مصطفى الكاظمي *
ربما تكون محنة المثقف العراقي هي الأكثر من بين غيرها من محن هذا الوطن، فلقد ظل لسنوات طويلة، يختزن حزنه في صدره، يحبس كلماته وأفكاره حذر أن تتسرب منه، فيكون مصيره الموت في زنزانة مظلمة رطبة. وأقسى حالات العذاب بالنسبة للمثقف عندما تسجن الفكرة في رأسه، ويمنع من الإدلاء بها. وعندما تهاوى صنم القمع، وإنتهت حقبة الإرهاب الصدامي، تبسم المثقف العراقي لأول مرة في حياته، كان يعتقد أنه أصبح بإمكانه أن يطلق سراح الأفكار الحبيسة، أن ينشر الكلمة والرأي في الهواء الطلق، لكن مفاجأته كانت كبيرة حين واجه الموت ثانية بطريقة أخرى، عبر الإختطاف والذبح والتفجير والإبتزاز. لقد أحرق المثقف سنوات عمره من أجل أن يوقد شعلة تضيئ الدرب للناس، ليتلمسوا الطريق، وبدل أن يجني ثمار كفاحه، صار مطارداً بأشباح الليل والنهار، تحاول أن تجتز رأسه كله، تفصله عن جسده بسكين حادة غبية.
الكاتب والاعلامي مصطفى الكاظمي
المثقف العراقي اليوم هو في دائرة الهدف، مستهدف بإطلاقة رصاصة أو بسيارة مفخخة، أو بمجموعة تختطفه لتنهي حياته، فهي لا تريده على هذه الأرض، ترفض وجود الفكرة المنفتحة على الحياة الجديدة، تريد أن تشطبها من الوجود. المثقف العراقي علي عبد الأمير، لاحقه الإرهاب بشراسة، تعقب خطواته وهو يرسم للعراقيين حروف الديمقراطية والغد المنشود، فأخطأته يد الإرهاب مرة حين إختطفت شقيقه، وذبحته بسكينة الإرهابي المتزمت، وأخطأته مرة أخرى حين قتلت أحد أصدقائه المقربين، وتكرر الخطأ ثالثة و رابعة ....... ، لكن الإرهاب كان يضيف في كل مرة جرحاً في قلبه، وفي نفس الوقت يسعى لأن يقتل فيه الأمل، ويسقطه في دائرة الرعب المجنون. لكنه يبقى على سيره الهادئ الواثق، فهو يحمل رسالة وطن، وهموم شعب، وتلك هي رسالة المثقف العراقي في زمن البناء الجديد.
* مدير مشروع التاريخ الشفهي في مؤسسة الذاكرة العراقية والمقالة نشرت في صحيفة "الشرق الاوسط" اللندنية |