ثمة الرّقة النادرة في الغناء العراقي المعاصر كما في أغنية "ريحة الورد ولون العنبر" (1961)، للمطرب ناظم الغزالي. وبحسب كلام رقيق صاغه الشاعر الغنائي جبوري النجار، ولحن تعبيري وضعه باقتدار ناظم نعيم (ثمة من يقول ان اللحن وضعه العازف الشهير المرافق للغزالي خضر الياس)، جاءت الأغنية احتفاء بالورد والعنبر عبر تجلياتهما البشرية "ريحة (رائحة) الورد ولون العنبر بخدودك يا حبيبي الاسمر".
واذا كانت هذه اللازمة تبدو بسيطة، فان كلمات الكوبليهات وبالذات الثاني والثالث في الأغنية، تسجل تعبيرا رومانسيا صافيا:
"يا نسمة فجري وانواره/ يا سلوة (سلوى) روحي المحتارة
يا زهرة أنسي لا تذبل/ بدر وانت من البدر أجمل
ما أتذكر شفتك وين/ شاعر واتعشق بأثنين"
ثم نستمع الى رهافة كهذه:
"بإكليل الورد انت مصور/ والشعر الفاتن يتموج
يا أطيب من نسمة صيف/ مرت بين اليقظة وطيف
ما اتذكر شفتك وين شاعر بأثنين"
واذا كان هناك من يسأل ضمن باب المقارنة: مغني الورد (الغزالي).. ماذا سينشد اليوم لو قدر له أن يكون ممن ينتجون الغناء حاليا؟ فانه لن يستغرب اذا كان الجواب بانه لن يكون سوى من قماشة الفظاظة والسوقية الغنائية السائدة اليوم. فالأغنية الشعبية هي ابنة عصرها الاجتماعي بامتياز، بل هي بارومتر الوعي الفني والفكري لأي شعب من الشعوب في فترة انتاجها. لذا فان أي نظرة الى أغنية، مهما بلغ شأو أصحابها ومطربيها، دون ربطها بمحمولاتها الاجتماعية وظروف انتاجها الفكرية، سيجعلها نظرة لا تصل الى توصيف الصورة بوضوح ودقة.