ليس عسيرا التمييز بين ملمحين في
اغنيات المطربة مائدة نزهت، الاول وهو العاطفي الانيق المهذب، والثاني هو
"الوطني" الدعائي الفج، مثلما يمكن ملاحظة ملمحين آخرين: الجانب المديني المتفتح بتلقائية وهو يشبه
خمسينيات العراق من القرن الماضي، والجانب الفوضوي حيث اختلاط البيئات و الأنساق
الثقافية بطريقة فجة ومبتذلة، تحت اسر الاعلانات "الثورية والوطنية"
التي ميزت ستينيات القرن وسبعينياته، وهي
في نتاجها الفني وحتى مسار حياتها الشخصي، انما تصوغ ليس صورة عن فتيات الطبقة
المتوسطة العراقية (المتعلمات) وحسب، بل تصوغ مسار تلك الطبقة في صعودها الثقافي
والاجتماعي وانحطاطها لاحقا.
مائدة نزهت في ستينيات القرن الماضي
ومع مراجعة اولية، لأغنياتها، نجد
ملامح الجرأة والثقة في البوح بمشاعر الحب، ولكن في إهاب من التهذيب والرقة، وهذا
جزء طبيعي من المسار المنفتح للطبقة المتوسطة، مع بداية تشكلها كمؤثر اجتماعي
متزامن مع صعود قيم الحداثة التي كانت تقدمها الدولة قبل ان تحطمها الانقلابات
العسكرية، بمقابل قيم التخلف التي تضخها منظومتا الدين والعشائرية.
ومع اختطاف الدولة من قبل المغامرين
الثوريين والعسكريين، تراجعت القيم الثقافية الطبيعية ومنها، اشكال التعبير
بالغناء الراقي عن مشاعر الحب، فمن اغنية "ام الفستان الاحمر" الى
"حياك يا ابو حلا"، ومن رهافة " يا حلو يا صغير يا مدلل" الى
"عراق التأميم"، وهي بهذا تجسد جناية الانقلابات العسكرية والافكار
"الثورية" الشكل والهمجية الفحوى، لا على الدولة وحسب، بل على الطبقة
المتوسطة حارسة قيم الحداثة في المجتمع ومحركها الوحيد، فتجعلها اسيرة السياسة
الحكومية والحزبية الضيقة وعبدا ذليلا لثقافتها.
يقول الملحن والمطرب عباس جميل(1)
"قمت بتلحين اول اغنية لمائدة نزهت، قبل ان تغني للإذاعة، وهي "جاني من
حسن مكتوب" ضمن فيلم "دكتور حسن"، بعدها غنت من الحاني "يا
كاتم الاسرار"، واغنية "البصرة" التي كتبت كلماتها من اتخذ اسما
مستعارا هو "فتاة دجلة"، واغنية "يللي تريدون الهوى" التي
كتبها اسماعيل الخطيب، واغنية "يا اسمر" التي كتب كلماتها الشاعر عبد
المجيد الملا، واغنية "فد يوم" كلمات طالب القيسي، واغنية "قالوا
حلو" التي كتبها ابراهيم احمد، واغنية "اسال قلب اللي يهواك" لناصر
التميمي.
هذا المسار "العاطفي"
القائم على مزاوجة بين إلحان بسيطة ووجدان طافح بالاشواق والآمال، انتقل الى مرحلة
تركيبية تمثلت باقتران نزهت مع الملحن وديع خوندة، فثمة من يرى ان "الالحان
التي اعطاها الفنان خوندة لنزهت قبل زواجه وبعده، شكلت انعطافا جديدا في مسار
الاغنية الحديثة في بنائها اللحني من حيث تنوع "الكوبليهات" مع المذهب، وكانت
مائدة نزهت سيدة الموقف في حصيلة النتائج التي استطاعت ان تعبر عن مشاعر الملحن
والكاتب معا"، ومن هذه الاغاني مثلا اغنية "يم الفستان الاحمر"
التي كتب كلماتها الشاعر عبد المجيد الملا، واغنية "احبك لا" التي كتبها
اسماعيل الخطيب، واغنية "تجونة لو نجيكم" من كلمات رشيد حميد، واغنية
"تاليها وياك" التي كتبتها امل سامي، واغنية "نسمات رومبا"
و"سامبا بغداد" التي كتبها حسن نعمة العبيدي، واغنية "وينك"
التي كتبها وديع خوندة نفسه".
وثمة مرحلة اخرى من التجديد الادائي،
عرفتها مائدة نزهت، من خلال ألحان صاغتها اسماء شكلت علامات فارقة في
"الاغنية البغدادية" بخاصة والعراقية بعامة، مثل اغنية: "يا حلو يا صغير يا
مدلل" التي كتب كلماتها خزعل مهدي، "ياهوانا" التي كتبها غازي
جميل، "يمسيرين البلم" التي كتبها حسن ترجمان، " محتارين"
لداود الغنام، و"محبوبنا الغايب" لجبوري النجار، واغنية "لا تبجين
يا عين" لعبد الستار القباني التي لحنها جميعا ناظم نعيم، واغاني اخرى مثل اغنية "يكولولي توب واني
شلون اتوب" لمحمد حسن الكرخي، و"يا بوية اشتريني" لحميد النجار
و"انتظار" لعباس العزاوي التي لحنها جميعا رضا علي، وهناك ايضا اغنية
"خلهم يكولون" و"يا حليوة عجايب" من كلمات هلال عاصم والحان
علاء كامل.
*الجزء الاول من دراسة مطولة.
(1) من حوار اجراه الصحفي
فؤاد العبودي مع الفنان الراحل ونشر في صحيفة "العراق" واعادت "المدى" نشره في
ملحقها "عراقيون".
http://www.almadasupplements.net/news.php?action=view&id=5009