نقد فني  



فيلم (السنوات الرائعة المروعة): الخلاص بالتابوت من حياة كابوسية !

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       29/05/2010 06:00 AM


عمان :  من علي عبد الامير
     يبدأ الشاب كفديو إثر واحدة من حالات الألم التي يعيشها مع عائلته بكتابة انطباعات شخصية عن طفولته تحمل عنوان " السنوات الرائعة " ثم حين يزداد القمع وطأة على والده المهندس الذي يصبح ضحية شكوك مديره في العمل الذي يؤكد على " النهج اللينيني " ، يضيف كفديو عبارة جديدة عبر العنوان ليصبح " السنوات الرائعة المروعة " وهو عنوان الفيلم التشيكي الذي عرض أول من امس في المركز الثقافي الملكي ضمن عروض تنظمها السفارة التشيكية في عمّان وبدأت الثلاثاء الماضي بفيلم " كوليا " الذي تابعته " الرأي " وتنتهي غداَ الجمعة بفيلم " المدرسة الابتدائية " .
     ويظهر فيلم " السنوات ... " الذي انتج عام 1997 جانباَ اكثر اتساعاَ من القمع الذي كان يحكم الحياة في تشيكوسلوفاكيا اثناء الحكم الشيوعي ، مما اظهره فيلم " كوليا " . ويعيد النظر الى مشاهد كانت القراءات الخارجية تقول إنها تتصل بحياة قائمة على العدل والتضامن وتحقيق التكافل والمساواة الإجتماعية ضد الامبريالية باعتبارها اعلى مراحل الرأسمالية الا انها في حقيقة الامر تعني دمغ الحياة بشكل واحد وايقاع واحد ، وجعل البشر قطيعاَ منسجماَ مع توجيهات القيادة الفذة للحزب الحاكم الذي كان في حقيقة الامر يشيع الذعر والرعب بين الناس فإما الانضمام الى صفوفه او البقاء بلا مسكن واما دفع الرشوة الى الموظف والا فإن الحصول على اجازة سوق مثلما يحرص على ذلك والد كفيدو ، مستحيل واقرب للأحلام .
     وتبدأ حكاية الفيلم قبل ميلاد كفيدو في براغ - العاصمة التشيكية بساعات . والداه يعيشان ظروفاَ تبدو عادية في ايقاع المدينة عام 1962 ، الأب يسعى الى اجازة السياقة والام تبذل جهدها لتكون ولادة طفلها الأول طبيعية وفي موعدها ، لكنهما لا ينجحان في ذلك ، فالحظ العاثر يجعل السيارة القديمة التي يتم فيها اختبار الأب تتوقف تماماَ على خط السكة الحديدية قبل مرور القطار بلحظات ، بينما يرعب كلب ضال الأم الحامل وهي تستعد لدخول المسرح بصحبة زوجها مما يعجل في انجاب كفيدو وهي داخل المسرح الذي كانت خشبته تشهد فصول مسرحية " في انتظار غودو " المعروفة بدلالاتها القدرية وتكثيفها لفكرة الانتظار اليائس ، واختيارها هنا لا يبدو عابراَ ، بل ان كاتب السيناريو يان نوفاك قصدها كإشارة عن حال الناس الذين ينتظرون يائسين تغييراَ في حياتهم سيتأخر حتى 1989 مع انهيار النظام الشيوعي .
     وتختلط في عالم الطفل كفيدو وذاكرته الأولى ، حوادث من نوع الاحتلال السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 الذي يظل مربطا بهروب الطيور من بيت جدته ، والانتقال القسري للأسرة من العيش في العاصمة براغ الى مدينة صغيرة تدعى ( سازافا ) . وتصبح السنوات الرائعة من طفولته سنوات عسيرة ومروعة بالنسبة لأبيه الذي يجبره مدير مصنعه ( الرفيق شبرك ) ان يصبح عضواَ ناشطاَ في الحزب الشيوعي والا فإن مكافأته ( فيلا للسكن ) ستصبح ملغاة . 


    
ويقع حدث للعائلة يهدم الاحساس بالتوافق مع الحياة التي يرسمها ( الرفاق ) حيث يلتقي بصديق قديم هو كاتب مسرحي معارض للشيوعية له بيت صيفي في المنطقة ذاتها ، وتلقي عليهم الشرطة المكلفة مراقبة من يتصل بالكاتب القبض ، ليتحول الأب المهندس والرئيس التنفيذي لقسم التصدير في المصنع ، الى مجرد حارس بعد ان استجوبته ( الشرطة السرية ) في براغ .
     وتحولات ( مروعة ) كهذه تصيب الأب بانتكاسات وهزات نفسية ، تجعله منزوياَ وقليل الكلام ، ويقضي معظم وقته في الطابق السفلي للمنزل من اجل ان يصنع تابوتا لنفسه ، فحياة كابوسية كهذه يبدو التابوت منقذاَ منها .
     ورغم ان ام كفيدو تسعى لاعادة زوجها الى وضعه الاسبق ، بأن تأمر ابنها بلقاء صديقته من اجل انجاب طفل قد يغير حالة الأب الكئيبة ، الا ان هذا لا يغير في الامر شيئاَ حتى مجيء ( ربيع براغ ) الحقيقي ، حين يصبح الناس احراراَ وبلا حزب ( ثوري ) يجعل الحياة كابوساَ .
     اخراج الفيلم الذي تولاه بترنيكوليف اعتمد البطء في الايقاع للأيحاء بثقل ايقاع الحياة التي يتسيدها فكر واحد وطريقة واحدة في التعامل مع الأشياء ، واعتمد على اللقطات القريبة للأشخاص لإظهار مشاعرهم مقابل لقطات كبيرة للأمكنة تظهر حياديتها وبلادتها ازاء ما يحصل للناس من وقائع . 
*نشرت في صحيفة "الراي" الاردنية 92-10-1998


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM