أربعون عاما على اسطوانة "أوكسجين": كوكبنا وكأنه وعاء كبير للموت!

تاريخ النشر       19/04/2016 06:00 AM


علي عبد الأمير

عمل مكتوب بست حركات، وبرؤيا بانورامية للعالم، انه بحق بانوراما المشاعر الانسانية في دوامة اضطرابها المعاصرة، هكذا نستطيع ان نقدم لأول الأعمال البارزة للموسيقي جان- ميشيل جار والذي حمل عنوان "أوكسجين" وصدر في العام 1976.

أولى الحركات الست تبدأ بتصوير حالة هي أقرب الى التأمل المجرد والمشوب بالحذر، هناك لحن مشرق وصورة تقريبية لأنسان يخوض غمار حياته.


غير ان الحذر يقترب ويتضح عبر أصوات تأتي من بعيد حاملة معها نذير صخب وكأنه موج يضرب ساحلاً صخرياً، يتكرر هذا ومن ثم تأتي النوارس بصوت رقيق يتعالى، مشيراً الى رمز حياتي ناعم، هذا التناغم ما يلبث ان تهدده اصوات عنيفة تحمل في متتالياتها شيئاً من عويل وآهات طويلة، تنتهي بضربات تأذن بأصوات قصف وقذائف تأتي من بعيد.

انه بالتأكيد، الاصطدام بين دفق الحياة وإشارات صوت الامواج وقد علتها صيحة النوارس لتطغي على كل الاصوات العاصفة، لكنه قدم عمله كرؤية لأحزان شاملة تعصف بالأرض.


غلاف الأسطوانة


وما الغلاف الذي ضم الأسطوانة وتصميمه الأخاذ إلا تأكيد على ذلك، فهو يقدم الكرة الأرضية وهي متصدعة القشرة، لتظهر داخلها جمجمة بشرية. هكذا قدم المؤلف كوكبنا وكأنه وعاء كبير للموت

وجان - ميشيل جار هو، ابن الموسيقار الكبير الفرنسي موريس جار، وهو أحد كبار مؤلفي الموسيقى التصويرية في السينما المعاصرة: وضع الموسيقى للفيلم "دكتور زيفاغو" و"عمر المختار" وغيرهما.


جان ميشيل على الغلاف الثاني من الإسطوانة


جار الأبن، استطاع ان يطوع التقنية لمفاهيم في العمل الموسيقي، لان ان تكبله هي بحدودها (الآلية)، وبذلك أراد ان يفتت ذلك الإندراج المخيف للإنسان تحت سطوة الآلة والخروج بالتالي من عزلة الموسيقى (كنتاج ثقافي يتسم بالحلمية)، الى نحو تكون فيها أكثر التصاقاً بمشاعر الإنسان اليومية، كونها عنيت بموضوعة تعبيرية يجابهها في كل لحظة.

ان هذا الموسيقي يمثل المرحلة التالية والناضجة من اتجاهات الموسيقى العالمية المعاصرة -الموسيقى الاليكترونية- تحديداً، وهو غالباً ما يقيم مشاريع تأملية للعالم وشجونه موسيقياً! حيث الجرأة والتفرد، فهو يكاد يكون اوركسترا مختزلة!، حين يجلس الى جهاز (توليفي تركيبي Synthesizer ) مع عقل اليكتروني يبرمج كل ما في الموسيقى من اصوات الاتها، وكل ما في الطبيعة من اصوات ايضاً! ويكفي هذا المبدع انه كان يحدث ضجة في كل عمل يقدمه.

أربعون عاما مرت على انتاج الإسطوانة التي ستكون ايقونة موسيقى العصر الحديث او "نيو أيج ميوزيك" مثلما ستكون مادة في مقاطعها الستة لمقدمة مئات إن لم تكن الآلاف من البرامج الإذاعية والتلفزيونية فضلا عن كونها مادة حية لكل ما يتعلق بالبرامج العلمية المستقبلية والمتعلقة منها بقضايا الفضاء والفلك، ومنها برامج إذاعية وتلفزيونية عراقية وعربية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي على وجه الخصوص.


*تحديث لمقالة قديمة لي عن الاسطوانة وصاحبها، كنت نشرتها في العام 1983 بمجلة "فنون" البغدادية.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM