عمّان – علي عبد الأمير
نظمت السلطات العراقية أول حملة لجمع الأطباق اللاقطة للقنوات التلفزيونية من المواطنين بعد ظهور تعليقات وآراء طالت صور القيادة العراقية ومسؤوليها بين العراقيين قيل ان المحطات العربية والأجنبية أوردتها في برامجها ونشراتها الإخبارية. وانتشرت دوريات أمنية وحزبية في المناطق السكنية في بغداد على وجه خاص حيث قامت بمهمة الدليل لإيصال الشرطة الى البيوت التي تحتوي مثل هذه الأجهزة والتي تقوم بمصادرتها وإيداع مالكها السجن لمدة ستة أشهر بتهمة إستيراد وحيازة أجهزة غير مصرح بإستيرادها. وبإزدياد وسهولة دخول أجيال متتالية من أجهزة "الستالايت" عبر الأراضي التركية ولرخص ثمنه (ما يعادل 350 دولارا) إزدادت البيوت التي تقتني هذا الجهاز, مع خفوت الحملة التي كانت سلطات وزارة الداخلية العراقية قد بدأتها, واستطاع مهندسون عراقيون شبّان إقامة ورش صغيرة لصنع أطباق لاقطة بأحجام مختلفة تناسب قدرة أجهزة الإستقبال, وكانت هذه الورش عادة ما تشغل جانباً من بيوت أولئك المهندسين, ومحاطة بشيء من الكتمان والتعامل معها ظل محدوداً يتم عبر أناس "ثقة" ليس بينهم من يدل بكلمة على مواقعها "الأمينة", ولم تتوقف خدمات المهندسين على صنع الأطباق اللاقطة فقط, بل ضبطها وتركيبها في مواقع غير بارزة للعيان وأصبح من الطبيعي وضع الأطباق في داخل أقفاص الدجاج للتمويه عليها أو بين شجرتين عاليتين داخل الحديقة المنزلية. ولم تنفع مثل هذه الوسائل في تمويه السلطات العراقية وعادت الحكايات تنتشر وعادت الأفلام تتوزع بين المواطنين العراقيين وفي بغداد على وجه الخصوص بعد أن حملت لقطات ومعالجات إخبارية عن أوضاع عراقية لا تعلن عنها في العادة منابر الإعلام الرسمي. فقد كان كثير من أصحاب أجهزة تسلم البث الفضائي يسجلون على أشرطة فيديو ندوات وبرامج خاصة تبثها فضائيات عربية وأجنبية عن الوضع العراقي ويوزعون تلك الأشرطة على أصدقاء وأقارب, فنظمت السلطات العراقية أكبر حملة لجمع تلك الأجهزة وصحونها اللاقطة, وتشكلت في مديرية الأمن العامة لجنة خاصة لمطاردة المواطنين الذين يملكونها, وأصدرت السلطات العراقية قراراً يوصي بحجز صاحب الجهاز لمدة ستة أشهر, مع فرض غرامة مالية تعادل ضعفي قيمته بالعملة الصعبة, وأبقت هامشاً من تلك الغرامة لفرق الشرطة التي ألقت القبض على الجهاز وصاحبه لتشجيع تلك الفرق على البحث عن أجهزة مخفية وفي أمكنة غير معلنة, كما اعتبرت المواطن الذي يدل على مواقع تلك الأجهزة شريكاً مع الشرطة في نسبة 20% من الغرامة التي تُفرض على المواطن صاحب الجهاز, ونشطت سبل وشاية و "تلبيس" تهم عديدة, سيما ان غالبية العراقيين يعتبرون الحصول على المال لتوفير الغذاء هدفاً رئيسياً.
وعلى مدى سنوات 1995و1996و1997 نشطت تلك الحملات واستطاعت أن تصادر أغلب أجهزة الأطباق اللاقطة في بغداد والعراق, كما استطاعت السلطات العراقية أن تؤمن جانباً من (حصانة) تقول ان المواطن العراقي بحاجة إليها ضد الدعايات (المغرضة). ويبدو ان الحملة الأخيرة قد حسمت نقاشاً دار في العاصمة العراقية تراوح بين إطلاق حرية مشاهدة الفضائيات وبين حجبها. الدكتورة حميدة سميسم أستاذة الإعلام بجامعة بغداد تقول أنها مع دعوات حرية التعامل مع جهاز إتصالي مثل "الستالايت" وتضيف صاحبة كتاب "نظرية الرأي العام" قائلة: "ومع هذه الأداة الإتصالية أصبحت الثقافة من حق الجميع ولا يمكن ان نقف في وجهها وبما ان القرن الحادي والعشرين على الأبواب فإن التصدي لتوزيع هذه الأداة والنظر إليها من زاوية السلبيات فقط لا يمثل موقفاً – صحيحاً", وتضيف "أنه لأمر محزن فعلاً ان أدرّس طلبتي في الدراسات العليا وأراهم غير مطّلعين على آخر مبتكرات العلم ومصادره المهمة, بل انني أخاف ان يأتي وقت لا نعرف فيه ماذا يجري حولنا". في المقابل كان قد ظهر رأي ينتمي بإخلاص الى مفهومات المنع و "الأخطار المحدقة بوطننا وأمتنا" ويمثله الدكتور عبد اللطيف العاني رئيس قسم الإجتماع بكلية الآداب في جامعة بغداد والذي يقول: "أنا ضد فتح المجال للستالايت في ظروفنا الحالية, ويجب أن لا نسمح بأي حال من الأحوال للغزو الثقافي الذي تقف وراءه دول وأنظمة تحول المحطات التلفزيونية الى عمليات هدم فكري وعمليات تأثير سلبي". ويعتبر العاني ان الإرتقاء بمستوى البرامج والمواد التلفزيونية المحلية والوصول الى مستوى متقارب للذي تنتجه المحطات الأخرى عربية وأجنبية, هو ضمانة للمشاهد العراقي, ومتى ما تم ذلك الإرتقاء يمكن التفكير بفتح المجال للمواطن العراقي حول حقه في الحصول على جهاز "ستالايت". وترى الدكتورة سميسم ان اتصال المواطن العراقي مع العالم وتأمين ذلك بحرية له, يعني في حقيقة الأمر, خروجاً من الحصار المضروب حوله, لأنه يتيح للمواطن العراقي أن يرى الآخر ويعرف بماذا يفكر, وبما ان العراقي "محصّن" – كما تقول الدكتورة سميسم – بما فيه الكفاية فهو يعرف كيف يواجه دعوات وآراء الآخرين. وتعتبر سميسم الكثير من مشاكل الإعلام العراقي لا مبرر لها وهي نتيجة اجتهادات وممارسات تفتقر الى العلمية وكأكاديمية تطالب وزارة الثقافة والإعلام بأن تعيد النظر في قرار منع "الستالايت", وتدعو لحرية التعامل معه وأن يصبح ملكاً للجميع. غير أن دعوة كهذه تقابلها صرامة موقف الدكتور العاني الذي يؤكد ان ما "تقتبسه" محطتا تلفزيون بغداد وتلفزيون الشباب – الذي يديره نجل الرئيس العراقي – من برامج ومواد منوعة تُبث الى المشاهد العراقي وهي كافية لإشباع حاجته.
* تقرير نشر في صحيفة "الشرق الأوسط"20/1/1998
|