نقد فني  



نظرة الى تجريدات فنية عراقية واردنية

تاريخ النشر       14/06/2010 06:00 AM


ضياء الخزاعي يعرض في عمّان: تجريدات لونية تقابل شيخوخة الزمن

عمّان – علي عبد الأمير
موضوعة الحرية هي الأبرز في تعامل الفنان ضياء الخزاعي مع سطح اللوحة واستنطاقه لألوانه الزيتية كما ظهرت عبر 23 لوحة زيتية ضمها معرضه الشخصي الثاني الذي شهدته قاعة حمورابي للفنون في عمّان أخيراً, التي تحولت الى نافذة يطل من خلالها الفن العراقي المهاجر.
 يلعب الخزاعي على لمسة البراءة في السطح وفي التكوين كأنه يستخرج الأشكال المتكررة وان بدرجات متفاوتة من ذاكرة طفولته فهناك دراجات هوائية كثيرة و أحياناً مجرد حركة مخففة وهذه الحركة غالباً ما كانت وسيطاً بين مستويين يتكرران في لوحات الخزاعي, الأول تكوّنه التكوينات الضخمة وهي أمْيلْ الى السكون والثاني تكوّنه التفصيلات الصغيرة وهي التي يشتغل عليها الفنان لتبدو وكأنها تخزن فكرته ومغايرته لتلك الكتل الضاغطة من الثبات والقسوة.
 ان رسومه كما يقول أحد النقّاد محاولة لهدم أية رغبة في الإستقرار وهنا بالضبط يكمن جذر الخفة التي تفصح عنها هذه الرسوم, فهي رسوم لا تشعرنا بغائيتها, انها موجودة مثل أرواحنا في هذه اللحظة بالذات من أجل لا شيئيتها.


 
أحياناً يبدو الخزاعي وهو يعيد تشكيل "ثيمة" التنقيب في المادة الخام للرسم كأنه ينقل فكرة الرسم عنده الى نقطة الهامشي الذي يقترب من عزلة روح ليست قادرة على الإعلان عن نفسها ولا الإيضاح عما تعيش ولا تستطيع ان تعي ذلك أيضاً, انه يبدد فكرة الرسم "التجسيد" و "التفسير" لتصبح لغة خالصة لا يمكن النظر اليها إلا من داخلها ولغته هي في رسم يأخذ هيئة المناجاة الداخلية التي لا تفصح عن طريقها بقدر ما تحاول التعرف الى ذلك بطريقة الخطوة الأولى.
 وتجلت جرأته في استخدام كسر التقليدي والمتوارث في البنفسجي والأحمر والأصفر وهذه الجرأة نقلها من اللون الى التكوين ضمن افق تجريدي وهذه التكوينات داخل اللوحة بقدر ما كانت صفة خاصة بها وتفصيلية فهي تنتظم بتناسق غير مباشر مع التكوين الكلي للوحة.
 
و... معرض الأردني خالد خريس: سطوة الفراغ والغموض

قد لايبدو خالد خريس مشغولاً في تقديم رؤى عن أزمنة الإنسان المعاصر, بقدر ما ينشغل في تقديم معطيات عن اشكال تلك الأزمة, عبر معرضه الأخير في المركز الثقافي الإسباني "ثيرفانتس".
     انه يعلن عن بؤرة الأزمة ويقترح سبيلاً – شخصياً على الأقل – لمواجهتها, فهو يشير الى (ما انتهى اليه عالمنا بشكل لا يتناسب وانسانيتنا), فيبدو الأثر الإنساني ضئيلاً, كأنه يُبقي للفراغ ان يقول حكمته, إذ تنطوي على احتجاج واضح, فالمساحات كلها للفراغ, وللأثر الإنساني أطيافه المبددة.


     من أعمال خالد خريس
 
ضم المعرض 32 وثيقة بصرية هي لوحاته المنفذة بألوان الأكريلك متضمنة فكرة ما للتقليل من وحشة (عالمنا), ومتمثلة بلمسة شبه مستعادة من خطوط شائعة في (رسوم الأطفال), وهي وفّرت له حرية التحرك ما بين نقائض شتى تحكم الوعي والإستجابة الفنية في اللوحة, وأحالت (رسوم الأطفال) وخطوطها البريئة, كل شيء الى لعبة تخفق بمفاجآت غير أنها تلامس عبر اللون مساحات مليئة بالخيال الذي يستمد حرارته من (الراهن).
     عبر حل كهذا: الفراغ والحرية في التكوينات وأشواق الألوان, تيقِّن المتلقي من مقترح خالد خريس للنفاذ من تحت قبة الأزمة الى فسحة الأمل مرة ثانية, انه يحث على رؤية الجانب الآخر من الفكرة التي تخنق الحياة بثقلها, فكأنه يدعو الى معانقة فضاءات فسيحة, فيها من التجريد, ما فيها من التشخيص وإن كان غامضاً.
     انه حل تقني يقدمه الفنان: المساحات الفارغة والغموض يتجاوران, مع هيئات وآثار انسانية تكسر سطوة (الفراغ) و (الغموض) وتتراصف مع بعض بحميمية كأنها تدافع وتعلن وجودها. في لوحات خريس عناية برموز وإشارات طائر غريب بألوان تشير لفسحات مختزلة, وزخارف لا تستقر ثابتة, بل هي ملحقة على الأغلب وتأخذ من مرجعية الزخرفة العربية, بقدر ما تتصل بحيوية وحرية التجريد.
     وكان خريس قد درس الرسم والحفر في كل من أكاديمية الفنون الجميلة (سان جوردي) ومدرسة الفنون التطبيقية (برشلونة) و (نال منها شهادة الماجستير في الفنون الجميلة – 1983).
     وحصل على الدكتوراه في الفنون الجميلة من كلية الفنون الجميلة – جامعة برشلونة – 1993. وأقام ثمانية معارض شخصية في كل من اسبانيا – الأردن – النرويج, وشارك في عشرات المعارض الجماعية أردنياً وعربياً وعالمياً, وحصل على جائزة (خوان ميرو) التي يمنحها المعهد الإسباني العربي (مدريد 1985), كما حصل على جائزة الدولة التقديرية (عمّان 1995).

* نشرت المتابعتان في صحيفة "الشرق الاوسط" 1998

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM