عمّان - علي عبد الأمير
في اطلالة على "وسط البلد" في عمّان, تنفتح "دار الأندى" للفنون من سفح "جبل لويبدة", متخذة من بيت قديم, فسحة رقيقة تنسجم فيها معالم العمارة القديمة بلمسات معاصرة, لا في المدخل والأثاث وحسب, بل في طابعها كغاليري للفنون التشكيلية ومكان وجد فيه فنانون ومثقفون اردنيون وعراقيون مقيمون في العاصمة الأردنية ملتقى للإتصال بجمهور يبدو قليلاً ومشغولاً بإيقاع العيش اليومي. وتشكل "الروحية العراقية" في المكان عنصراً لافتاً لجهة وفرة المعارض الشخصية لرسامين وغرافيكيين ونحاتين من الذين هاجروا من بلادهم واقاموا في عمّان, فضلاً عن امسيات ثقافية تتنوع بين الموسيقى وتوقيع الكتب والمحاضرات. وآخر حدثين استضافتهما "دار الأندى" التي تديرها ماجدولين الغزاوي صاحبة التجربة اللافتة في التسويق الفني وادارة التظاهرات الثقافية, كانا معرضين شخصيين لفنانين عراقيين هما الرسام والغرافيكي محمد الشمري والنحات عماد الظاهر.
في غاليري الاندى حيث اعمال التشكيلي العراقي محمد الشمري
ومنذ تأسيسها في العام 1998 شهدت "دار الأندى" مرحلتين, الأولى حينما ضمها بيت بملامح معمارية معـاصرة في عمّان الغربية المعروفــة بوجـود اكثر مراكز الترفيه التجارية, والثانية حينما كان خيار تحويل بيت قديم في عمّان القديمة الى مركز ثقافي وفني, ومعها اغتنت الأنشطة التشكيلية والموسيقية والأدبية بعمق روحي كالذي تنطوي عليه الأمكنة القديمة. وفيما تسعى "دار الأندى" الى ان تكون مركزاً للتبادل الفني والثقافي مع مؤسسات عربية ودولية, يقول عدد كبير من التشكيليين العراقيين الذي عرضوا في غاليري الدار انهم وجدوا في المكان لمسات حانية خففت من ملامح غربتهم الفنية والإنسانية ووفرت لهم فرصة اتصال بالمحيط الفني الأردني والـعـربـي والعــالمي, ذلـك ان موقع "دار الأندى" على الشبكة العالمية عرض عدداً من اعمالهم, ما دفع بمهتمين من العارضين والمنتقين للأعمال التشكيلية للإتصال بهم والتعاون ما وسّع آفاق نشاطهم. وكانت "دار الأندى" قدمت معرض التشكيلي محمد الشمري الذي طور تجربة في قراءة الوقائع العراقية عبر اعمال زاوجت بين الكولاج والرسم والغرافيك, وعني برسائل معنونة الى مكانه الأول, معتمداً على مزج بين معالم العراق الهادئة في خمسينات القرن الفائت وبين تقنيات التشكيل المعاصر, بينما جعل وقائع العنف في العقود اللاحقة تظهر وهي تهشم سطوح اللوحات حتى وان بدت انيقة في توازنها اللوني. اما في معرض النحات عماد الظاهر "بقايا من ارض الرافدين" فكانت كائنات النحاس والحجر على حد سواء مستغرقة في امل للخروج من محن البلاد وهي تتوالى, وتمكن الظاهر الذي لم يخف سعادته في اقامة معرضه بين حنايا "الأندى" من تطويع عناصر الحجر والنحاس للكشف عن دائرة متصلة من الأزمات يعيشها عراقيون وان تبدلت امكنة اقامتهم.

عماد الظاهر امام احدى منحوتاته
في "الأندى" ايضاً وقعت الروائية بتول الخضيري الطبعة الإنكليزية من روايتها الأولى "كم بدت السماء قريبة", وقرأ الشاعر العراقي عبد الخالق كيطان نصوصه قبل ان يشد رحاله الى استراليا, وعزف انور ابو دراغ على آلة "الجوزة" التقليدية قبـل ان يقيم في بلجيكا, وكذا حال عازف القانــون فــرات قــدوري الذي قدم في "الأندى" اكثر من تجربة جمعت بين فنــون الموسيـقى العربية والحان الكاريبي تارة والحان الجــاز تــارة اخـرى, فضـلاً عن عشرات من المعارض لأجيال من التشكيليين العراقيين.
*متابعة صحافية نشرت في " الحياة " 2004/08/23 |