المصري ايهاب توفيق في بغداد
الآثاريون العراقيون يجدون في "مهرجان بابل" فرصة للخروج من عزلة تكاد تلقي بجهدهم في "إطار أكاديمي مغلق" فيقيمون على هامش المهرجان محاضرات وحلقات نقاشية عن بابل وتاريخها وعمقها الحضاري. ويجد اهل بابل المعاصرة (محافظة الحلة) نعمة في اقامة المهرجان, فبسببه سيظل التيار الكهربائي مستمراً ليضيء لياليهم التي اعتادوا فيها الظلمة ويصل الماء الصالح للشرب الى بيوتهم.
نقيب الفنانين العراقيين: "مهرجان بابل" مستواه عالمي ولا يرقى اليه فنانو المحافظات**
تكاد تطبق العزلة على فناني العراق في عاصمة بلادهم, فنادراً ما توزع اعمالهم التلفزيونية عربياً, واشكال الحوار مع تجارب عربية واجنبية شبه معدومة بحكم ندرة الملتقيات والمهرجانات الفنية, وهي إن توافرت تظل محدودة الأثر, خصوصاً ان الفرق المشاركة ضعيفة في مستوياتها الفنية, ويغلب "الطابع التضامني" على حضورها المحتفل بشعارات طاغية.
وإذا كانت حال الفنانين في بغداد على هذا النحو, على رغم محاولاتهم منع اليأس من الاحاطة التامة بـ "فسحة الأمل" المتمثلة بمشروع عمل تلفزيوني او مسرحي يعيد الجذوة الى ساحة العمل, فإن حال زملائهم في المحافظات تبدو اكثر سوءاً لجهة ضيق يكاد يغلق حتى "فسحة الأمل", فلا "تلفزيون الموصل" و "تلفزيون كركوك" (شمال) و "تلفزيون البصرة" (جنوب), على عهدها السابق, كمحطات تتمتع بموازنات انتاج خاصة قادرة على تشغيل قطاعات فنية في التمثيل والموسيقى والتصوير.
وظلت فروع نقابة الفنانين في المحافظات العراقية تمثل نوافذ لممثلين في المسرح واشكال التعبير المساندة له. فاقترحت مهرجانات مسرحية ما لبثت ان تحولت "شهقات احتجاج" ضد الصمت التام وأسيجة العزلة التي تتعالى من حول فنانين كانوا, الى مدة, في قلب المشهد الفني والمسرحي لوطنهم. وتحولت مهرجانات مسرحية في محافظات الحلة (بابل) والناصرية (ذي قار) وبعقوبة (ديالى) والبصرة, عراكاً متصلاً بين فناني المحافظات وصمت يكاد إحكام عزلته يطفيء جذوة اوقدتها سنوات دراسة في اكاديميات بعضها خارج العراق, وأدامتها احلام ليس اقلها الخروج الى فضاء تعبيري اوسع من حدود الأمكنة الضيقة البعيدة من بغداد.
بلبل البعث
نقيب الفنانين العراقيين داود القيسي (بلبل البعث) بحسب التسمية التي قاربت اغنياته السياسية عن الحزب الحاكم في العراق, كشف في حديث الى صحيفة "الجمهورية" البغدادية: ان نقابته لا تعرف مواقع المواهب الفنية وانواعها واعدادها في المحافظات.
القيسي "يعول على الفضائية العراقية" في إظهار "تراث اصيل" تزخر به محافظات العراق, ويقول ان "قناة العراق الفضائية" تقدم برامج عن كل ما تحتويه من إرث ادبي وفني ومنوّع على مدى ساعتين لكل محافظة, لكن القيسي ينتقد غاضباً "ظواهر سلبية عند فناني المحافظات"، ويقول "نلاحظ هجرة فنانين من المحافظات, لكني انبه الى ضرورة البقاء في اماكنهم وعدم التفريط بهم الى بغداد او الخارج".
ورداً على سؤال: هل وفرت النقابة فرص عمل لفناني المحافظات إذا كانت ترى فائدة في بقائهم؟ أجاب القيسي: "توسعنا في مهرجانات مثل مهرجان الاغنية الريفية في ميسان (العمارة) والملتقى المسرحي في البصرة ومهرجان المسرح في بابل (الحلة) ومهرجان الأغنية في ديالى (بعقوبة) ومن خلالها نفرز مبدعين في الكتابة المسرحية والغنائية والتلحين والرسم والرقص والغناء والاخراج, وهذا تقليد متبع في اوروبا".
وعن تمويل نقابة الفنانين العراقيين نشاطات فروعها في المحافظات, رفض النقيب القيسي تمويل الفروع مؤكداً "ان الفروع يجب ان تموِّل نفسها ذاتياً عبر البطاقات (التذاكر) او سواها من طرق تغطية التكاليف", وبينما تغطي النقابة وادارات المحافظات تكاليف "احتفالات مركزية بعيد ميلاد الرئيس صدام حسين والمناسبات الوطنية" توكل الى فناني المحافظات البحث عن تمويل لنشاطاتهم الفنية غير الخاضعة للخطاب السياسي الرسمي. ويؤكد "اننا لا نستقدم الى بغداد عملاً من المحافظات ما لم يكن متميزاً, ولا يمكننا البحث عن فرصة انتشار عربية إلا للمتميز بمستوى يضاهي النجوم العرب". ويختم حديثه عن مشاركة فناني المحافظات العراقية في "مهرجان بابل" الذي بدأ في 22 ايلول (سبتمبر) الجاري بالقول: "ان بعض فناني المحافظات يجهل واقع العمل، متناسين ان "بابل" مهرجان عالمي وفن محافظتهم لا يتوافر على مستوى يرتقي اليه".
*متابعة نشرت في "الحياة" 26 ايلول 2000
** متابعة نشرت في "الحياة" 29 أيلول 2000