القسم الأول منذ شهرين تنام رسالته على مكتبي بعد أن التقيته في المسيب عند أحد الأصدقاء وكان فرحه بي يخجلني حقيقة إذ يشعرني بكل خجل المتواضعين الذي في .. إذ عبر عن اعتزازه بي وبأهمية لقائي بالنسبة له مشيرا إلى سمعتي الثقافية والأخلاقية .. الخ . ثم حدثني عن مشروعه في تأليف كتاب عن مدينتنا، المسيب، أجتماعيا وهو يريدني وقد لمس تشجيعي بل حماسي لمشروعه أن أكتب له شيئا عن أسرتنا فيها .. ودور بعض أفرادها ودوري أنا .. ها أنا أحاول أن أجيب طلبه ، بل أنني أجيب طلبا مماثلا لصديق آخر هو السيد أحمد زكي الأنباري الذي يكتب هو الآخر عن المسيب وقد هاتفني منها يرجوني الكتابة بمثل ما أراد الأخ جواد عبد الكاظم . فيا للطلب العزيز ، ويا لأغراء السباحة في بحريات الذاكرة وأنها الذكريات ! يا للعنة متاعب حياتنا التي تستهلكنا حتى لنتأخر عن مثل هذا الإغراء كما فعلت لحد الآن فإلى العزيزين جواد واحمد أعتذاري العميق لتأخري وإليهما تحياتي وشكري لثقتهما وعساني أن أكون في سطوري التالية مفيدا لمشروعهما . لكثيرون يكذبون ، أو يشككون في أحسن الأحوال ، تاريخ ولادتنا المدون في دفاتر النفوس ، كما كنا نسمي ما يعرف اليوم ببطاقة أو هوية الأحوال المدنية ، إذ لم يعتد أهلنا يومها إلا القليل منهم ، أن يوثقوا حياتهم حتى لو كان يوما ولد لهم فيه خلف يجدد صلتهم بالحياة ، وحين يضطرون إلى ذلك ، لأمر رسمي مثلا فأنهم يلجأون إلى الذاكرة ويستشهدون بالحوادث البارزة فهذا ولد مع ( دكة ) والمقصود " ثورة" رشيد عالي الكيلاني ! وتلك ولدت في سنة فيضان دجلة و .. و …الخ ، وحين يسجل تاريخ الميلاد فكثيرا ما تطرح منه سنة أو أكثر سعيا لتأجيل سوق ( الأولاد ) إلى الخدمة العسكرية ! وهكذا سألت والدتي ذات يوم إذا كان تاريخ ولادتي المثبت في دفتر النفوس ، وهو عام 1945 ، صحيحا فراحت تسرد لي ، وهي تحب القص وتجيده ، ذكرياتها عن يوم مولدي وبعده الزمني عن ( دكة ) رشيد عالي . وبعد الكثير من التفاصيل والمقارنات أشعرتني أن ذلك لتاريخ كان صحيحا على الأرجح . وجدتني مع أولى بدايات أشتغال ذاكرتي محاطا بحب سخي يقرب من الدلال فقد كنت الولد الذكر الوحيد لأسرتي بعد خمس بنات أدركت منهن ثلاثا إذ توفيت أثنتان منهن طفلتين ، ولم يكن ذلك الحب مقصورا على أهل بيتي ، إذ كان يغمرني به جيراننا حتى أن إحدى فتيات الجيران أحتالت ذات يوم لتحتفظ بي في بيتها من الصباح إلى الغداء دون علم أسرتي ، مما أصاب أهلي برعب عاصف خوفا من أن أكون قد غرقت في الشط أو قد جرى لي مكروه وكان الصبية أو الصبايا الذين يتعلمون قراءة القرآن على والدتي في بيتنا يغمرونني هم الآخرون بمحبة تنافسية أتذكر منها خيوطا تتراوح بين الوضوح الكامل وبين ما حدثتني به والدتي ذاتها ، ومن بين ما حدثته تلك المحبة الفائقة التي كان يغدقها عليّ أحد تلاميذ أمي المتفوقين ذكاء ، والمتفوق نشاطا وحركة ولباقة ،إذ لم يكتف بملاعبتي ومنحي ما يتيسر له من حلوى ، بل كان يحملني على كتفيه أو ظهره ، وأحيانا يختطفني على غفلة من أستاذته ( الملة ) أمي ليطوف بي في الأسواق ، بل وقد يذهب بي إلى خان الدواب حيث تربط الحمير والخيل التي كان الريفيون يأتون عليها إلى المدينة ، مما كان يعرض ذلك ( التلميذ ) المشاكس إلى عقاب أو حساب والدتي وتقريع أمه أيضا.. خوفا عليّ . لكنه أستمر في محبته تلك ، وحين كنا نلتقي وأنا طالب متفوق في الدراسة الثانوية وهو جامعي متفوق ثم مدرسا للفيزياء يشار له بالبنان كان يصر على تذكيري بتربيته لي كما يقول .. كان ذلك هو حمزة خضير الدجيلي .. الدكتور العالم بالفيزياء حاليا . أو كما تعرفه المسيب منسوبا إلى أمه الصابرة المثابرة التي صنعته بالكد وماء العيون حد العمى ( حمزة قايه ) ! والمرحومة ( قاية ) هي أمه التي أتذكرها تبيع النفط الابيض حاملة براميله وصفائحه على رأسها وقطراته المتتالية تأكل في عيونها ووجهها ، لتنفق على حمزة أبنها الوحيد وعلى بناتها .. حتى نال درجة الشرف من جامعة بغداد ومنها أرتقى إلى درجة الدكتوراه من أمريكا في أحد فروع الفيزياء ( لعلها الفيزياء النووية ) ، ليعود أستاذا وعالما مرموقا لم ينس أستاذته الاولى .. امي . أجل .. إذ قال لي يوما وأنا أبلغه بحصولي على شهادة الماجستير بدرجة أمتياز أن" الأم التي أنجبتك قد سبقتك بتعليمي أنا ، ويشير إلى نفسه بأعتزاز ، وشهادتي ثمرة غرسها المبكر وصبرها على تعليمي وتحفيظي وضبط النطق وقراءة القرآن الكريم .. وبالتالي كل قراءة " ! وهذا مجرد مثل واحد لتلاميذ أمي . ومثل جيران البيت كان جيران الدكان .. دكان والدي العطار ، يغمرونني هم الآخرون بمحبتهم حينما أحمل إليه وحتى حين كبرت وصرت أذهب إليه بنفسي فأتلمس تلك المحبة .. وكان والدي رحمه الله يكثر من ترديد الصلاة على محمد وآل محمد ( ص ) بصوته العريض كلما رآني بين يديه حتى لقب بـ ( أبي الصلوات ) لعلني وأنا أتوقف عند هذه المحبة السخية المتدفقة من أكثر من نبع اجدني قادرا على أن أفسر بها متانة علاقتي الاجتماعية بالناس ونزوعي المبكر نحو التضامن مع الآخرين في أفراحهم وأعمالهم .. وهذا ما كان في أساس اختياراتي الفكرية وأعمالهم . وهذا ما كان في أساس أختياراتي الفكرية والأدبية اللاحقة .. إذ نشأت في جو علاقة حميمة بالناس أساسها التآلف والمحبة ..
القسم الثاني على أن ذلك ( الدلال ) ان صحت التسمية .. لم يمنع الأهل من فرض الواجبات مبكرا على أبنهم المحبوب .. وكان أول الواجبات تعلم القرآن الكريم .. وهكذا كان ! على أن والدتي ، وقد ورثت عن أبيها قدرتها على تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وكان بيتنا في محلة النزيزة ( أم الصخول ) يمتلئ بالاولاد والبنات الذين أودعهم ذووهم لدى أمي لتلك الغاية .. أقول أن والدتي وهي تنغمر بذلك المشروع الذي تحبه ، لم تشا ان تضمني إلى تلاميذها خوفا من أن اعتمد على موقعها فأهمل الواجب .. فارتأت أن تلحقني بالصف (الكتاب) الذي تديره خالتي شقيقتها الكبرى هي الاخرى بل وأشترطت عليها أن تحاسبني كما تحاسب المتعلمين الآخرين تماما .. ولقد فعلت خالتي رحمها الله ذلك تماما حتى إني كنت أرى فيها صرامة وتجهما اجدهما أكثر مما يجب وانا ابن شقيقتها . غير انها اثابها الله علمتني فعلا ومكنتني ان أنجح في أختبارات المراجعة التي تجريها لي أمي بعد عودتي إلى البيت للتأكد من مدى استفادتي مما أتعلمه لدى خالتي . وهكذا حتى اكملت ، بأتقان ، قراءة القرآن الكريم بنجاح وفزت بحفلة "ختمة" مازلت أتذكرها تفصيلا ! ونالت خالتي هدية ثمينة من والدي واخرى من والدتي . ثم تولتني والدتي مجددا لإعادة ختم القرآن تحت إشرافها هي هذه المرة .. وقد أنجزت ذلك فعلا ، وكنت في الخامسة أو السادسة من العمر . هنا لابد من معلومة او معلومات .. فأن خالتي إذ تدبر صفا لتعليم القرآن كما تفعل والدتي فأنها لم تكن ترث ذلك عن أبيها فقط وكان يدير كتابا في الجامع تتلمذ عليه كثير ان لم أقل اكثر من وجوه المسيب منهم كاظم السلمان ، وأحمد العباس المحمد المعموري ، وعبد المحسن الجاسم ، وعدد من آل مظلوم ومكاوي عبد الأمير مكاوي وتوفيق وسلمان مكاوي وآل علي السلمان الأنباري وعبد الرزاق حمزة الخليل وكثيرون غيرهم . وإذا أذكر هؤلاء دون غيرهم فلأنهم حدثوني بطريقة أو بأخرى عن اثر جدي فيهم وحسن تعليمه لهم ، وكان رحمه الله يعرف بلقبه ( الشيخ الشريف ) أكثر مما يعرف بأسمه ، بل انني حتى وأنا في المدرسة الأبتدائية أحسب ان ذاك هو اسمه الحقيقي حتى رأيت ( دفتر نفوس ) والدتي فإذا اسمه ( محمد حسن ) وهو ابن الشيخ عبد المهدي عجام الذي كان قارئا منبريا وحدادا في الحلة ، ولما سالت عن لقب (الشيخ شريف) علمت من والدتي أن الناس ألتزموا به أعتزازا به وبشرفه ومكانته لديهم واعترافا بفضله ونقاء سيرته . غير أنني عرفت ان أصل أسم ( شريف ) و ( محمد حسن ) نفسه يعود لحكاية أخرى ليس هذا مجالها وقد حدثني بها احد أولاد عم امي قبل شهور فقط ! أقول لم ترث خالتي عن جدي قدرتها تلك فقط وانما كانت تتواصل بكتابها المنزلي مع زوجها المرحوم الشيخ محمد علي الشيخ كاظم عجام وهو والد حسن الخياط وحسين الخياط الذين ما يزال دكان كل منهما مفتوحا للخياطة في المسيب ، وهو ايضا عم والدي فقد كان الشيخ محمد علي يدير كتابا في جامع السعداوي ( الفرات فيما بعد) وحتى عجزه قبل وفاته رحمه الله بسنوات . على إني لم أدرك أيام من جدي ( الشيخ شريف ) الذي توفي قبل زواج أمي ، ( ومما تحدثت به أمي عنه اقدر انه توفي بحدود 1920 1923 ، إذ تحدثت عن موقف له مع احد جنود الاحتلال الإنكليز ) ولا الشيخ محمد علي في كتابه .. وإنما أدركت الأخير رحمه الله شيخا متعبا يرتدي زي الشيوخ المعممين .. الجبة والسترة والعمامة البيضاء . وقد توفي في أوائل الخمسينات فاستمرت خالتي زوجته وابنة عمه تواصل شوطة حيث قرأت عليها وختمت القرآن الكريم .
القسم الثالث وبينما لم يترك عمي الشيخ محمد علي سوى سمعته التعليمية وتلاميذه ، ترك جدي الشيخ شريف عدداً من المخطوطات بخطه الجميل الذي يكتبه على ورق سميك المسمى (الورق المعشر) بالحبر الصيني بخط الثلث والنسخ . وتضم هذه المخطوطات قصصاً عن الأنبياء (ع) ووفيات ألأئمة المعصومين (ع) وعدداً من الحكايات التاريخية ، وتضم أخرى أدعية متنوعة تتخللها هي الأخرى قصص دينية أو بعض الأرشادات الدينية ومخطوطات تضم شعراً في مدح آل البيت (ع) أو رثائهم (ع) ، ولا أعتقد أنها من شعره بل هي مختارات مما كان يحفظ ، ويبدو أنه رحمه الله كان شخصية متفتحة تجمع التدين ووقاره وأنبساطه ولذا كان يحرص على اناقته كما تقول والدتي وكان يردد شعراً منغماً حفظت أمي عنه أبياتاً من شعر (وضاح اليمن) .. (قالت ألا لا تلجن دارنا .. ) دون علمه ، بل حفظتها منه على السماع ، ومع أنه ساعدها على أن تحفظ الكثير من القصص الديني والأدعية والمراثي الحسينية إلا أنه لم يعلمها الكتابة ! أجل ، ورأيه ، حسب قولها رحمها الله : أن ليس للمرأة أن تتعلم الكتابة خوفاً من استغلالها في كتابة خطط السحر !! وهكذا بقيت أمي قارئة جيدة وحافظة ممتازة ولكن أمية في الكتابة ! وقد حاولت أنا تعليمها الكتابة فسخرت من محاولتي بالمثل المعروف (( عكب ما شاب ودوا للكتاب)) . وإذا كان جدي لأمي وابنتاه فاطمة (خالتي) وخديجة (أمي) وعم والدي (الشخ محمد علي ) قد تولوا تعليم أهالي المسيب أو كثيراً جداً منهم القرآن والكتابة ، فإن المقام يتطلب مني وقفتين أخريين : الأولى : عند جدي الأكبر (الشيخ كاظم الشيخ عبد المهدي عجام ) فأنه جاء إلى المسيب من الحلة ، موطن عائلتنا الأساس ، كممثل للمرجعية الدينية ويقال أن لحلوله في المدينة أثر ملموس في إشاعة الإلتزام الديني وترسيخه وسط ظرف أوجد حاجة لمثل ذلك العمل . وإذا علمنا أن أبنه حسون عجام وهو جدي لوالدي ثم والدي من مواليد المسيب وكان جدي الحاج حسون الشيخ كاظم قد توفي أواسط الخمسينات عن عمر جاوز السبعين فهذا يعني أن حلول الشيخ كاظم عجام (جد والدي) وجدي الثاني قد تم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر . ولذلك ونسبة لدور الشيخ كاظم ما زلت أجد من يسمينا بآل الشيخ كاظم .. والشيخ كاظم رحمه الله هو شقيق جدي لأمي الشيخ شريف . الثانية : عند شخصية أخرى من شخصيات أسرتي (وأنا هنا أجيب عن أحد أسئلتكم دون مراعاة تسلسلها في طلبكم ) التي ساهمت في توعية وتعليم الناس في مدينتنا العزيزة وهو الشيخ مهدي الشيخ محمد جواد الشيخ كاظم عجام . والشيخ مهدي هذا هو ابن عم والدي ، كما ترون ، وخال أولاد عمي الحاج نعمة الخياط ، خال رسول ، سلمان ، كريم ، ومكي وأشقائهم ، وقد وعيت عليه شيخاً معمماً يسكن داراً على شاطئ الفرات قريباً من خزان المياه القديم في محلة النزيزة ، وله طريقة متميزة في إحياء الشعائر الحسينية في شهري محرم وصفر ورمضان أيضاً . ولولا بحة أو حشرجة في صدره لكان له شأن في هذا المجال ربما فاق شأن ابن عمه وهذا هو الآخر ابن عم أمي وابن عم أبي الشيخ هادي الشيخ صالح عجام الذي غادر المسيب وسكن كربلاء وفيها مارس الوعظ الديني وإحياء المجالس الحسينية حتى اشتهر شهرة واسعة ترك منها بعد وفاته تسجيلات ما تزال متداولة إلى الآن ، وأولاده في كربلاء هم الآخرون ، وما يزال بعضهم شيوخاً على طريقته . كان الشيخ مهدي متفتحاً هو الآخر حتى أنني أدركته رحمه الله يجادل مدافعاً عن شرعية ثورة 14 تموز 1958 كوسيلة لرد مظالم الناس وتعويض الفقراء والمحرومين قبلها ، وقد كان أحد ولديه (هادي وحسون) عبقرية مبكرة إذ كان طالباً مدهشاً في ذكائه وحافظته وقدرته على الرسم وتكوين الأشكال بالطين ! غير أن (حسون) هذا لمحدودية أو ضيق حياته وانغماره في أفكاره التي سبقت عمره قد تدهور إلى انفصام في الشخصية ثم إلى الوفاة وهو في الصف الخامس العلمي وكان ذلك أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات على الأكثر ، وقد توفي الشيخ مهدي نفسه أواسط الستينات على ما أتذكر عن عمر جاوز السبعين .
القسم الرابع ملأتني قدرتي على قراءة القرآن الكريم بطلاقة ، بالرغبة في قراءة كل ما تقع عليه عيني من كتابة ، فكنت أقرأ اللوحات المعلقة على المحلات أو عيادات الأطباء فأفوز بإعجاب ودهشة الأهل والأقارب ، وهكذا كنت أتطلع إلى عالم المدرسة الذي اسمع عنه بتوق ولهفة . لكنني أحسست أن دخولي المدرسة يتجاذبه رأيان .. فثمة حماس أمي وحسمها للموضوع باتجاه دخولي المدرسة في مواجهة تردد والدي أو حتى بروده إن لم يكن رفضه لهذه الفكرة تحت ذرائع مختلفة متعددة ، أتذكر منها : أن المدارس لا تعلم الديانة وإنها ربما تعلم شياء لا يقرها الدين ، أو أنها الطريق إلى الوظائف الحكومية وهذه مصدر لأموال ليست حلالاً وأشياء أخرى في هذه الدائرة . واشتدت المنافسة في صيف عام 1951 أو 1952 بينهما رحمهما الله بانتظار السنة الدراسية الجديدة حيث يسمح عمري بالتسجيل فيها . وحين حل موعد تقديم أو تسجيل التلاميذ الجدد حسمت الوالدة أمرها بالاتفاق مع أحد (تلاميذها) المقربين عائلياً والذي كان متخرجاً من دار المعلمين الابتدائية لتوه أو هو في السنة الأخيرة منها . كان ذلك هو مهدي عباس الأنباري (المحامي حالياً) وكان جارنا ، حيث يلتصق جانب بيتنا بخلفية بيتهم في محلة النزيزة . وبالفعل جاءني مهدي أو (الأستاذ هداوي) كما كنا نسميه في المحلة ضحى أحد الأيام وأنا ألعب في زقاقنا وسألني باسماً إن كانت (الملة) - يشير إلى أمي- في البيت . ثم طلب مني بعد أن تأكد منها أن أذهب لتبديل ملابسي وإحضار دفتر النفوس لنذهب إلى المدرسة !! وأسرعت الوالدة بإنجاز متطلباتي مع دعواتها للعزيز هداوي بالتوفيق وسلمتني إليه وديعة غالية وسط فرحتي الغامرة . وقادني فرحاً هو الآخر إلى (مدرسة المسيب الابتدائية الأولى) ، حيث قدمني إلى مديرها الأستاذ محمد فاضل بابان ، وكان إلى جانبه الأستاذ منصور حسين القرطاني وأكد لهما أنني سأكون التلميذ المتفوق حتماً ، وطلب منهما أن يختبراني للتو في قراءة أي شيء . وكان بذلك يرد على اعتراض المدير بأن عمري ينقصه شهور للتسجيل ، ولكنه ألح عليهما بقبولي ولو بصفة مؤقتة ريثما أثبت صحة ظنه بتفوقي ، فاختبراني وما زال بهما حتى تم تسجيلي.(راجع الهامش حيث كتب السيد الانباري في رسالة خاصة الى المحرر، موضحا هذه الحادثة)**. على أن تأثير مهدي الأنباري لم ينته هنا وإنما استمر فعالاً خارج المدرسة كقدوة ثقافية وسياسية وكمرشد لي للعديد من القراءات وسأتوقف عند بعض ذلك التأثير فيما بعد . وهنا أعتقد بضرورة وقفتين لا بد منهما لضرورتهما وأهميتهما بالنسبة لمؤرخ المدينة ... أو مؤلف كتاب عن المسيب :الأولى : عند معلمي وإدارة هذه المدرسة ودورهم في تنشئة جيل من أبناء المسيب. الثانية : عند المدرسة نفسها وكمؤسسة ومكانتها لدى الناس في المدينة . فبالنسبة لمعلمي المدرسة أجدني الآن أطوف بمباراة من الجدية والإخلاص لمهام المعلم المعلم . ولكنني مع شدة وفائي ومحبتي لذكراهم جميعاً أميز بعضهم بما أحسه من تأثيرهم الخاص بي . بل وأشعر بكثير من الثقة أن تأثيرهم لم يقتصر على مجموعة قليلة من تلاميذهم بل أزعم أنهم أصبحوا القاسم المشترك للتأثير في جيل كامل ممن درس عليهم وأصبحت أسماؤهم دليلاً على النموذج الحي للمعلم المربي ، ولنقف عند قسم منهم.
القسم الخامس 1. منصور حسين القرطاني : اختص بتعليم الصف الأول بكل ما في تعليمه من خصوصية وصعوبة . وكانت طريقته في تعليم الحروف وأصواتها تقوم على إندماجه وتلاميذه بما يجعل الموضوع مسألة حياتية بالنسبة إليهم ، فبالتكرار والاستفهام والإعادة والرسوم الإيضاحية والتمثيل وبالترديد بعده وتشجيع من أتقن الدرس بالقيام لأدائه أمام زملائه .. كان يحفر فينا صوراً للحروف والكلمات ، وبأكثاره من تكليفنا بالواجبات المدرسية وتشجيع من يكتب أفضل يدفعنا في دنيا الكتابة دفعاً . وكان تفتيشه الدقيق في دفاترنا الصفية والبيتية وتدقيقه المثابر في صحة الإملاء واستقامة السطور ونظافة الصفحة مما لا يحتمله تلميذ كسول ، خاصة وأنه يحسن توقيت العقوبة بمختلف درجاتها ابتداءاً بالتنبيه ثم التوبيخ اللفظي إلى السخرية إلى الزجر وصولاً للضرب . ولأن معلمنا العزيز هذا كان معلماً للرياضة لفترة من الفترات فأننا كنا نباهي بقية الصفوف بحيويته وتألقه إذ نراه بالقميص والبنطرون وفي الشتاء بهما و(اليلك) دون السترة في ساحة كرة الطائرة أو كرة السلة في المدرسة يمارس اللعبة مع فريق المدرسة أو مع المعلمين فيزداد إعجابنا به ، وتمنحه مكانته الرياضية تأثيراً متزايداً فينا . وكانت المدرسة حين تفوز في المباراة مع مدارس أخرى كان الجمهور العائد من اللعب يهتف هازجاً ، من بين ما يهتف به "بشروا أبو ليلى ... ترة الكاس ألنه" وأبو ليلى هو معلمنا منصور . ولقد كتبت ذات يوم أواسط الثمانينات مقالة عن التدريس وشجونه فاستذكرت دور هذا المعلم المربي ، وكان هناك وقتها من أخبرني (بوفاته ) ولذا أعقبت ولذا أعقبت أسمه بـ (يرحمه الله) حتى لقيته بعد أكثر من سنة على نشر المقال في مجلة "الثقافة" الشهرية في بغداد وحدثته عن المقال . وفي المقال أشياء أخرى عنه . 2. عبد العزيز عبد اللطيف وهل من تلميذ من جيلي في مدرستي هذه لم يؤثر فيه (أبو سعود) كما كان يكنى رحمه الله ؟! كان (أبو سعود) معلم اللغة العربية في الصف الخامس والسادس . وكانت شدته في التصحيح ومنح الدرجات تصلنا أخبارها ونحن في الصف الثالث والرابع بشكل خاص . وحين أسعد في الحظ فعلاً بطريقته في شرح قواعد اللغة ابتداء من الصف الخامس شعرت أنه يستفز في داخلي قدرتي على التجويد في كل شيء .. في الخط ، في جدولة المادة ، في تنظيم الدفتر ، في ضبط الإملاء .. الخ . وكانت السبورة بالنسبة له أكثر وسائله تأثيراً يقسمها إلى جداول ، يؤكد على تجديد صبغتها ، يكتب عليها بكلمات صغيرة لتتسع لأكثر ما يريده من مادة ، يستعمل أكثر من لون من الطباشير لإظهار الحركات أو ما يريد التركيز عليه ، يحل الواجب مع التلاميذ عليها ولا ينسى أن يكتب عنوان الموضوع والتاريخ في حاشيتها العليا . ويؤكد على تلاميذه أهميته الوقوف على السبورة وكتابة الحل أمام زملائهم ليناقشهم في دقة رسم الحروف وصحة الإملاء . الواجبات البيتية عنده مقدسة ولا مجال للتهاون فيها ، فالعقوبة والتوبيخ حصة كل مهمل .. والإنشاء عنده مهمة لا بد من إعطائها حقها. وكذلك التشجيع على الخطابة ، فهناك منه درجات إضافية لمن يلقي محفوظات شعرية في الاصطفاف الصباحي شرط أن يضبط النطق . ولقد أدهشت المدرسة مراراً في الاصطفاف الصباحي بمحفوظات شعرية حفظتها من خارج المقرر المدرسي مستنداً إلى قدرتي على القراءة الصحيحة التي منحني إياها نطق القرآن الكريم . وحين حصلت عنده على درجة 25/25 في قواعد اللغة ، ثم مثلها في الإملاء والإنشاء ، أعلن رحمه الله أمام الطلبة والاساتذة إن هذا حدث كبير إذ لم يحصل عليها قبلي إلا نادراً ودون تتابع !! ولأنه كان يعلمنا الديانة فأنه كان دائم التأييد على اتقان تجويد التلاوة . وكان يخصص هدية لمن يفوز بالتلاوة الأجود ، وكنت في هذا وفي الحصول على درجة 25/25 في مباراة ودية ساخنة ، تفرح استاذنا بشكل خاص ، مع زميلي المتفوق جبار إبراهيم رسولي ، رئيس مهندسين حالياً وخبير في اختصاصه ، الذي كان يسبقني بسنة دراسية واحدة . وكان لشدة تأثير هذا المربي الحنون في تلاميذه أنه إذا مر في نزهته المسائية المعتادة كل يوم في الطريق إلى مقهاه المفضل على شاطئ الفرات بمحلة النزيزة حيث مجلسه تحت شجرة توت ضخمة .. إذا مر اختفت جميع التلاميذ اللاعبين في الطريق تاركين أدوات اللعب حيث هي ، واختفى السابحون في الشط بالغوص تحت الماء حتى يبتعد عنهم وكان يمضي بأناة مشيته مداعباً مسبحته ويراقب كل ذلك ويبتسم !! لم يكن (أبو سعود) معلماً متميزاً فقط بل قارئاً جيداً أيضاً وكثيراً ما كان يدخل الصف وبيده كتاب مما يقرأ أو مجلة دورية ، ومنه تعرفت لأول مرة على سلسلة كتاب "الهلال" .. ورغبة في الاقتداء به اشتريت عدداً من كتاب الهلال ، وكان ذلك هو العدد 89 لسنة 1958 وما يزال لدي وهو كتاب "أبليس" لعباس محمود العقاد وعليه تاريخ الشراء وهو أيلول 1958 وهذا يعني أنني اشتريته بعد انتهاء المرحلة الابتدائية . ولقد كان من القلة من المعلمين الذين يقدمون هدايا للمتفوقين في الدراسة أو النشاط المدرسي من ماله الخاص وكانت دائماً قلماً فاخراً أو كتابا . وكان قلم الحبر ماركة (تيكو) حلم أي تلميذ يحسن الكتابة . وقد نلت من هداياه قلمه الشخصي العزيز لديه ماركة ( الدب الأسود) وكنت احتفظ به واستعمله صالحاً حتى دخولي كلية الزراعة عام 1962 . ومما كان يزيد هيبته فينا أنه استاذ للعديد من معلمي مدرستنا الذين صاروا زملاء له وكانوا يحدثوننا عنه بفخر .
القسم السادس 3 أحمد جميل عبد القادر : لهذا المعلم المتألق محبة باقية في نفسي وربما في نفوس كثيرين . إذا قدم لنا حين باشر عمله معلما للاجتماعيات دما جديدا لا في طريقة التدريس فقط وأنما في ربط التاريخ بقضايا الحاضر وكذا الجغرافية والواجبات الوطنية والتربوية ، ولم يلبث أن أصبح نقطة جذب للطلبة الكبار في المدرسة خصوصا أولئك الذين الذين يميلون للحديث في أخبار سياسية كما كان يدهشنا بجمال خطة وقدرته على الرسم بيده اليسرى .. إذ كان أعسرا . وقد علمنا ، رحمه الله ، الرسم أيضا وشجع على تشغيل مرسم المدرسة ونفذ ذلك مشجعا على مشاركة مدرستنا ، معلمين وطلاباً ، في المعرض السنوي الفني لمدارس اللواء ( المحافظة ) . وأدهش المدرسة بتكنيك جديد هو الرسم بالبوية على الزجاج مباشرة حيث كان يختار لوحة ، منظراً طبيعياً غالبا ، ويضعها تحت الزجاج ويلون الزجاج بألوانها .. وبمثل ذلك يرسم لوحته الخاصة مبرهنا على اتقانه مزج الألوان والسيطرة عليها ، وكثيرا ما كان يرسم على مرأى التلاميذ والمعلمين في المرسم أو في قاعة المدرسة فيحبب لنا فن تلاميذه الفن وممارسته . وإلى ذلك كان حماسه لإقامة مباريات رياضية في كرة الطائرة خاصة بين فريق المدرسة الطلابي وفريق من المعلمين فكانت تلك المباريات مبعث دهشتنا وانفعالنا وفرحنا وسببا لمزيد من حبنا لمعلمينا . أستطيع أضيف لقدراته التعليمية والتربوية أناقته المتميزة وما زلت أعتقد أنها كانت من حوافزي المستمرة إلى الآن للحرص على النظافة والأناقة الأفضل . وحين صرت إلتقيه ، رحمه الله ، في بغداد وأنا في الصف الأول بكلية الزراعة - في مقهى ياسين بشارع أبي نؤاس غالبا - كان يحدثني كصديق في موضوعات ثقافية وفنية عامة تدل على ثقافته وتفتحه حتى فجعت بوفاته المفاجئة وهو في عز تألقه ، وكان ذلك عام 63 أو 1964. 4 زكي جاسم : كان أسما مخيفا فعلا ، لأنه شديد العقاب ولأنه معلم الحساب الصعب . وحين بدأت شوطي معه كان حين بدأ درسه معنا في الصف الخامس ولكني سرعان ما أكتشفت بعد أول أمتحان شهري أن ذلك الخوف لا معنى له ، وأن هذا المعلم لا يريد أكثر من الدقة التامة في الإجابة ، ولا يريد أكثر من واجب يومي منجز ودفتر نظيف ومشاركة نشيطة في الصف .. بل أنه يشدد على هذا النشاط ، وإلا !! وحين يتوفر أي تلميذ على ذلك فله من معلمنا المهاب هذا كل التشجيع بل والمداعبة أيضا ، وقد نلتهما منه بسخاء ، وما زالت دقته في عرض المسائل الحسابية وطريقته في تقسيم وتبويب الحل تفعل فعلها في كثير من حساباتي الآن . وكان مثل زميله الأستاذ أحمد جميل نشطا في المرسم .. جميل الخط ، يتبارى وأياه في الرسم على الزجاج وينافسه في كرة الطائرة ، ومثله حريصا على متابعة تلاميذه تربويا ، ومما أذكره أنه أسس صندوقا لطلاب الصف السادس من ( كفاراتهم ) عن أي يمين يحلفون بها أثناء الحديث في الصف مع المعلم أو مع الزملاء . فقد فرض على كل من يقسم يمينا في حديثه أن يدفع فلسا واحدا لأمين الصندوق وقد كلفني بهذه المهمة .. وكلفني أن أنتبه لمن يتحدث فإذا غفل هو عن ضبط يمينه نبهته أنا !! ومن مدخرات هذا الصندوق وفرنا العديد من أحتياجات الصف كبعض ألواح الزجاج للشبابيك وقماشا للستائر وغيرها ، وأهم من ذلك أشعرنا أن الأكثار من الأيمان عادة ليست محمودة ، كان يفخر بتتلمذه على أستاذه عبد العزيز عبد اللطيف ( أبو سعود ) .
القسم السابع 5 فاضل محمد بابان . المدير : لم يكن الشيب الذي يتوج رأس مدير مدرستنا هذا عائقاً عن نشاطه الدائب في متابعة كل صغيرة وكبيرة من شؤون المدرسة ولحزمه وصرامته في محاسبة المقصرين . كان التهديد برفع الأمر إليه يثير الهلع في نفس كل من يتلقى ذلك التهديد خاصة وأنه يصر على معاقبة ذوي الذنوب الكبيرة كالغش أو الهروب من المدرسة عبر سياجها ، معاقبتهم علناً أمام جميع طلبة المدرسة في الاصطفاف الصباحي بعد أن يقرأ الأمر الإداري بمعاقبتهم ، بنبرة خاصة تنم عن الخطورة ، ويشرح خطورة ما اقترفوه من خطايا . ولذلك كان إذا مر في القاعة خلال الدروس ، يتهامس التلاميذ الجالسون إلى الشباك ... بأن المدير يفتش ! فتسرى الهمسات إلى الصف كله ... المدير يفتش ! وكانت متابعته للصفوف وعملية التعليم ، ونظافة الساحة والحدائق والقاعة ومرافق المدرسة كافة من يومياته الثابتة دونما وقت محدد لها . ومع أن المدير لا يدخل الصف للتعليم إلا نادراً إلا أنه يعرف تلاميذ المدرسة المتفوقين في كل صف ويهتم بشكل خاص بمتفوقي الصف الخامس والسادس . أما حين يدخل في بعض الحصص لتعليمنا الخط فتلك كانت متعتي الخاصة ، إذ كان خطه في منتهى الأناقة ، وكان يقطع الطباشير بطريقة معينة تجعل لإتقانه الخط جمالاً خاصاً ، وحينما ينتهي من خط الجملة التي يريدها كانت تطوف على وجهه المغضن ابتسامة حالمة ويتراجع عن السبورة متأملاً لها متقدماً نحوها (مرتّشاً ) لبعض أطراف حروفها والابتسامة ما تزال عالقة بثغره ثم يشرح لنا قواعد رسم الحروف والصف هادئ كأن على رؤوسنا الطير . ومن يدخل مكتبه يستطيع أن يقرأ الكثير من مفردات أسلوب هذا المدير ، ففي ذلك المكتب المطل على حديقة المدرسة الصغرى كل ما يحرص عليه من أناقة وتنظيم وهيبة . واعتقد أن كثيراً من مدراس اليوم تفتقر إلى الكثير مما كان في مكتبه من مستلزمات وأثاث وإشراق وتنظيم. بعد أن انتقل وأسرته إلى بغداد لسنوات عديدة لمحته ذات يوم في إحدى مواقف باصات مصلحة نقل الركاب في محلة الشواكة (القديمة) وكنت حديث عهد بحصولي على شهادة الماجستير عام 1977 ... كنت في عجلة من أمري عندما لمحته عن بعد بشيبته وقامته المديدة التي دب فيها الانحناء فترددت بين المضي في طريقي وبين السلام عليه ، كما تلزمني أخلاقياتي ، وما يتطلبه ذلك من تذكيره بي ، إذ كيف سيتعرف علي بعد سنوات لم نلتق خلالها ولعلها زادت عن عشر سنوات من آخر لقاء لي به ؟!لكنه فاجأني وقطع ترددي بإقباله نحوي فاتحاً ذراعيه أمام الناس مردداً على مسمع منهم "هلة .. هلة بوليدي العزيز" فاسرعت إلى أحضانه أقبل كتفيه ووجهه وأردت تقبيل يديه فلم يسمح لي وإنما أمسك بيدي ليقدمني إلى المنتظرين في موقف الباص وهم يتابعون لقاءنا مبتسمين :" هذا تلميذي ... أي نعم تلميذي ... شوفوا شلون مهيوب ! متفوق دائماً ... ماجستير بدرجة امتياز بالزراعة لكنه أديب ! أي نعم ... أديب هل قرأتم مقالاته ... أنه فلان تلميذي لكنه كان أحلى ! كان ابيضاً حلواً " وعاد يحتضنني وتركني أمسح دمعاً ( كما أفعل اللحظة وأنا أكتب هذا ) ، ثم انفرد بي يسألني عن عائلتي وشؤوني وانا ما زلت تحت مفاجئة معرفته بمعظم أخباري وانه يتابع ما أكتب . ثم راح حدثني عن آخر قراءاته الثقافية وكأنني لست تلميذه الذي ما يزال يقف بين يديه خجلاً متردداً . رحم الله أبا سعد فقد كانت إدارته لمدرستنا حديث المدينة وكانت قوة شخصيته تمنح مدرستنا هيبة خاصة .
|