكن الغارق تماما في العتمة بينما يبدو منفذه للخروج من عزلته خطا متقطعا لا يخلو من مصير دموي.

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM