وهذه الحال تغيرت منذ شهر نيسان ( ابريل ) الماضي حين بدأت اذاعة" سوا" الأميركية بثها الى المنطقة العربية معتمدة على تقديم فيض من الأغنيات العربية والأنجليزية ومابينهما اخبار سريعة . وبدأت " سوا " تحقق حضورا بين الشباب العراقي لاسيما ان الإذاعة توفر للمستمع العراقي بثا خاصا يركز في فترات الأخبار على مستجدات الشأن العراقي وبالذات مايعلن عن خطط الولايات المتحدة عن توجيه ضربة لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين .
" الحياة" اطلعت على نماذج من " رسائل اليكترونية" بعث بها شبان عراقيون الى الإذاعة الأميركية التي يؤكد المشرفون على بثها الخاص بالعراق انهم يقصدون " وضع المواطن العراقي بصورة مايحدث من حوله وإيصال رسائل تطمين توضح انه لن يكون المستهدف من أي عمل عسكري اميركي ". من بين تلك الرسائل كتب احد الشبان العراقيين ( طالب جامعي ) :
" الفت انتباهكم الى ان 85 بالمائة من الشعب العراقي وفي الليل بخاصة يديرون مؤشر المذياع نحو اذاعتكم :الطلبة، المحلات التجارية وفي اغلب سيارات التاكسي. انها لفتة ذكية منكم ان تبثون اغنيات غربية وعربية انا طالب جامعي اقضي وقتا طويلا من الليل في القراءة استعداد للإمتحانات النهائية ( الرسالة مؤرخة في اوائل حزيران) واجد وقتا ساحرا وانا استمع الى الكثير من اغنياتي المفضلة الجديد منها والقديم وبشكل خاص اغنية " كيرلس ويسبر" لجورج مايكل .
مستمع آخر يكتب الى " سوا" لافتا الى انه " عن طريق الصدفة وجدت اذاعتكم حتى اصبحت استمع لها كل ليلة وتسعدني الأغاني مثلما تفيدني الأخبار " دون ان ينسى طلب اغنيتين من الإذاعة " بتر مان" للمغني روبي ويليامز و" نو بودي وونتس تو بي لونلي" للمغني ريكي مارتن.
المحطة الأميركية التي يلتقط بثها في العراق من الساعة السادسة مساء حتى الثانية فجرا باتت المنافس لإذاعة" صوت الشباب " ، وفقدت اذاعة عدي امتيازها بانها "الأكثر مرحا وانفتاحا على الجديد في الغناء والموسيقى بل حتى في طرق التقديم البعيدة عن الرسمية المتكلفة" كما يقول مدير الإذاعة السابق ناظم فالح المقيم حاليا في عمّان ويضيف"كان المجال متوفرا للإذاعة في تقديم كل مايفتقده المواطن العراقي بدءا بالغناء والموسيقى وصولا الى الأخبار " لافتا الى ان "هذه الحال تغيرت بعد ان اصيب المواطن العراقي بالملل من كل خطاب اعلامي يحاول تجميل الكارثة التي يعيشها يوميا".
ولايستبعد فالح ان يصدر عدي اوامره بدمج الإذاعتين " صوت الشباب " و"بغداد أف . أم " في اذاعة واحدة تستلهم الإسلوب الذي تمكنت به " سوا " من جذب اهتمام " 85 بالمائة من الشعب العراقي " كما يقول المستمع الذي كتب رسالة الى " سوا" من بغداد، "فالإعلام في العراق حكر على دعاية الحكم الذي لايكره شيئا قدر كراهيته للرأي الآخر، وهويخشى بالتأكيد من ان تقوم سوا بدس السم في عسل اغنياتها وموسيقها" كما يقول فالح الذي يستعد هذه الأيام للهجرة الى استراليا بعد " معاناة شديدة من اساليب عدي الجائرة وعقوباته الجماعية للعاملين في الإذاعة".
وكانت اذاعة " بغداد أف أم " رائدة منذ تأسيسها العام 1980 في تقديم الأغنيات والموسيقية الغربية بكل الوانها : البوب ، الروك ، الجاز اغاني الريف الأميركي وحتى الموسيقى الكلاسيكية ضمن برامج كان يعدها ويقدمها شيان لم يأتوا الأذاعة الا محبة للنغم الرفيع مثل مهندس الطيران صباح هاشم أمين والطبيب مهيمن نوري جميل والطيار رعد جاويد دراز الى جانب المذيعين المحترفين مثل شميم رسّام المقيمة حاليا في الولايات المتحدة .واستقطبت الإذاعة قطاعا عريضا من المستمعين في العراق لاسيما ان الغرب كان صديقا للحكم اثناء حرب بغداد على طهران، وتمكنت من توسيع قاعدة متذوقي الموسيقى الغربية حتى جاءت المواجهة مع الغرب واميركا تحديدا بعد غزو الكويت ليتضاءل جمهور الغناء الغربي في العراق ولتضعف المادة الموسيقية في الإذاعة بسبب عزلة البلاد ولتتوقف عن البث في العام 1993 حين ذهبت اجهزتها الى اذاعة عدي " صوت الشباب " ثم اعيد بثها بعد اقل من عام ولكن بصورة شديدة الشحوب وبضعف في الإعداد والتقديم بعد هجرة اغلب العاملين فيها.
وبعد حظر لأكثر من 10 سنوات
نجوم الغناء الشعبي الإميركي يشغلون حيزا في الإعلام العراقي الرسمي
استثمر الإعلام العراقي الرسمي مواقف نجوم الغناء الشعبي الأميركي المناهضة للحرب ، ليبرز اسماء مادونا وبربارا سترايسند ( كان ممنوعا ذكر اسمها في الصحافة) ، وعدد من مغني ومغنيات البوب والروك في الغرب عموما ، منهيا بذلك حظرا على التعاطي مع " ثقافة البوب الأميركية" التي لطالما اعتبرت " ثقافة الفكرالأميركي المعادي ".
ومع مواقف صاحبة اغنية " الجزيرة الجميلة" المناهضة للحرب على العراق ، خصصت صحيفة " الثورة" الناطقة باسم الحزب الحاكم في العراق، خبرا عن مضمون فيديو كليب تستعد نجمة البوب الأميركية مادونا لتصويره ، فيما كان ذلك محظورا قبل فترة قريبة .
واوردت الصحيفة ان " مادونا التي اشتهرت بادائها الغنائي المثير، استخدمت احدث اغنياتها المصورة للتعبير عن معارضتها العدوان على العراق".
وبعد سنوات كان النغم الشعبي الغربي في العراق محفوفا بريبة ويذكر بوصفه " انحطاطا في الذوق والإخلاق" بات الإعلام في بغداد يركز عليه " مادونا هي احدث مغنية تنضم الى حشد من نجوم موسيقى البوب في التعبير عن معارضتهم العدوان على العراق".
ويلفت الإعلام العراقي ان "مادونا ستوجه رسالتها المناهضة للحرب، التي تتضمن مشهدا تلقي فيه بقنبلة على عرض أزياء، من خلال اغنيتها المصورة التي يتم اعدادها حاليا ضمن ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان "حياة اميركية" والمقرر طرحه للجمهور في نيسان المقبل".
وفيما تحتكر السياسة وصور الرئيس صدام حسين الصفحات الأول في الجرائد اليومية العراقية ، وجدت مواقف اعلنتها اسماء موسيقية غربية " غولدبوي" و"امينيم" مساحة لها على الصفحة الأولى لـ " الثورة" التي اوضحت في قصة اخبارية لإحدى وكالات الأنباء " استغلت الفنانة ديناميت وكذلك الفنان كريس مارتن من فرقة "غولدبوي " فرصة حفلة تقديم الجوائز للتعبير عن معارضتهما للعدوان على العراق. وغنت ديناميت أغنية أعيدت صياغتها من البوم جورج مايكل بعنوان "لا أريد دماً على يدي". فغيّرت كلماتها على نحو يعبر عن رفضها للعدوان حيث جاءت الكلمات على النحو الآتي "لا اريد أن ارى الاطفال وهم يموتون بعد الآن.. ولهذا عليّ أن أعبر عن موقفي.. فهل تسمعون صوتي .. إن حق أخذ الحياة هو من اختيار الرب فقط.. ولا اريد دماء على يدي".
ولم يتوقف انفتاح الإعلام العراقي الرسمي على نجوم الغناء في اميركا والغرب عموما ، بل اصبحت اخبار نجوم هوليوود الداعين الى رفض الحرب على العراق ، من بين المحطات الفنية والثقافية الأساسية في الصحافة العراقية . فالنجمة سوزان ساراندون صارت بين لحظة وضحاها تمثل " تيار الرفض المتنامي لإدارة الشر الأميركية " فيما كانت صاحبة الدور اللافت في فيلم " رجل ميت يمشي" الى حين قريب جزءا من "السينما الأميركية التي تروج لإسطورة تفوق الكاوبوي" كما كان ينظر اليها عراقيا.
* تقريران نشرا في صحيفة "الحياة" 2002