القسم الثامن 6. السيد توفيق الكرخي : أدركته وقد أصبح شيخاً يبدو وكأنه أبو كل المعلمين ، ثم علمت أنه كذلك فعلاً إذ تتلمذ عليه أغلب معلمينا . كانت قصصه الدينية والتاريخية ذات العبرة الدينية في درس الديانة نوعاً من سحر الكلام ، رغم أن حصته العادية (القراءة و معاني الكلمات) لم تكن تخلو من شغب بعض التلاميذ لكن ذلك (الشغب) يختفي حالما يباشر (أبو سمير) قصته عن نبيِ أو حدث أو معركة تاريخية . وكان خلال تلك القصص مدرسة قائمة بذاتها من المواعظ والدروس تنساب إلى المتلقي بأسلوب قصٍ ساحر . وكثيراً ما تناوب مع المدير في حصة الخط ، وخطه يمثل مباراة ساخنة مع خط مدير المدرسة في الجمال والأناقة ، كان (سمير) أبنه زميلاً لنا لكنه لم يكن يتميز علينا بشيء بل كان لا يسلم من العقاب وعقاب أبيه بالذات كلما قصر في واجب مدرسي أو في قاعدة من قواعد السلوك . وبعد فالسيد توفيق الكرخي رحمه الله هو ابن عم الشاعر الشعبي المعروف عبود الكرخي . 7. محمد حسين عبد الزبيدي .. هو الأستاذ الدكتور محمد حسين الزبيدي أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بغداد إلى فترة قريبة ، وأمين مكتبة المتحف العراقي لفترة أخرى ، والباحث المؤلف في شؤون عراقية معاصرة مؤلفاته معروفة وأغلبها منشور عن وزارة الإعلام . حين ابتدأ شوطه التعليمي في مدرستنا كان يعلمنا مادة التاريخ القديم للصف الثالث الابتدائي حيث كان الإنسان القديم .. إنسان ما قبل التاريخ موضوعا للكتاب المقرر ، وكان أبرز ما فيه تركيزه على مشاركة التلميذ في تحضير الدرس . غير أن تميزه الحقيقي على صعيد المدرسة جاء حين أشرف على النشاط الرياضي فيها لا سيما وأن هيأته الجسمية كانت تشير إلى رياضي ممارس ، وقد منح التدريب واكتشاف المواهب الرياضية بين التلاميذ ورعايتها اهتمامه الأكبر ، وسرعان ما ظهرت آثار ذلك الاهتمام والتدريب بتصدر مدرستنا للعديد من بطولات الألعاب في اللواء (المحافظة ) ، وعلى يديه برز العديد من أبطالنا الذين تطورت بطولاتهم فيما بعد على مستوى اللواء ثم على مستوى القطر ، فقد برز وليد أحمد البرزنجي في ركض 100 م والقفز العريض والقفزة الثلاثية ، وبرز الأخوان حسن وفاضل حسيني الحداد اللذين سجلا بطولات في الركض والقفز العريض أيضا ، وكان هنالك أيضا نايف كصب الجنديل وسلمان المحاويلي في القفز العالي والقفز بالزانة ، وحمزة سعود والعديد غيرهم ، وأمتد أهتمامه الرياضي إلى المدينة خارج المدرسة من خلال برنامج للتدريب المفتوح خارج وقت الدوام ، لكنه لم يتخل عن درس التاريخ .وأذكر أن الأٍستاذ الزبيدي أجرى لي اختبارا خاصا لمعرفة ما إذا كنت أفهم معنى ما أقرأ أم أحفظه ( درخا ) بعد أن لاحظ أنني ألقي الدرس على السبورة فيما يكاد يكون حرفيا .. وذلك بأن جعلني أقرأ أمامه من رواية عالمية ثم سألني ماذا فهمت منها ؟ وأعترف أنني لم أستوعب ما قرأت أمامه لكنه لم يعلق بشيء غير أنه لم يتخل عن اهتمامه بي كتلميذ متفوق . وقد تعاون معه في الشأن الرياضي لفترة الأستاذ إسماعيل خليل الذي كان يعلمنا مادة (الأشياء والصحة العلوم حاليا) وإليه آلت شؤون الرياضة المدرسية بعد التحاق الزبيدي في الدراسة الجامعية ، ليعود ويدرسني مادة الاقتصاد السياسي في الصف الرابع العلمي بثانوية المسيب . 8. عباس الحمداني .. على خلاف أغلب الطلبة في الكليات لم أكن أعاني من مشكلة في اللغة الانكليزية بل كنت متفوقا فيها في دراستي الثانوية ، وكان ذلك يعود لمتانة الأساس الذي أرسيت عليه معلوماتي في هذه اللغة كمعان للكلمات وكقواعد . والفضل في ذلك لمعلمي الأول في هذه اللغة .. الأستاذ عباس سريبت الحمداني .ولا أحسب أن أحدا من زملائي ينسى هذا المعلم الصبور ومائدته العامرة بالسكر والزبد والشاي وأدوات الطعام وغيرها ليعلمنا أسماءها بالانكليزية وكيفية التعبير عنها وإستعمالها . ولقد كان يكرر المادة عشرات المرات دون ملل وبصبر عجيب وبصيرة . هنا بدأت معرفتي لمبادئ اللغة الانكليزية حروفا ثم أملاء ونطقا . 9. حسين حيدر .. مع أنه يدرس مادة أو مادتين وأتذكر أنه علمنا درس الأشياء في الصف الثاني الأبتدائي إلا أنه لا يذكر إلا وآلة الكمان ترافقه . نعم فقد كان معلم النشيد والموسيقى ويقود فرقة النشيد المدرسية ويدربها ويقود اداءها في أفتتاح حفلات الخطابة أو المناسبات المدرسية الأخرى ، ولكن ولعه بالموسيقى لم يخفض شدته في متابعة المقرر الدراسي الذي يعلمه حتى لو تطلب الأمر فرض عقاب جماعي على الصف كله كما حدث ذات مرة وأنا في الصف الثاني . التقيته لآخر مرة وأنا طالب في السنة الثانية بكلية الزراعة وكان يمر بالقرب من نادي الطلبة في الكلية بعد ظهر أحد الأيام وهو يحمل ( الكمان ) أيضا وكنت عائدا من مختبر الكيمياء ولم أخلع صدرية المختبر بعد .. فأسرعت حتى أدركته لأسلم عليه .. وسلمت عليه .. هل تتذكرني يا أستاذ ؟ أبتسم وهو يحدق بي وقال : لعلك من تلاميذي ولكن كيف أتذكر الصبي الصغير من هذا الشاب اليافع بملابسه الجامعية ؟ وفجأة أتسعت أبتسامته وقال : ولكن بعض التلاميذ يبقون في ذاكرة معلميهم أصبر قليلا .. أنك .. أنك .. أنـ.. قاسم ، قاسم من أبتدائية المسيب الأولى فاحتضنته وسألته عن أخباره فأوضح أنه هنا في طريقه إلى متوسطة أبي غريب وكانت تقع خلف كلية الزراعة أو حيها السكني حيث يعمل فيها معلما للموسيقى ومشرفا على النشاط الفني . 10. وآخرون .. بالمثابرة إياها وبالروح إياها كان بقية معلمي المدرسة يحفرون مجرى مستقبلنا كتلاميذ لهم وكأبناء فكان هنا مرشد الصف الثاني الأستاذ عبد المنعم السعلو والأستاذ هادي الحمداني ( الأقراط ) الذي لم أتتلمذ عليه إلا قليلا ، والأستاذ صادق سعودي وشدته في تعليمنا اللغة العربية في الرابع الابتدائي ، ولكل منهم فضله وإسهامه في هذا التكوين الذي ينساب الآن بهذه السطور . وإذا كان إخلاص أولئك المعلمين المربين في تعليم لاميذهم يمثل قيمة ثقافية وحده فأن دورهم الثقافي في العام خارج المدرسة من خلال لقاءاتهم ومجالسهم مع أساتذة آخرين من مدارس أخرى يكاد على ما أتصور أن يكون هو النشاط الثقافي الوحيد في المدينة إذ لم تكن مدرستنا خاصة والمدارس الأخرى فيما بعد تخلو من نشاط ثقافي واجتماعي يتسع للناس عامة كالمسرحيات والتمثيليات الاجتماعية ومسابقات الخطابة . كما أن أهتمام المدرسة بأعداد النشرات المدرسية يعبر فعلا عن الاهتمام الثقافي للأساتذة المشرفين إذ تخضع المواد المقدمة للنشرة إلى فحص دقيق وتفرز للنشر خير المواد ولم يستطع المساهمة فيها من التلاميذ إلا من كان مقتدرا فعلا ويا لفخره حين تنشر مادته إلى جانب مادة لأحد أساتذته !! ثم ينتدب لها مجموعة ممن يحسنون الخط لكتابتها ، وكما ساهم المعلمون في التحرير يساهم أصحاب الخطوط الجميلة بكتابتها ورسم بعض موادها كما كان يفعل أحمد جميل وزكي جاسم .
القسم التاسع المدرسة والتقاليد والمبنى أولئك كانوا معلمي مدرسة المسيب الابتدائية الأولى مجموعة للتربية ، مجموعة للثقافة ، وكان من الطبيعي وهم بتلك الحيوية والجدية أن يمنحوها أسماً رفيعاً كان لها فعلاً ، حتى أن كثيراً من العوائل لا ترغب بإرسال أبنائها إلا لهذه المدرسة . وكان الكثير من الآباء (يتوسط) لقبول أبنائهم فيها حتى وإن كانت مساكنهم أقرب إلى مدارس ابتدائية أخرى غيرها ، ولا غرابة في ذلك .. فقد استطاعت هذه المدرسة التي ثبت على لوحة أسمها أنها تأسست عام 1921 ، أن ترسي تقاليداً تربوية وتعليمية بل ودشنت ومارست أولى الممارسات الثقافية العامة التي اجتذبت أهالي المدنية لاسيما وأن مبناها كان يسمح لها بتلك الممارسات والتقاليد . كانت قاعتها الداخلية التي تفتح عليها أبواب الصفوف فسيحة جيدة الإضاءة ، حتى طبيعياً ، يتصدرها ، بالنسبة لداخلها من الباب النظامي ، مسرح كبير مشيد وفق الأسس الفنية وقد رسم ديكوراته الفنان الرائد الراحل سلمان الحمداني وهو مسيبي قديم (توفي في الحلة أوائل 1997) والحقت بالمسرح غرفة للمستلزمات ( الديكور ، المكياج ، استراحة الممثلين ... الخ) ولا تنقص ذلك المسرح حتى حفرة الملقن ، وعلى هذا المسرح أقيمت العديد من النشاطات الخطابية والتمثيلية لعل أهمها عرض مسرحية "الزوجة الثانية" تأليف الأستاذ المرحوم حسن هادي الأنباري التي مثلت لعدة أيام والناس تزدحم لمشاهدتها وقوفاً ، وكان لها صداها اجتماعياً ، ومسرحية "البخيل" لموليير . وقد ساهم في تمثيلها عدد كبير من طلبة الثانوية والابتدائية وعدد من المعلمين ، اذكر من الممثلين مهدي الأنباري ، فاضل عبد العباس ، محمد كاظم الحداد ، أحمد جميل عبد القادر ، وغيرهم ، ويمكن للأستاذ مهدي الأنباري أن يوثق هذه المسألة أفضل مني . وكان لي شرف ارتقاء هذا المسرح أكثر من مرة ، في مسابقات الخطابة وتجويد القرآن ، ولمرة واحدة أرتقيته ممثلاً لأؤدي دوراً صغيراً في تمثيلية قصيرة كتبها واخرجها الأستاذ أحمد جميل وكانت للحث على محو الأمية والدعوة لتعلم القراءة والكتابة . كانت جدران القاعة تزدان بلوحات فنية كبيرة رسمها بعض أساتذة وطلبة المدرسة وبنحت بارز على الخشب يمثل شعار المملكة العراقية إضافة إلى صور الملوك ، وخرائط كبيرة كانت إحداها بالجبس البارز للجزيرة العربية ، إضافة إلى لوحات بالخط العربي تمثل مأثور الكلام والحكمة والآيات القرآنية ، ولا يجوز للتلاميذ البقاء داخل القاعة في فترات الاستراحة والمراقب العام مسؤول عن تنفيذ ذلك . ولذلك فإن أيام الشتاء الممطرة كانت فرصتنا الوحيدة للتمتع بجو القاعة ورموزها وأن كان الازدحام يفسد ذلك ، وحين نستثمر القاعة لاحتفال أو عرض مسرحي ، تصف الكراسي أو الرحلات فيها بمواجهة المسرح ، وفي قاعتنا تجري امتحانات نهاية السنة التحريرية في جو مهيب . وفي مدرستنا العتيدة تلك أكثر من حديقة واحدة ناهيك عن أن الساحة على كبرها كانت عبارة عن حديقة من نوع خاص ، إذ تحيط بالساحة ساقية جارية معظم أيام السنة وعليها نمت أزهار الدفلى عديدة الألوان واشجار اليوكالبتوس والنخيل والرمان . وثمة حديقتان صغيرتان تلي غرفة المدير وهي أكبر من تلك المحاذية لغرفة المعلمين وبكلمة أدق فإن الغرفتين والصفوف لا تحاذي الحدائق أو الساحة وإنما تطل عليها لأن البناء كله مرفوع عن مستوى الساحة بخمسة درجات أو ستة . أما الحديقة فقد كانت مزهرة مثمرة ، نخيلها وأعنابها وحمضياتها ورمانها ، وكانت لها بوابة مشبكة وسياج يفصلها عن الساحة لكنها تفتح حسب طلب الأساتذة وندخل معهم بشرح بعض المعلومات المتعلقة بالنبات . وأحياناً لتلقي الدرس نفسه في جو الحديقة كما كان يفعل أستاذنا المرحوم عبد العزيز عبد اللطيف في درس الدين . وسواء كان الأمر بالنسبة للحدائق والساحات أو بالنسبة للقاعة ، فإن نظافتها من المحرمات التي لا يجوز التجاوز عليها أو التهاون فيها وكان ذلك مما يتابعه المدير شخصياً . أفلا تلقي تلك الأجواء بأولى بذرات التحضر والالتزام في نفوس الطلبة ؟! أجل فكيف ولدينا ملامح حضارية أخرى ؟! نعم فلدينا المرسم بكل تجهيزاته وما يحفل به من فرص لتنمية مهارات الرسم لدى هواته بإشراف المعلمين المهتمين بالرسم كأحمد جميل وزكي جاسم ، ولعلكم تعجبون أن أبرز لوحة كانت في المرسم هي لوحة كاريكاتورية ! أجل ، ولم أفهمها إلا بعد سنوات من تعرفي على الكاريكاتير ، كانت تمثل سيدة مفرطة البدانة لكن أناقتها واضحة ، مفرطة الضخامة وقد وقفت بكامل أناقتها وشحمها ولحمها وإلى جانبها خشبة القصاب التقليدية ، وتحتها نقش عنوانها (رشاقة) !! وظلت هذه الصورة في ذهني حتى اتضحت معانيها بعد أن عرفت الكاريكاتير. وكان مرسمنا هذا قاعدة نجاحات مدرستنا في معارض مدارس اللواء السنوية ونيلها درجات متقدمة كل عام . وبالمثل كانت غرفة الرياضة تمثل ما يمثله المرسم من أساس لنجاحات المدرسة في المسابقات الرياضية داخل القضاء وخارجه ، ولهذا السبب كانت غرفة المدير وغرفة المعلمين تزدحم بالعديد من الكؤوس والدروع وأوسمة الفوز ناهيك عما في المرسم وغرفة الرياضة من تلك الكؤوس ورموز التفوق . وكانت طاولة كرة المنضدة والحانوت التعاوني مركزين آخرين من مراكز تجميع التلاميذ في الاستراحات (الفرص) مثلما يجدون في ظلال حدائقها أو على سواقيها المترعة بالمياه متعة الحديث أو مراجعة الدرس . ولضمان أن تكون كل تلك المتلقيات منتظمة كان هناك معلم مراقب كل يوم وإلى جانبه التلميذ المراقب العام ، وغالباً ما يكون الأكبر سناً ومن الصف السادس على الأغلب ، وكانت نوبة مراقبة الأساتذة منصور حسين ، أحمد جميل ، وعبد العزيز عبد اللطيف متميزة بما يميز كل منهم من ملامح وسمات شخصية . إضافة لنشاط المدرسة الرياضي والفني، كانت لها نشاطاتها الاجتماعية فكانت فرقة الكشافة فيها تساهم في حملات التوعية الصحية وجمع التبرعات لجمعية الطيران العراقية من خلال توزيع شاراتها في أيام الأعياد خاصة .
القسم العاشر تكاد مدرسة المسيب الأبتدائية الأولى في تلك الفترة أن تكون هي الوحيدة في مركز المسيب أو على الأدق في الجانب الكبير من جانبيها على يسار ويمين النهر . ففي الجوار منها كانت مدرسة المسيب الأولية الأولى ( وليس الأبتدائية ) إذ تتكون من أربعة صفوف فقط تنتهي في الصف الرابع وكانت تعرف بأسم مديرها أكثر مما تعرف بأسمها إذ كانت تسمى ( مدرسة عبد الدايم ) ويقصد به الأستاذ المرحوم عبد الدائم علوش (أبو عمار ومصعب ) وبعد سنتين أو ثلاث من ألتحاقي في المدرسة ( أو ربما أكثر ) أفتتحت مدرسة التهذيب في محلة النزيزة أبتدائية هي الأخرى ، كما طورت المدرسة الأولية إلى أبتدائية وعرفت بأسم مدرسة المثنى الأبتدائية . أما في الجانب الصغير من المدينة ( صوب ألبو حمدان ) فكانت هناك أبتدائية وحيدة هي المدرسة الحمدانية الأبتدائية .. ومدرسة في حامية المسيب (اظنها كانت أولية ) أما في ريف المسيب فكانت هناك مدرسة أبو الجاسم الأبتدائية ومدرسة أولاد مسلم الأبتدائية وهما مدرستان استقطبتا أبناء الريف القريب لكنها لم تستوعب كل الراغبين في الدراسة ، وكانت مدرستنا مع وجودهما تستقطب كثيرين منهم رغم بعدها عن مساكنهم لما لأسمها من هيبة . ومثلما كان أسم الأستاذ عبد الدائم علامة لمدرسته كانت للمدارس الأخرى أسماؤها المعروفة .. فالأستاذ محمد سعيد كامل في الحمدانية بما له من مكانة أجتماعية وثقافية والأستاذ حسين الخزرجي في الأولية ثم وفي الحمدانية ، والأستاذ جواد النجار في المثنى والأستاذ عبد الوهاب الصباغ في التهذيب .. ومحسن الجايد في مدرسة أبو الجاسم .. وغيرهم ، وكانت لهم مشاركاتهم في النشاط الثقافي الذي تقيمه مدرستنا أو مدارسهم على مسرح مدرستنا لا سيما الأستاذ محمد سعيد كامل الذي يلقي قصيدة في أغلب المناسبات شأنه شأن الأستاذ حسين الخزرجي غير أن الخزرجي يضيف لأسهامه الشعري أفتتاح بعض الأحتفالات بتجويده القرآن الكريم ، وكان رحمه الله يلقي قصيدة في أحتفال المدينة بمولد الإمام علي (ع) أو الإمام الحسين (ع) في حسينية المسيب إضافة إلى قراءة القرآن . وهكذا لا عجب أن تسري الجدية والإحساس بالمسؤولية حتى إلى فراشي المدرسة وعمال حدائقها فكانوا يعتبرون أنفسهم من أولياء أمور تلاميذها أن لم نقل يعتبرون أنفسهم مالكين للمدرسة ! حتى أن (حمادة شهاب) كبير فراشي مدرستنا كان يخيف الكثير من التلاميذ لحزمه وشدته في منع أي تجاوز على حديقة أو نافذة أو شجرة . وإعترافاً بمكانته كان التلاميذ العائدين من المباريات الرياضية التي تفوز بها فرق مدرستنا يهزجون على السيارات أو في الشارع المؤدي إلى المدرسة : "بشروا حمادة الفراش ترة الكاس ألنة" بالتناوب مع " بشروا أبو ليلى (الأستاذ منصور) ترة الكاس ألنة" !! وبعد .. أفليس محزناً أن تنقل هذه المدرسة إلى بناية غير بنايتها الأصلية التاريخية ؟ أفما كان يليق بتاريخها تطوير مبناها بصيانته لا تغييره لتحل فيه مدرسة للبنات حالياً (كما فجعت بذلك الخبر) بينما تحمل أسمها التاريخي بناية جديدة مقابلها ؟؟ محزن حقاً .. كم أحس برغبة للتحدث عن بعض أكبر التلاميذ في مدرستنا وبعض ما تميزوا به ! وكم أرغب بالحديث عن توزيع الحليب وحبات زيت السمك وحرص أساتذتنا على تناولها قبلنا ! … وكم … وكم … وكم … ولكن هل يتسع المجال لكل ما أرغب ؟! وعلى أية حال فقد أنهيت دراستي الابتدائية متفوقاً عام 1957 … فمن المناسب أذن أن أنتقل إلى ذكريات المدرسة المتوسطة ..
القسم الحادي عشر كانت ثانوية المسيب هي المدرسة الواقعة مقابل إعدادية المسيب الحالية حيث تقع على شاطئ الفرات مباشرة وعليه تفتح ساحتها بشكل حرف U وهي مشغولة الآن بمدرسة ابتدائية . كان مديرها هو الأستاذ حسن هادي الأنباري مؤلف مسرحية "الزوجة الثانية" التي أشرت إليها من قبل ، وثمة أسماء مرموقة للتدريس فيها .. فللرياضيات كان الأستاذ عبد الوهاب الدباس وجورج عبد النور . وللتاريخ جعفر جنجون ( من الحلة ) ورشيد الجبوري ، ثم أنضم إليهما مدرس شاب هو عبد الله القيسي ، والحق أن عددا من المدرسين الشباب جاءوا معه منهم عامر محمود ناجي ( مدير تربية بابل فيما بعد ) للكيمياء والأحياء . وعقيل وخالد ( من بغداد ) للرياضيات والهندسة ، أما الإنكليزية فكان يتولاها أستاذان قديران هما محمد مهدي القزاز ومنير قرياقوس ، وفيها ألتقينا بعدد من المدرسين المصريين لأول مرة حيث حيث درسوا عديدا من المواد بعد ثورة 14 تموز 1958 . بأفتتاح سنتي الثانية المتوسطة كانت ثورة 14 تموز 1958 تتعمق في مجتمعنا ، تتردد أصداؤها في كل ركن منه لكن ذلك للأسف تم في خضم صراع سياسي حاد لف الشارع السياسي فكام من المحتم أن يلف مدرستنا طلابا واساتذة وأمتد ذلك حتى إلى النشرات الجدارية المدرسية ، وفي أتون هذا الصراع تكونت أولى قناعاتي السياسية من منطلق الحماس في الدفاع عن ثورة 14 تموز وشعاراتها في العدل الأجتماعي والديمقراطية وتعزيز المساهمة الجماهيرية في الحياة السياسية والاجتماعية إذ وجدت في النشاطات الثقافية التي تعددت ألوانها ومنابرها تجديداً خطيرا في حياتنا . نعم فقد أزدحمت المكتبات بكتب جديدة في السياسة والأدب والاقتصاد وفتحت مكتبات جديدة وأصبح لكل مقر نقابة أو منظمة شبابية أو نسوية مكتبتها ، وتعددت الصحف وتعددت ألوانها الثقافية وصار الشعر والمشاهد المسرحية أو التمثيليات القصيرة على مسارح تنصب في الهواء أو حدائق المقرات النقابية من لوازم الأحتفالات السياسية أو الثقافية المحضة ، ولعلي لا أكون مخطئا لو اشرت إلى أن أول ذكرى لتأسيس الجيش العراقي تمر في العهد الجمهوري وكانت في 6 كانون الثاني 1959 هي أول منطلق للمنافسة في تلك النشاطات إذ شهدت المسيب أكبر مسيرة جماهيرية في تاريخها لتحية الجيش العراقي . وأرتبطت هذه المناسبة بشيء خاص بي .. ففيها سمح لي والدي لأول مرة بالدخول إلى مقهى بمفردي !! أجل ولو لم يكن ذلك المقهى مقرا لأتحاد الطلبة لما سمح لي ، وكان ذلك مقهى عبد النبي الخنفور في النزيزة حيث الآن محل تصليح ثلاجات !! لا أريد أن أستسلم لمغريات الأستطراد هنا ، ولذا سأنتقل مسرعا إلى مرحلتين مهمتين في تكويني ضمن المرحلة الثانوية : أولاهما : انتقالي إلى الحلة حيث التحقت في متوسطة الحلة للبنين طالبا في الصف الثالث للسنة الدراسية 1959 1960 ، وهناك تفجرت قدراتي الأدبية التي كانت عفوية ، على يد مدرس اللغة العربية والأدب الأستاذ سعدي عباس علوش ، فقد كان لحبه الشديد للأدب وذائقته الرفيعة للأدب وفهمه الحديث للأدب وأساليب تدريسه أكبر الأثر في وضع خطاي على درب الأدب الحقيقي فبفضل توجيهه وتأثيره كتبت أول قصة قصيرة ، نعم بل وأنها تمت ضمن إجابتي لأسئلة امتحان اللغة العربية في نصف السنة .. إذ كان موضوع الإنشاء هو (( أكتب قصة قصيرة في موضوع تراه ، وفق الأسس الفنية لكتابة القصة … ألخ )) فما كان منه إلا أن نقلها من دفتري الأمتحاني لينشرها في مجلة كلية التربية !! وقبل ذلك دربنا الأستاذ سعدي على أرتجال الأنشاء في الصف وبشرط أن يكون فنيا في الموضوع والعنوان والمعالجة . وبحماس هذا الأستاذ وبتأثير متابعته جربت كتابة المقال أول مقال كبير لي في جريدة "الرأي العام" التي كان صاحبها ورئيس تحريرها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري .. بعنوان "الاتحاد في عليائه والحقيقة في كتاباته " وهو عن أتحاد الأدباء ودوره الثقافي وقد نشر عام 1960 فأشعل حماسي الأدبي ، كيف لا وقد نشر معه في نفس العدد تعليق في باب ( مع المجتمع ) ينوه بهذا المقال وبحماس الشباب أمثال كاتبه ، كما نشرت الرسالة التي كتبتها مع المقال للجواهري نفسه وفيها بعض ملامح الجو الأدبي والسياسي السائد آنذاك في مدينة المسيب . وكان الجو الأدبي في الحلة وأتساع مجالات النقاش وحضور أسماء أدبية معروفة في مقاهيها المتميزة كمقهى (حساني ) أو ( كازينو سومر ) كالقاص المترجم الأستاذ السيد هادي الياسري والشاعر علي الحسيني ( رحمه الله ) وغيرهما مما يشجع على الانغمار بالهواية الثقافية بكل جوانبها . وهكذا فعلت مساهما في فعاليات خطابية ومسرحية في المدرسة وخارجها ، يوازي ذلك في الأهمية أنه تحرري في الحلة من السطوة الشديدة للعائلة أتاح لي تكوين صداقات مع مثقفين أكبر سنا مني ومنهم بعض أقاربي وأكثرهم معلمون أو مدرسون ، وكان مجلسي معهم يشحنني برغبة عارمة للقراءة كما كانت مكتبتها (الحلة) العامة عونا لي في إشباع تلك الرغبة ، غير أن قراءاتي السياسية غلبت وقتها على قراءتي الأدبية ، على أنني أذكر أنني قرأت " بطل من هذا الزمان" تأليف ليرمونتوف ، و"الأرض البكر حرثناها" لشولوخوف بجزئيها في تلك الفترة ، كما قرأت مسرحيات يوسف العاني في كتابه "مسرحياتي" ومحمد عبد الحليم عبد الله ورواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي في تلك الفترة ، وفيها تعرفت إلى مجلة "الثقافة الجديدة" ومجلة "المثقف" .. وشدتني الثانية إلى عمقها الأدبي والثقافي بينما أشعرتني الأولى بعمقها السياسي المباشر والفكري قبل همها الثقافي ، كما تعرفت إلى مجلة "الآداب" اللبنانية أيضا رغم أني لا أجهل أسمها الذي تعرفت إليه قبل ذلك بكثير لكني لم أكن أعرف محتواها أو شأنها الأدبي الثقافي .
القسم الثاني عشر بعد أن عدت إلى المسيب صيف 1960 ناجحاً من الصف الثالث بتفوق واصلت نشر مقالاتي في جرائد "الرأي العام"، "الثبات"، "صوت الأحرار"، "الحضارة"، "الإنسانية"، وجريدة "البلاد"، وتنوعت الموضوعات بين السياسة والهموم الاجتماعية والسياسية والأغنية الوطنية . عدت إلى ثانوية المسيب بعد أن انتقلت إلى مبناها الجديد (الحالي إلى الآن) ملتحقاً بالصف الرابع العلمي ، لتبدأ فيها المرحلة الثانية المتميزة . ولم تبدأ المرحلة الثانية في الرابع العلمي بل في الخامس العلمي حيث تقترن باسم آخر من أساتذتي هو الأستاذ هشام أحمد الطالب ، الذي كان لي شرف وحسن حظ التتلمذ عليه حين درسنا مادة (الحيوان العام) . فإذا كان استاذي سعدي عباس علوش قد دفعني على الطريق الصحيح للأدب ، فإن هشام الطالب ثبتني على طريق العلم ورسخ اتجاهي العلمي ، فقد أمتاز هذا الأستاذ بثقافة واسعة جعلت درسه محاضرات غير تقليدية في الثقافة والعلوم . وكانت ثقافته وأخلاصه لأفقه السياسي ، وهو بعثي كان مبعداً من الموصل لأسباب سياسية ، يمنحانه سماحة في الرؤية جعلته يجسد لي تجربة حية في حرية الفكر وتسامح الاعتقاد بين المبادئ المختلفة إذ لم اسمعه يشوه أو يندد برأي خصومه كما كان يفعل أساتذة لنا آخرون ومن نفس منهجه السياسي . وعلى يدي هشام الطالب جربت القراءة العلمية باللغة الإنكليزية ، وربما كانت أول قراءة علمية (في علم متخصص) أصلاً ، وذلك بكتاب أشتراه لي ولزميلي عصام صالح ولزميل ثالث ( لا أتذكره) بعد أن دفعنا له ثمنه (600 فلس) وهو كتاب من جزئين من مطبوعات "سلسلة بنغوين" عنوانه "حيوانات لا فقرية" (Animals without Backbones)، وما زلت أحتفظ به في مكتبتي مرجعاً علمياً وأثراً عزيزاً لأستاذ عزيز . وسرعان ما تطورت علاقتي بهذا الأستاذ لتتحول إلى صداقة ثقافية ، وتطورت أكثر حين مارس بعض الطلبة وبعض الأساتذة أيضاً ، مع شديد الأسف ، مارسوا ملمحاً من ملامح الصراع السياسي في تلك المرحلة فنقلوا له ، لما رأوا من إعجابه بي والتنويه بقدراتي في الصفوف الأخرى ، نقلوا له أنني من رأي سياسي مخالف فلماذا هذا المديح فرد على أحدهم بحضوري وكان استاذاً لي ، مع الأسف مرة أخرى ، ( بل أنني ، يقول هشام ، سأزداد أعجابه به حين يخرج عن خجل التلميذ ليناقشني في منهجي ويحدد أختلافه معي ) ، وألتفت نحوي مبتسماً وقال : استمر حيث تقتنع وأنا ما أزال عند رأيي فيك . وقد ترجم هذا القول إلى موقف متميز في لحظة حساسة من حياتي حين جربت الأعتقال السياسي الطويل لأول مرة عام 1961 ( وأقول الطويل لأنه سبق أعتقال قصير قبل سنة منه ) ، وكنت في الصف الخامس العلمي إذ وقف إلى جانبي وأسند طلبي بوجوب أدخال كتبي إلى الموقف (السجن) لأتمكن من أداء الامتحان الوزاري العام . وما كتبته عنه لم يشبع حاجتي للكتابه عنه ، وكان آخر لقائي به عام 1970 كما أتذكر وقد أصبح استاذاً في جامعة الموصل إذ حصل على الماجستير في الطفيليات . وهشام أحمد الطالب ، هو أول سفير للعراق في دمشق بعد 8 شباط 1963 ، وعضو أول دورة للمجلس الوطني عام 1980 ، والأمين العام السابق لجامعة الموصل ورئيس تحرير مجلتها "الجامعة" لفترة من الوقت . وذلك الاعتقال السياسي في الواقع كان الإنعطافة الحاسمة في مجرى حياتي إذ غيرها جذرياً وإلى الأبد فقد كنت أهيئ نفسي للتفوق ودخول كلية الطب ، وبالفعل كنت دخلت الامتحان الوزاري عام 1961 بمعدل 87% إلا أن هذا الاعتقال قبل الامتحان بشهر أو أكثر قليلاً (1 / 5 / 1961) حرمني من أداء الامتحان بصورة طبيعية إذ أديته وأنا موقوف وبعد مساع مضنية للموافقة عليه ، غير أن دائرة أمن المسيب وقتها حرمتني من أدخال الكتب المدرسية رغم موافقة القاضي، على ذلك ، ولكن قبل الأمتحان بيومين أو ثلاثة فقط !!! وهكذا بدلاً من أن تساعدني أصبحت مصدر إرباك لي خاصة وإن موضوعاً كاملاً لم نكن قد درسناه في المدرسة حين أعتقلت وهو الهندسة التحليلية ، وهكذا صرت أكتفي بتقليب الكتاب ليلة الامتحان معتمداً على الذاكرة والتحضير اليومي ، وأهملت الإجابة في امتحان الفيزياء لكنني عاودت الامتحان في الدور الثاني لآجتازه ، ولكن بمعدل 68% فقط فكان أن أنتهى حلمي بالطب ، وانتهى حلم مدرستي بحصولي أو زميلي عصام على الدرجة العليا في مدارس اللواء .
القسم الثالث عشر وبينما نجح زميلي عصام صالح الجنابي وحقق حلمه بكلية الطب وهو الآن ( اللواء الطبيب عصام صالح الجنابي ) لم يتح لي معدلي أكثر من كلية الزراعة ، ولكنني قررت فيها التعويض عما فات فكنت من أوائل طلابها للسنوات الأربع ثم الخريج الأول في قسم التربة والمحاصيل الحقلية ثم حاصلا منها على الماجستير في أحياء التربة المجهرية عام 1977 بتقدير أمتياز ، والحق أن أحساسا بالخيبة حاصرني بعد ضياع حلم دراسة الطب فلم أجد في الحياة الجامعية التي قسمت لي في كلية الزراعة ما كنت أتمناه سواء لخصوصية هذه الكلية وتخصصها أو لموقعها خارج بغداد . غير أني لم ألبث أن حاسبت نفسي وقلبت الأمر عقليا فرأيت أني مهدد بضياع ما لدي أيضا إذا بقيت مشدودا لما ضاع من قبل .. وان من الحكمة والشجاعة هو البدء والتعويض عما فات بتفوق جديد لا سيما وأن في العلوم الزراعية آفاقا وموضوعات تحتاج للمزيد من البحث ، وهذا ما فعلته فكان ذلك التفوق الذي أشرت إليه والذي كان في الواقع شيئا يشبه المعجزة ! أجل .. ما يشبه المعجزة فقد جربت الأعتقال السياسي مرتين 1963 .. الاولى في سنتي الجامعية الاولي في بغداد ، والثانية في العطلة الصيفية ( تموز 1963 ) حتى بعد شهر أو شهرين من بدء الدراسة في الكلية ، وبعد كل من المرتين أعود فأنكب على كبتي ويعينني زملائي في نقل المواد ورسم المخططات فأتفوق في السنة الأولى وأتفوق بدرجة أكبر في السنة الثانية مما أشعل حماسي وبث روحا أنصرفت بوحيها إلى دراستي وكأنها أختياري الأساسي وبث بي روحا أنصرفت بوحيها إلى دراستي وكأنها أختياري الاساسي فتكشفت لي في هذه الكلية جوانب ما أشد حبي لها ! وما أشد تعلقي بها الآن سواء في المكان وجغرافيته أو في علاقاتي بالزملاء وبعض الأساتذة وبطريقة أو بأخرى نظمت علاقتي بمدينة بغداد وجوانبها الثقافية ورحت أستثمر موقعي لتنمية قدراتي العلمية والأدبية معا .. وخلال سنواتع الجامعة صارت مكتبتي الخاصة تنمو و بأستمرار وتنوع . وما دمنا بصدد الحديث عن المكونات الثقافية فلابد من وقفتين عند فترتي أعتقالي عام 1963 ففي الأولى وجدت نفسي وسط حشد هائل من اساتذة الجامعة والعلماء والأدباء والجامعيين من مختلف الأختصاصات ممن كانوا معي في سجن الموقف العام بباب المعظم ( وزارة الصحة حاليا ) كان منهم العلامة طه باقر وعدد من أساتذتي في كلية الزراعة مثل طه ناجي ومهندسون فنانون مثل قحطان المدفعي ، وأطباء كبار وطلبة في الصف المنتهي بكلية الطب وأساتذة في اللغات والقانون بينهم المرحوم أبن مدينتنا د. صلاح الدين الخزرجي وشعراء شعبيون .. وكلهم كانوا من حوافزي للتعلم والإصغاء لهم إذ كان بعضهم يحدثنا فيما يشبه المحاضرات عن أختصاصه وأبعاده كما فعل أحد أساتذة الرياضيات في كلية العلوم .. حتى إذا عدت إلى الكلية عدت إليها محتشدا برغبة المواصلة على جانبي العلم والأدب . غير أن الكتب كانت ممنوعة داخل الموقف رغم السماح بالصحف وفي المرة الثانية كانت في سجن الحلة ( تموز 1963 ت2 1963 ) وخلالها ألتقيت بنوعيات أخرى من الناس المثقفون منهم أكثرهم مدرسون ومحامون ومعلمون وطلبة بمختلف المراحل .. كان بينهم أستاذي وجاري وتلميذ أمي مهدي الأنباري ، وهنا في هذه المرحلة وجدت أكثر من الأستاذ الأخ الكبير والصديق والمرشد الحميم لا سيما وأن ظروف السجن تعتنق دواخل الفرد ، هكذا صرنا نتحدث في كل شيء من خلال نفوس مكشوفة على بعضها ولأن الكتب كانت متوفرة بشكل أو بآخر فقد مارس الاستاذ مهدي دورا إرشاديا في أختياري لما قرأ فكان أن قرأت معظم ما صدر لنجيب محفوظ حتى عام 63 أن لم أقل كله ، وأستمر هذا الدور بعد خروجنا من السجن ومنه أطلعت على واحد من كتب سلامة موسى الموجهة وهو "تربية سلامة موسى" وأذكر أنه أعارني أياه كي أجد فيه أجابة على سؤالي له : " ألا تراني يا أستاذي أنني أثرثر كثيرا وأتنقل من موضوع إلى آخر ؟ قال مبتسما : " أبدا أن فيك حماسا للمعرفة ستعرف اصله وسره لو قرأت كتاب سلامة موسى" وقرأته فعلا ، قال لي مرة وأنا اسأله "هل يحق لي أن أحس أن القاص عبد الحليم عبد الله لا يعجبني ؟" ، قال لي بثقة " نعم هذا يعني أنك تتطور وتتجاوزه فما كان يعجبك في مرحلة لا يعجبك في غيرها".
القسم الرابع عشر إلى مصر ... العزيزة الملهمة على أن نقلة خاصة أسهمت في منح اهتماماتي الأدبية حرارة أشد مما كنت أتوقع لها .. تلك هي سفرتي الأولى إلى مصر عام 1965 ضمن برنامج التدريب الصيفي لطلبة السنة الثالثة الناجحين إلى الصف الرابع . ومع أنها سفرة علمية محكومة بأنظمة جامعية عراقية مصرية، ولها برنامج مرسوم إلا أنني استطعت أن أضع وبعض الزملاء برنامجاً آخر ، فبصدفة تعرفت على مهندس مثقف لم يلبث أن أصبح لي نافذة على الحياة الثقافية في مصر من خلال زملاء له من مختلف الاختصاصات . وعن طريقهم تعرفت الاستاذ (سيد العقاد) نائب رئيس تحرير جريدة "المساء" ذلك الوقت ، ليقودني بدوره إلى لقاء عدد من الشخصيات الثقافية ، وكان أول من حظيت بلقياهم رئيس وأعضاء هيئة تحرير مجلة "الكاتب" فكان لقائي بالأستاذ أحمد عباس صالح ومحاورتي له عن مقالاته التي كان ينشرها في المجلة ذلك الوقت عن "اليمين واليسار في الإسلام" وبالأستاذ الكاتب السياسي والمترجم المثقف سعد زهران في المجلة ذاتها ، وما تلاها من لقاءات بمثقفين آخرين ناراً أشعلت بي حماساً جديداً لمواصلة الاهتمامات الأدبية، وسرعان ما منحت علاقاتي الجديدة في مصر كل وقتي خارج البرنامج الرسمي . وعدت من مصر بمزاج متقدم لاحتواء جانبي الثقافة .. العلم والأدب وبعدد من الكتب التي استطعت حملها ، وبأعداد من مجلات مصر الثقافية الرصينة: "الطليعة، المجلة، الفكر المعاصر،القصة،المسرح، الهلال ... الخ" .
أدب الستينات حين أحرزت المرتبة الأولى في تخصصي بالكلية (التربة والمحاصيل الحقلية عام 1966) حالماً بعمل يليق بي ، سرعان ما تبخر الحلم ، إذ وجدت نفسي وعدداً من الزملاء الخريجين نجوب شوارع بغداد بحثاً عن عمل دون جدوى فأعود إلى المسيب ليوم أو يومين ثم أهرع إلى بغداد ومقاهي المثقفين العاطلين عن العمل. كانت مقاهي بغداد تلك الفترة تشهد تجمعات ما عرف بأدباء الستينات . ومع كثرة فراغي ومتابعتي لتلك التجمعات في مقاهي حسن عجمي والبلدية وغيرهما وما ينشر لهم في الصحف وما يتداولونه .. لم أشعر أن هذا الأدب يستوعب معاناة مجتمعنا في تلك الفترة بقدر ما يمثل هو نفسه حصيلة للضياع وتخلف الواقع الاجتماعي كله . قرأت قصص "السيف والسفينة" لعبد الرحمن الربيعي ، وقصصاً له ولغيره في الصحف وتابعت جريدة "الجمهورية" والتقيت بفاضل العزاوي وبرهان الخطيب ، فلم يتغير إحساسي أزاء تلك الموجة . ولأن موجة مماثلة كانت تعم الشارع الأدبي المصري وينشر الشباب المصريون هنا وهناك قصصاً وقصائد جديدة ، فقد صرت أقارن بالموجة المصرية فأجد الأخيرة أكثر رزانة وأجدها رغم التباسها أقرب للمتغيرات في مصر الناصرية . كانت مجلات "روز اليوسف"، "الكاتب" و "الهلال" المصرية تنقل الكثير من التغيرات السياسية والاجتماعية وما يرافقها من صراع فكري فتشعرنا بمهام أدب آخر وكتابة أخرى .
الوظيفة ، وحزيران وغسان كنفاني دشنت عام 1967 بتدشيني حياة العمل الوظيفي فقد باشرت عملي في 16 / 1 / 1967 موظفاً بعنوان مساعد باحث علمي في معهد بحوث الموارد الطبيعية التابع لمجلس البحث العلمي ، وقد تم ذلك أيضاً بعد معركة عجيبة حافلة بالغرائب والممارسات مما ليس هذا مكانة ، غير إنها أكدت لي تفاهة المجتمع الذي تتحكم به القيم الطبقية والطائفية (وهي أساس تلك الغرائب والممارسات) كما أكدت لي تلك المعركة خطورة التحصيل العلمي الأكاديمي العالي المجرد دون جذر ثقافي واجتماعي ! ولفترة خمس سنوات من العمل في ميدان البحث العلمي والسكن في بغداد تشكلت ملامح شخصية أدبية تجمع الفكر والعلم والأدب على قاعدة السعي للتغيير الاجتماعي العميق ، وقد أضافت كارثة حزيران (5 حزيران 1967) إلى قناعاتي الفكرية المزيد من البعد القومي ودخلت الكتابات الفلسطينية الجديدة عاملاً جديداً في تكوين ملامح شخصيتي الأدبية لاسيما تلك التي مثلتها كتابات مجلة "الهدف" منذ صدورها عام 1969 برئاسة تحرير غسان كنفاني ، خالد الذكر ، وبإغراء كتاباته وتحليلاته السياسية في "الهدف" وملحق جريدة "الأنوار" اللبنانية الأسبوعي و"المحر"ر اللبنانية قرأت رواياته وقصصه فتوقفت ملياً عند عناصر التجديد في روايته "ما تبقى لكم" خاصة. وما تزال القضية الفلسطينية تستأثر بالحصة الأكبر من كتاباتي السياسية في يومياتي غير المنشورة ، وجوهرها هو ما أثبتته التجربة المرة لسوء الحظ .. وهو أن الأنظمة العربية القائمة ليست مخلصة ولا مؤهلة لدعم حقيقي للقضية الفلسطينية وإنما تسيء لها وتطعنها ما دامت خاضعة للسياسية الأمريكية، وما دامت تقمع جماهيرها وتصادر حريتها السياسية وحقوقها الاجتماعية.
القسم الخامس عشر من بغداد .. إلى الريف عام 1971 طلبت الانتقال إلى مشروع المسيب الكبير على وعد من المدير العام الذي كان يقوده بأن يتيح لي فرصة خبرتي البحثية التي اكتسبتها في مجلس البحث العلمي دون تطبيق .. فرصة نقلها إلى الحقل . وقد حصل . وقد بدأت بأن أسست في هذه الدائرة التي كانت تعرف رسميا بـ (المصلحة العامة لمشروع المسيب الكبير) أول مختبر علمي متخصص في تحليلات التربة البايولوجية وإنتاج اللقاح البكتيري للمحاصيل البقولية . وقد كان أنتاج ذلك اللقاح وقد تحقق بعد أقل من سنة واحدة من البدء به وأتسع في السنة الثانية من تشغيل ذلك المختبر هو الإنتاج الأول في القطر مما يسمح لي ، وبدون تبجح ، بأن أدعي الريادة فيه على صعيد القطر وأن كنت لا أدعيها في مجال الدراسات والبحوث الخاصة رغم أنها للأمانة كانت مقتصرة على بحث أو بحثين قبل سنوات من تاريخ عملي وحتى بدأناه في معهد بحوث الموارد الطبيعية عام 1969 ولكن الإنتاج المنظم لم يبدأ إلا على خبرة وطريقة مختبرنا هذا في مشروع المسيب ومن قبلنا وحتى توقفنا عنه عام 1986 . غير أن ذلك التوقف الذي تم بقرار إداري خاطئ جاء رغم أنني أصبحت خبيرا مؤهلا في هذا الأختصاص إذ حصلت على شهادة الماجستير عام 1977 في موضوع من شأنه تطوير ذلك الأنتاج نوعيا ، كما تلقيت خبرات عربية وأجنبية فيه ولذا ليس صدفة أن دعاني مجلس البحث العلمي لألقاء محاضرات موسعة في حلقاته الدراسية التي نظمها مركز البحوث الزراعية ، والموارد الطبيعية ، ومركز البحوث البايلوجية لعدد من الباحثين وطلبة الدراسات العليا وهذا ما حصل . كما أصدرت كتابا في الموضوع . على أن ذلك التطور العلمي الذي حققته في المشروع قد ترافق بتطور نوعي على الصعيد الأدبي والثقافي العام لما أتاحه لي السكن في تلك القرية المدنية من فيض في الوقت أستثمرته في قراءات واسعة ثم في العودة إلى الكتابة . وحيث أن التلفزيون هو السلوى الوحيدة لمن يسكن منطقة شبه معزولة فقد وفرت لي متابعتي المستمرة له حصيلة من الملاحظات كونت لي موقفا فرض علي ضرورة الدعوة للأنتباه إلى خطورة البث ومادته الفنية والفكرية وللعلم أنني أشتريت التلفزيون لأول مرة عام 1973 أي بعد سنتين من سكناي في ناحية المشروع ولذا كتبت مقالات في النقد التلفزيوني قادتني فيما بعد لما يشبه التخصص في هذا الباب لما لمسته من أصداء إيجابية لدى الناس والعديد من المثقفين ومسؤولي الإذاعة والتلفزة . على أن كتاباتي لم تقتصر على النقد التلفزيوني الذي بدأته عام 73 / 74 .. بل شملت النقد الأدبي للقصة والرواية خاصة ، والمقالات السياسية ، بل أنني بدأت بهذه الأخيرة قبل النقد التلفزيوني .
مجلة الثقافة ففي عام 1971 صدرت مجلة "الثقافة" بعد أستقالة د.صلاح خالص رحمه الله من رئاسة تحرير مجلة "الثقافة الجديدة" ليصدر " الثقافة" ويترأس تحريرها فحفزتني خطتها المعلنة في عددها الأول لمتابعتها بانتباه ثم للكتابة إليها . وقد بدأت كتاباتي للمجلة بنقدي لها ذاتها لأخفاقها في رسم شخصية متميزة خاصة بها تبرر أستقالة صاحبها ورئيس تحريرها من مجلة تماثلها فكرا وأسلوبا .ولكن المجلة نشرت نقدي كاملا في عددها الثالث دون حذف أو حتى تعقيب ! . فشجعتني هذه السماحة الثقافية على مواصلة الكتابة لمجلة الثقافة فاستمرت كتاباتي فيها حتى توقفها عام 1988 . وبلغت كتاباتي إليها أواسط السبعينات وأوائلها معدلا يكاد يكون شهريا في الموضوعات التي ذكرتها بل ونشرت فيها قصة قصيرة أيضا بعنوان "زهر المشمش" وحوارا مع نجيب محفوظ وندوة موسعة عن المسرح في مصر وغيرها . وللتوثيق أسجل أن أول مقال نشر لي فيها بالعدد الثالث عام 1971 / نيسان وآخر ما نشر لي فيها دراسة نقدية لرواية غازي العبادي " ما يتركه الأحفاد للأجداد" بعدد شباط 1988 وقد بلغ عدد مقالاتي فيها حوالي 40 دراسة كبيرة ومقالا نقديا . وأقول الآن بثقة أن جو التسامح الفكري والرصانة العلمية الثقافية الذي عشته مع رئيس تحرير "الثقافة" الأستاذ د. صلاح خالص رحمه الله ، وزوجته الفاضلة الأستاذة د. سعاد محمد خضر التي قادت المجلة بعد رحيله عام 1986 .. قد كان أخصب تجربة ثقافية لي . وأن الحرية التي منحت لكتاب هذه المجلة في قول كل ما يريدون دون رقيب قد أخصبت كتاباتي بحرارة وجدية شهد لي بها حتى بعض من تناولتهم كتاباتي فيها بالنقد أو الأختلاف .
القسم السادس عشر إلى مصر ثانية !! من النقلات الأبرز المؤثرة في ثقافتي في هذه القرية المدينة هي سفرتي الثانية إلى مصر عام 1972 . عدت إلى مصر هذه المرة في بعثة تدريبية على حساب منظمة الغذاء والزراعة الدولية FAO لدراسة أسس وتطبيقات إنتاج اللقاح البكتيري للبقوليات بعد أن كنت بدأت به اعتمادا على خبرتي النظرية وما درسته في بحوث معهد الموارد الطبيعية . أمتدت رحلتي هذه من 22 شباط 1972 لغاية 31 مايس 1972 وفيها حققت حلمين جميلين من أحلامي دراسة علمية عالية وأنغمار في الوسط الثقافي فقد تلقيت محاضرات عالية على مستوى دراسة الماجستير في كلية الزراعة بجامعة عين شمس عن تصنيف البكتيريا ، والأحياء المجهرية المتقدم ، وفي كلية الطب بجامعة الأزهر عن البكتيريا المرضية إضافة للأعمال المختبرية والحقلية في مختبرات وحقول تلك الكليات ومختبرات وحقول وزارة الزراعة المصرية داخل القاهرة وخارجها. وخلال ذلك عرفت طريقي ومنذ أسبوعي الأول في القاهرة إلى ندوة الأستاذ نجيب محفوظ الاسبوعية التلقائية في مقهى ريش وسط القاهرة ، وفي جلسة تعرفت على أبرز أسماء الثقافة المصرية بأجيالها المتعددة وفيه عشت نموذجا للحوار والصراع الفكري بل وحتى الشغب الثقافي أن صح التعبير . ولأني سكنت في القاهرة في شقة مؤثثة جيدة ودخلي جيد بفضل راتبي من منظمة الغذاء والزراعة الدولية فقد أستضفت العديد من أصدقائي المثقفين في جلسات للشعر والثقافة والحوار وما تزال تفعل فعلها بي ، وقد حددتها لقاءاتي بهم في حلقات مهرجان "المربد" الخالد في بغداد وعبر دوراته العديدة . وبروح الثقة التي كانت تملؤني بعد تعدد أعمالي في "الثقافة" ، وكنت أساهم في مجلس نجيب محفوظ بالحدث عن تغيرات المجتمع العراقي آنذاك (بعد تموز 1968)، وعن تغيرات الواقع الثقافي بشكل خاص فكنت أتوغل في ساحة مصر الثقافية . وبتلك الحرارة التي عدت بها نشرت أول دراسة نقدية لي عن نجيب محفوظ بعد أن كنت كتبتها في بغداد عام 1970 عن مجموعته القصصية "خمارة القط الأسود" بعد أن أطلع عليها عدد من أدباء مصر لديّ فشجعوني على نشرها ، وقد نشرت في العدد التاسع عام 1973 من مجلة "الأقلام" العراقية بعنوان " التخلف والخوف والموت في خمارة القط الأسود " وهي أول مقالة لي في "الأقلام"، وقد كتب لي الأستاذ نجيب محفوظ نفسه معجبا بها بعد أن أطلع عليها في المجلة التي أرسلتها له إذ لم تكن تصل مصر إلا بشكل شخصي . ومن مصر كتبت لمجلة "الثقافة" فنشرت لي عن جديد سينما الشباب في مصر وعن شؤون المسرح المصري ثم حوارا مع نجيب محفوظ .
القسم السابع عشر النقد التلفزيوني خلال عملي في دراسات "الثقافة" بدأت الكتابة الصحفية في النقد التلفزيوني وكانت البداية عام 1973 في مجلة "الإذاعة والتلفزيون" التي نشرت في مقالتين في عددين منها ، ثم لم البث أن توجهت إلى الصحافة اليومية متابعا كل المادة التلفزيونية مركزا على المادة الدرامية تلفزيونية وسينمائية ، وكان أول عمل لي هو مقال واسع نشر بحلقتين متتاليتين على مساحة صفحة كاملة من جريدة "طريق الشعب" عنوانه "التلفزيون .. التلفزيون"! وكان ذلك عام 1974 . وكان صدى المقال كبيرا ، وبلا مبالغة أقول كان صداه مدهشا ، حتى أن مدير عام الإذاعة والتلفزيون وقتها كما عملت قد عقد أجتماعا مع مسؤولي التلفزيون ناقشتهم فيه مشيدا بالصبر على متابعة كل البرنامج العام كما يكشف عنه المقال ، ومع متابعة مقالاتي في الجريدة ذاتها أزداد الانتباه إلى المادة التلفزيونية وعزز مدير عام الإذاعة والتلفزيون أهتمامه بما نشره فدعاني إلى المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون أواسط عام 1976 للمشاركة في برنامج "السينما والناس" ضيفا على إحدى حلقاته ، وبالفعل كنت الضيف الذي تناول بالنقد فيلم "الفجر هنا هادئ" وخلال لقائه ، تفرغ مدير الإذاعة والتلفزيون تقريبا طيلة النهار لمرافقتي للإلتقاء بمسؤولي أقسام التلفزيون وكادر برنامج السينما والناس وكان يحثهم على متابعة النقد التلفزيوني والجرأة فيه وكان بينهم الراحل سليم البصري والمخرج فراس الحمداني والمقدمة أعتقال الطائي والمخرج عماد بهجت وآخرون .. كما حضر عرض الفلم الذي تناولته بالنقد . وكل ذلك وصدى الكتابة لدى الناس شجعاني على الاستمرار في كتابة النقد التلفزيوني . وهنا لا بد لي أن أؤكد قناعتي بأهمية هذا النقد تزداد رسوخا إلى الآن ، لأن التلفزيون هو كتاب العائلة المعاصرة ويكاد أن يكون كتابها الوحيد بل والذي يحجب ما سواه وليس من العدل أن تمر كل هذه الكثافة التلفزيونية بكل مؤثراتها الخطيرة إلى عقول الناس دون تمحيص وعرض الجوانب تنطوي عليها خيرا أو شرا ، ولقد كان هذا الهاجس والمسؤولية الاجتماعية إزاء المتلقي والتكوين الثقافي للمجتمع ككل . هو المنطق الذي أنطلقت منه في تعاملي مع المادة التلفزيونية بكل ألوانها .. الدرامية ، الموسيقية ، الحوار والندواة ، السينما ، المنوعات ، البرامج العلمية ، الرياضية ، البرامج الثقافية .. الخ . ودونما تواضع مفتعل ولا تبجح ، أقول أن حجم المادة التي كتبتها عن التلفزيون وشمولها كل المادة التلفزيونية وبتواتر متصل على مدى أكثر من عشرين عاما والغياب التام أو ما يشبهه لأية كتابة بهذا النفس والشمول قبل كتاباتي تسمح لي بأدعاء ريادة الكتابة النقدية في هذا الباب وللأمانة ، فأن الأستاذ الزميل ناطق خلوصي في لقاء له مع جريدة "العراق" أواسط الثمانينات شهد لي بذلك السبق وصرح بتأثره بي ، وإذا كنت قد تباعدت نوعا ما عن هذه الكتابة فأنني لم أهجر الهم التلفزيوني وأنما تابعته حتى في المـراجع النظرية على قلتها وقدمت عرضا لكتاب عن أثر التلفزيون على السياسة الأمريكية في مجلة "آفاق عربية" وما أزال أتوق للنقد التلفزيوني إلا إني أرى أن تقلص الصحف لم يعد يسمح بالمساحة الواجبة لأي نقد تلفزيوني جاد ومؤثر ، وللتوثيق أجد أن المحصلة التي توفرت بما كتبت يمكن إيجازها كما يلي: - أكثر من 300 مقالة في النقد التلفزيوني موزعة على صحف ومجلات: "الإذاعة والتلفزيون ، جريدة طريق الشعب ، جريدة الثورة ، الفكر الجديد ، مجلة فنون ، مجلة آفاق عربية". - محاضرات عن التلفزيون والنقد التلفزيوني في : أكاديمية الفنون الجميلة- جامعة بغداد أكاديمية الفنون الجميلة - جامعة بابل ملتقى الأسكندرية الأدبي- أتحاد أدباء وكتاب بابل - بحث أكاديمي في النقد التلفزيوني بعنوان "النقد التلفزيوني في المشهد النقدي العام" قدم إلى "ملتقى السياب الأدبي الثاني عام 1989 / جامعة البصرة"، ونشر في وقائع الملتقى وملخص واسع له في جريدة "الجامعة" التي تصدر عن وزارة التعليم العالي . وإذا أمتلأت أكثر من أربع دفاتر ( سجلات ) كبيرة بتلك المادة فأنني أحس بمسؤولية ووجوب وقفة متأنية عند تلك المادة لأستخلاص أبرز ثوابتها وأصدارها في كتاب .. ولعلي أستطيع. .. ودراسات أخرى على أن المادة التلفزيونية وحماسي الشديد لمتابعتها لم تمنعني من الكتابة في الشأن الأدبي والثقافي العام إذ يمكن إيجاد المحصلة كما يلي : - دراسات في نقد القصة القصيرة والرواية (أكثر من 40 دراسة) موزعة على مجلات وصحف ( الثقافة ، الأقلام ، الثقافة الجديدة ، القاهرة المصرية ) . - دراسات ومقالات في السينما في : ( الثقافة ، الكاتب (المصرية ) ، طريق الشعب الفكر الجديد ، الثورة) - دراسات ومقالات في الثقافة وقضاياها المختلفة في : (الثقافة ، آفاق عربية ، الأقلام ، الكاتب (المصرية) ، الآداب( اللبنانية ) ، النفط والتنمية ( الملحق العلمي ) ، القاهرة ( المصرية ) . - جرائد طريق الشعب ، الثورة ، الجمهورية ، العراق . محاضرات وندوات 1. المواسم الثقافية لأتحاد أدباء وكتاب بابل منذ تأسيسه حتى اليوم ولأكثر من مرة في بعض المواسم . 2. الحلقة الدراسية الخاصة بالأستاذ الراحل علي جواد الطاهر / الحلة 1994 3. الحلقة الدراسية الخاصة بالأستاذ الراحل علي جواد الطاهر / الحلة 1996 . 4. الحفل التأبيني له في جامعة الكوفة / 1996 . 5. الحلقة الدراسية الخاصة بالشاعر حميد سعيد ( نشرت المساهمة في كتاب حميد سعيد شاعرا ) في الحلة 1992 . 6. الحلقة الدراسية عن العنف والجريمة في السينما الأمريكية / التجمع الثقافي بغداد 1995 . - كتاب مخطوط ( علي جواد الطاهر مقاليا ) - قصص قصيرة غير منشورة ( نشرت واحدة منها في مجلة الثقافة) . - يوميات ومذكرات
القسم الثامن عشر في المجال العملي أشرت فيما سبق إلى تخصصي العملي العام (الزراعة /التربة والمحاصيل الحقلية) وتخصصي الدقيق (الأحياء المجهرية في التربة اللقاح البكتيري للمحاصيل البقولية) وأوجزهن حصيلتي في هذا الباب ، ولكن ليس قبل أن أثبت مسألة أساسية ومهمة وهي أن الثقافة العامة ذات أثر خطير في توجيه الاختصاص العلمي الدقيق ، وقناعتي هي أن المتخصصين غير المثقفين هم أضعف إداء وأقل عطاء من أولئك الذين يجمعون إلى تخصصهم الدقيق ثقافة عامة والأمثلة كثيرة ، وكان هذا الموضوع محور دراسات ثلاث منشورة لي أثنتان منها كانتا محاضرتين في اتحاد الأدباء والملتقى الثقافي بناحية المشروع ، ومثلما أستهدفت توجيهاتي الأدبية والثقافية العامة أنجاز مسؤولياتها الاجتماعية فقد توجهت أعمالي العلمية إلى جوانب تطبيقية عملية ذات مساس مباشر في اقتصادنا الزراعي أولاً وتحسين التغذية من خلال تحسين القيمة الغذائية للمحاصيل .. وهي : أولاً : أعمال مطبوعة : 1. تحضير حامل مناسب لبكتريا رايزوبيا فول الصويا من مواد متوفرة محليا . أطروحة ماجستير مقدمة إلى جامعة بغداد كلية الزراعة / 1977م ( على الآلة الكاتبة) . 2. تعايش الرايزوبيا والبقوليات أسسه وتطبيقاته / وزارة الثقافة والإعلام الموسوعة الصغيرة ع 262 / 1986. بغداد . ثانياً : نشرات علمية فنية : على الآلة الكاتبة : 1. اللقاح البكتيري للبقوليات نشرة فنية / وزارة الزراعة / مصلحة مشروع المسيب 1972م . 2. أ. تأثير أنحلال متخلفات المحاصيل الحقلية على إنتاجية التربة (سلسلة نشرات فنية محكمة مع باحثين آخرين صدرت عن مجلس البحث العلمي / معهد الموارد الطبيعية) ب. تأثير انحلال متخلفات الشعير على حاصل السمسم النشرة رقم 134 / 1979م . ج. تأثير انحلال متخلفات السمسم على محصول الحنطة النشرة رقم 135 / 1979م . د. تأثير إضافة تبن الحنطة على حاصل الباقلاء النشرة رقم 138 / 1979م . 3. دراسة عن التسميد الأخضر في العراق النشرة رقم 146 / 1980م / مجلس البحث العلمي معهد بحوث الموارد الطبيعية . 4. ملاحظات تطبيقية في استعمال الأسمدة الفوسفاتية / نشرة فنية صادرة عن وزارة الزراعة / المنشأة العامة الزراعية في المسيب 1980م . ثالثاً : بحوث مقدمة إلى مؤتمرات علمية (وألقيت فيها) :1. نمو وبقاء رايزوبيا الجت Rhizobium meliloti ورايزوبيا البرسيم Rhizobium trifolic في حوامل مختلفة . إلى المؤتمر العلمي العربي الأول لعلوم الحياة بغداد 21 24 / نيسان / 1980 . 2. تأثير التلقيح بالرايزوبيا والتسميد النيتروجيني والفوسفاتي على حاصل الجت ومحتواه البروتيني وأنتاج البذور . إلى المؤتمر العلمي الثالث لمجلس البحث العلمي بغداد 29/10 2/11 / 1983. 3. تواجد بكتيريا العقد الجذرية المتخصصة على الحمص في تربة مشروع المسيب وتأثير التلقيح من رايزوبيا الباقلاء والماش على أنتاج البذور والمحتوى البروتيني . إلى المؤتمر العلمي الثالث لمجلس البحث العلمي بغداد 29/10 2/11 / 1983. 4. تحضير حامل مناسب لرايزوبيا فول الصويا من مواد متوفرة محليا (بالإنكليزية) . إلى المؤتمر الأمريكي السادس للرايزوبيا 29 آب 2 أيلول / 1977 فلوريدا أمريكا ( ألقاه بالنيابة الأستاذ المشارك بالبحث د.صالح دميرجي) . 5. تأثير لقاحات بكتيرية مختلفة على حاصل فول الصويا وتكوين العقد الجذرية ، وتثبيت النيتروجين فيه عند إضافتها على أعماق مختلفة . إلى مؤتمر أبحاث فول الصويا العلمي الثاني 26 29 مارت 1979. جامعة كارولينا الشمالية / أمريكا ( ألقاه بالنيابة الأٍتاذ المشارك د.صالح دميرجي ) . 6. عرض لأوضاع التربة وتطوراتها في مشروع المسيب من عام 1970 إلى 1985 . إلى المؤتمر الزراعي النوعي الأول لمحافظة بابل 14 16 / كانون الأول / 1985 . بابل / المعهد الزراعي الفني / المسيب . رابعا : محاضرات عملية في ندوات وحلقات دراسية متخصصة : 1. تحضير اللقاح البكتيري للبقوليات بالطرق التقليدية وطرق أستعماله . الندوة الأولى في بايلوجية تثبيت النيتروجين مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي للفترة من 14-16 / أيلول / 1985 ، منشورة في الكتاب الصادر عن مركز بحوث علوم الحياة عن وقائع الندوة ص 31 79 . 2. اتجاهات دراسة الرايزوبيا وتثبيت النيتروجين التعايشي في العراق . محاضرة في الندوة الثالثة لبايلوجية تثبيت النيتروجين مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي 20-22 / مايس / 1989 ألقيت في اليوم الثاني . 3. مداخل أساسية لدراسة الجدوى الاقتصادية لأنتاج اللقاح البكتيري للبقوليات ( محاضرة في الندوة الثالثة لبايلوجية تثبيت النيتروجين مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي 20-22 / مايس 1989 / ألقيت في اليوم الأول ) بحث مقدم ومقبول في المؤتمر العلمي الثامن لنقابة المهندسين الزراعيين بغداد 16-18 تشرين الثاني 1993 . 4. دور البكتيريا العقدية في زيادة أنتاج المحاصيل وخصوبة التربة . محاضرة في الدورة التدريبية الثانية في بايلوجية تثبيت النيتروجين / مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي بغداد 3-5 تشرين أول 1987 . 5. تأثير قلب متخلفات المحاصيل الزراعية على أنتاجية التربة . محاضرة في الدورة التدريبية في أستخدام الأسمدة العضوية والأحياء المجهرية لزيادة وتحسين الأنتاج الزراعي / مركز البحوث الزراعية والموارد المائية مجلس البحث العلمي بغداد 5-10 / آذار 1988 . منشورة في وقائع الدورة الصادرة عن المركز ص 1-10 ( موجز مع جداول ) . 6. حوامل اللقاح البكتيري وطرق تحضيرها . محاضرة في الدورة التدريبية في التسميد الحيوي وأنتاج الأسمدة المايكروبية مركز البحوث الزراعية والموارد المائية / مجلس البحث العلمي بغداد 17-22 / 6 / 1989 . 7. أهمية المحاصيل البقولية في تحسين خصوبة التربة وعلاقة ذلك بالتلقيح البكتيري . محاضرة في الندوة العلمية لأستخدامات اللقاحات البكتيرية في زراعة البقوليات ، الهيأة العامة للخدمات الزراعية المركز التدريبي الزراعي 25 /11 / 1990. خامسا : ترجمة مواد علمية 1. دليل الدراسة العملية لبكتريا العقد الجذرية تأليف ج.م. فنسنت كتاب مترجم عن الإنكليزية / مخطوط . 2. فحص رطوبة التربة كدليل لحاجتها للري ، نشرة علمية صادرة عن مشروع المسيب ترجمة عن الإنكليزية ( نشر ملخص لها في صفحة علوم بجريدة الثورة ) . والماش على أنتاج البذور والمحتوى البروتيني . إلى المؤتمر العلمي الثالث لمجلس البحث العلمي بغداد 29/10 2/11 / 1983. 4. تحضير حامل مناسب لرايزوبيا فول الصويا من مواد متوفرة محليا (بالإنكليزية) . إلى المؤتمر الأمريكي السادس للرايزوبيا 29 آب 2 أيلول / 1977 فلوريدا أمريكا ( ألقاه بالنيابة الأستاذ المشارك بالبحث د.صالح دميرجي) . 5. تأثير لقاحات بكتيرية مختلفة على حاصل فول الصويا وتكوين العقد الجذرية ، وتثبيت النيتروجين فيه عند إضافتها على أعماق مختلفة . إلى مؤتمر أبحاث فول الصويا العلمي الثاني 26 29 مارت 1979. جامعة كارولينا الشمالية / أمريكا ( ألقاه بالنيابة الأٍتاذ المشارك د.صالح دميرجي ) . 6. عرض لأوضاع التربة وتطوراتها في مشروع المسيب من عام 1970 إلى 1985 . إلى المؤتمر الزراعي النوعي الأول لمحافظة بابل 14 16 / كانون الأول / 1985 . بابل / المعهد الزراعي الفني / المسيب . رابعا : محاضرات عملية في ندوات وحلقات دراسية متخصصة : 1. تحضير اللقاح البكتيري للبقوليات بالطرق التقليدية وطرق أستعماله . الندوة الأولى في بايلوجية تثبيت النيتروجين مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي للفترة من 14-16 / أيلول / 1985 ، منشورة في الكتاب الصادر عن مركز بحوث علوم الحياة عن وقائع الندوة ص 31 79 . 2. اتجاهات دراسة الرايزوبيا وتثبيت النيتروجين التعايشي في العراق . محاضرة في الندوة الثالثة لبايلوجية تثبيت النيتروجين مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي 20-22 / مايس / 1989 ألقيت في اليوم الثاني . 3. مداخل أساسية لدراسة الجدوى الاقتصادية لأنتاج اللقاح البكتيري للبقوليات ( محاضرة في الندوة الثالثة لبايلوجية تثبيت النيتروجين مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي 20-22 / مايس 1989 / ألقيت في اليوم الأول ) بحث مقدم ومقبول في المؤتمر العلمي الثامن لنقابة المهندسين الزراعيين بغداد 16-18 تشرين الثاني 1993 . 4. دور البكتيريا العقدية في زيادة أنتاج المحاصيل وخصوبة التربة . محاضرة في الدورة التدريبية الثانية في بايلوجية تثبيت النيتروجين / مركز بحوث علوم الحياة / مجلس البحث العلمي بغداد 3-5 تشرين أول 1987 . 5. تأثير قلب متخلفات المحاصيل الزراعية على أنتاجية التربة . محاضرة في الدورة التدريبية في أستخدام الأسمدة العضوية والأحياء المجهرية لزيادة وتحسين الأنتاج الزراعي / مركز البحوث الزراعية والموارد المائية مجلس البحث العلمي بغداد 5-10 / آذار 1988 . منشورة في وقائع الدورة الصادرة عن المركز ص 1-10 ( موجز مع جداول ) . 6. حوامل اللقاح البكتيري وطرق تحضيرها . محاضرة في الدورة التدريبية في التسميد الحيوي وأنتاج الأسمدة المايكروبية مركز البحوث الزراعية والموارد المائية / مجلس البحث العلمي بغداد 17-22 / 6 / 1989 . 7. أهمية المحاصيل البقولية في تحسين خصوبة التربة وعلاقة ذلك بالتلقيح البكتيري . محاضرة في الندوة العلمية لأستخدامات اللقاحات البكتيرية في زراعة البقوليات ، الهيأة العامة للخدمات الزراعية المركز التدريبي الزراعي 25 /11 / 1990. خامسا : ترجمة مواد علمية 1. دليل الدراسة العملية لبكتريا العقد الجذرية تأليف ج.م. فنسنت كتاب مترجم عن الإنكليزية / مخطوط . 2. فحص رطوبة التربة كدليل لحاجتها للري ، نشرة علمية صادرة عن مشروع المسيب ترجمة عن الإنكليزية ( نشر ملخص لها في صفحة علوم بجريدة الثورة ) .
القسم التاسع عشر علي عبد الأمير هو أخي .. شاء منذ بدأ الكتابة أن يوقع مقالاته وقصائده (النثرية) بأسمه أعلاه دون إضافة لقب العائلة أعتزازاً بجهده الخاص إذ بدأ النشر بعد أن أصبح أسم شقيقه (أنا) معروفاً في الصحافة .. فآثر ألا يتعكز على أسم شقيقه في التقدم إلى الصحافة .. وهكذا نجح فعلاً في تأسيس وتنمية شخصيته الثقافية . - ناقداً معروفا للموسيقى والغناء ، نشرت مقالاته في مجلة فنون أسبوعيا وفي الصفحات الثقافية في صحفنا .. وفي مجلة الرافدين . - شاعر قصيدة نثر في عدة صحف عراقية وعربية وله مجموعتان شعريتان : 1. يدان تشيران لفكرة الألم ، مطبعة الأديب البغدادية بغداد 1998 . 2. خذ الأناشيد ثناء لغيابك / المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت عمّان ، ط 1 . 1996 (95 صفحة). - يكتب ويترجم في جريدة "الرأي" الأردنية وعدد من المجلات العربية ،"القدس العربي" خاصة . - طبيب بيطري 1979 ، مارس عمله بعد عشر سنوات من القتال الفعلي في الحرب العراقية الإيرانية وكتب عن المعارك التي خاضها في مجلة فنون ثم عاد للحرب في الكويت ، وعاد لعمله الطبي لفترة قصيرة ثم هجره إلى الثقافة .. الشعر والنقد والموسيقى . يسميني في إهداءاته على كتبه (صديقي ومعلمي الأول) والحق أنني كنت أفتقده معظم عمره .. فدراسته المتوسطة بين ناحية المشروع وبغداد ، ودراسته الإعدادية في بغداد بينما كنت أسكن ناحية المشروع ، ثم دخل الكلية عام 1973 1974 . وما أن تخرج حتى إلتحق بالخدمة العسكرية ضابطاً مجنداً في الصنف الآلي .. مفارقاً لنا ولجو الأسرة حتى عام 1989 .. هكذا عشر سنوات بالتمام والكمال ، ثم عاد إلى السلاح 1990 1991 .. والشوق يجلدني والخوف عليه يحرقني ومازالا يفتكان بي وهو الآن مهاجراً .. يكتب وينشر في الخارج . أجل ، أنا ولي أمره منذ أن بدأت عملي الوظيفي عام 1967 .. وقد تركت له الحرية في أتخاذ طريقه ولكنني ناقشته في كل ما أختلفت وأياه حوله وهكذا فأنه وحده صاحب أختياراته الفكرية والثقافية وإن علمته شيئا فهو الجدية والإحساس المرهف بالمسؤولية الثقافية وصدق القول في التعبير . بطاقته : - مواليد المسيب 1955 ، الأبتدائية في المسيب ، المتوسطة ناحية المشروع ثم بغداد ، الإعدادية بغداد ، بكالوريوس في الطب والجراحة البيطرية ، متزوج وله ولدان - يقرأ بالعربية والإنكليزية ويترجم عنها ومع أن أمي لم تستطع اجتذابه إلى مدرستها ، لكنها تركت فيه هو الآخر أبلغ الأثر ، خاصة وهو آخر أولادها ، ولذلك بكاها بمرارة أدهشتني فعلاً حين توفاها الله .. وقصيدته "يدان تشيران لفكرة الألم" هي في رثائها وقد نشرت للمرة الأولى في مجلة (اليوم السابع) الباريسية وكان لها صداها في ملتقى شعراء الثمانينات وقد حملت مجموعته الأولى أسمها ، وفي القصيدة إشارات عديدة لمعاناتها في المسيب ومحنتها في إعتقالي .. أكتب عنه اللحظة وأستذكر بيته الصغير في بغداد واللوحات التشكيلية التي كان يزين بها بيته ومكتبته التي باعها وأبكي ، وأستذكر غربته أو رحيله أو ترحله الدائم .. وأبكي غير أنه مسيبي آخر من آل الشيخ كاظم عجام .
ناحية المشروع * بدا الراحل بكتابة النص في 18 / 6 / 1995 وانتهى منه في 28 / 8/ 1997. **هامش السيد مهدي الإنباري: ما لا تعرفه عن قاسم عبد الأمير عجام قصير الجسم، صبيح الوجه، الجدية مرتسمة على وجهه، وهو صامت، الإبتسامة لا تفارقه وهو يتكلم .. انه ابن معلمتي الأولى وأول من علمني الحرف. بتوسل وجدية طلبت مني تسجيله في المدرسة الإبتدائية، مسكت يده اليمنى بيدى اليسرى، وسرنا جنباً إلى جنب، كان في دشداشته البيضاء ملاكاً أبيض أمام المدير المرحوم الأستاذ الفاضل فاضل بابان، تفحص دفتر نفوسه "الجنسية" وقال لي: لم يكمل السادسة بعد. رجوته أن يمنحه فرصة تلاوة بعض الآيات والسور القرآنية، تلاها بجدارة وثقة واطمئنان .. وافق السيد المدير على قبوله خلافاً للّوائح والقوانين، عدنا فرحين، وبشّرت أم قاسم بقبوله، وداوم في "المسيب الإبتدائية للبنين"، وبقي الأول دائماً على صفه، وبقي حاصد الجوائز والتكريمات، وبقي قاسم عبد الأمير ملاك المدرسة. حفظ الشعر منذ صغره، وفي "عشرة من عاشوراء" كانت المواكب الحسينية في المسيب تذهب مشياً على الأقدام إلى مرقدي الأمام أبي الجاسم والإمامين أولاد مسلم، وكان الطفل قاسم يمتطي الجواد ممثلاً لشخصية القاسم (ع)، وكان يتلو القصائد الحسينية ابتداءً من قرية أولاد مسلم حتى المسيب فلم يمل ولم يكل ولم يخطأ بلحن أو بنسيان، يتلوها بصوت عالٍ رغم البحة التي تصيب حنجرته ورغم التعب والضجر اللذين يصيبانه جراء ركوبه الدابة .. شخص مهاب بلباسه الأخضر وبتجسيده لشخصية الإمام القاسم .هذه هي صورة من صور طفولته، أما بعد ذلك فقد سطرها في مذكراته المحفوظة لدى الأديب الأستاذ جواد عبد الكاظم.
|