أيام الموسيقى العراقية: حلم يصطدم بجدران المؤسسة الرسمية

تاريخ النشر       13/03/2015 06:00 AM


بغداد- علي عبد الأمير*
يجمِع موسيقيون عراقيون داخل البلاد وخارجها، على أن حلماً بسيطاً كالذي يمثله تنظيم مهرجان يحمل عنوان «أيام الموسيقى العراقية»، بات أشبه بالمستحيل، على رغم النجاحات البارزة للنغم الرافديني الذي قلّما يخلو منه مهرجان عربي أو أوروبي، فيما تؤكد الجهة الرسمية، الممثلة بـ «دائرة الفنون الموسيقية» أنها مستعدة لاحتضان تظاهرة كهذه، حتى وإن كان نسيجها فنياً محضاً لا يقارب نهج الحكومة ولا يجامله، حتى وإن كان ذلك لـ «ضرورات المواجهة الوطنية»، في إشارة إلى النشاطات التي باتت أشبه بالأناشيد الحماسية الفجة، و»لازمة» لكل احتفال ثقافي حتى وإن كان بعيداً عن التعبئة الإعلامية.
 

ويُبدي موسيقيون يتوزعون في عواصم عربية وغربية، تحدثت إليهم «الحياة»، استعداداً لإحياء مثل هذه الأيام، منوهين إلى أن فنونهم النغمية التي تجد أصداء طيبة في غير محل خارج البلاد، لا تقابل حتى بأقل منها في مؤسسات الثقافة الرسمية، وهو ما يشاركهم إياه زملاؤهم الموسيقيون داخل البلاد. فلا دعم منهجياً وواضحاً للنتاج الفني الرفيع، لجهة دعم الإصدارات الجديدة وتنظيم الحفلات في أمكنة تحتفي بالثقافة، والاستعاضة عن ذلك، بـ «فورات» لا يجمعها سياق دقيق، على شاكلة الاحتفالات المصاحبة لـ «بغداد: عاصمة الثقافة العربية 2013» التي أُنفقت أموال طائلة فيها على استضافة وفود عربية من وجوه فنية لا علاقة لها بالنغم الرفيع، ولا بالثقافة الرصينة، كالذي يعنيه توجيه الدعوات لراقصات وممثلات مصريات، فضلاً عن منحهن أموالاً ليست قليلة مقابل زيارتهن «عاصمة الثقافة» التي سعى القائمون على احتفالاتها إلى إعطاء صورة عن بغداد كونها «مقصد المثقفين والفنانين العرب».

خارج العراق، تحقق أعمال المؤلف وعازف العود أحمد مختار المقيم في لندن نجاحاً طيباً، أبرزها عمله الأخير «جاز بغدادي» الذي زاوج بين نغم الجاز والمقــــامات البغدادية، في توافق يريح الأنفـــــس والأسماع. ومثلها أعمال المؤلف وعازف القانون المقيم في بلجيكا أسامة كمال الدين الذي أحيا حفلة مع الفرقة السمفونية الوطنية البلجيكية في صالة «بـــوزار» في بروكسيل. يزيد على هذا النشاط، زميله المؤلف وعازف القانون المقيم في الشارقة فرات قدوري، الذي أسس معهداً موسيقياً ويدير بنجاح مؤسسته التي صــــار لها مهرجانها السنوي في الإمارة المهــــتمة بالثقافة والفنون الرفيعة. بينما تشـــهـــد الأنغام العراقية، للعازف والتربوي المـــوسيقي علاء مجيد المقيم في السويد، نشـاطاً مكثفاً، وقد نجح في تأسيس فرقة غــنائـــية أقنع منشدات سويديات بالانضمام إليها، ولعاً بموسيقى بلاده الأمّ.

وحكـــاية نجاح الموسيقيين الأربعة تكــــاد تتكرر مع أسماء عدة تتوزع المنافي العـــراقية، كالعازف والتربوي إحسان الامام، والعازف عمر بشير، ومنشدة المقام فريدة محمد علي، والعازف ومؤدي المقام أنور أبو دراغ، والعازف والمؤلف سالم عبدالكريم، فضلاً عن «آخر حراس مدرسة العود العراقية»، العازف المخضرم علي الامام، مثلما تتكرر لزملائهم داخل البلاد، الذين لا يلاقون أبسط أنواع الرعاية من المؤسسات الحكومية، وحتى لسنوات ما قبل «الأزمة المالية» التي تبدو هذه الأيام «مبرراً» للتنصل من أي التزام حيال دعم الثقافة والآداب. وفي هذا الصدد يقول المؤلف وعازف العود سامي نسيم: «منذ تأسيس «فرقة بغداد للعود» (فرقة منير بشير للعود سابقاً) في 2001، كانت إدارتها ولا تزال منوطة بي شخصياً، وكذلك علاقاتها المحلية والدولية وإعداد منهاج حفلاتها، وغالبيته من مؤلفاتي الخاصة، وشيء من وضع الرواد والتراث العراقي بإعداد ومعالجة مختلفين». ويضيف: «لم تحصل الفرقة على أي رواتب أو مخصصات مالية من وزارة الثقافة أو أي جهة أخرى وﻻ حتى مكان للتمارين، فأستعين بأصدقائي من أصحاب القاعات الفنية كـ «حوار»، و»مدارات» و»برج بابل» و» الثقافة للجميع» و»منتدى المسرح» وبيتي الخاص». ويستدرك: «قدمت وزارة الثقافة العراقية دعمها في فترات معينة وحسب الحال والمقدرة».

ليست هذه حال نسيم وحده، بل هي ما يعيشه عازف العود والمؤلف مصطفى زاير الذي احتفت به الأوساط الصحافية والإعلامية اللبنانية أخيراً، بعدما أثبت امتلاكه مواهب فنية عميقة عبر العديد من الأعمال، لكنه يجهد في بغداد من أجل تقديم فنه الموسيقي حتى كان يلقى رواجاً كبيراً، كعمله عن «مجزرة سبايكر» التي راح ضحيتها نحو 1700 من الجنود العراقيين الذين اغتالتهم بعد أَسرهم نيران «داعش» وانتقامها الرهيب.

ويبدي مدير «دائرة الفنون الموسيقية» حسن الشكرجي، الذي عانى من أزمات مع عدد من موسيقيي بلاده الذين اتهموه ببناء جدران تمنعه من الاتصال بهم، وتقديم أشكال العون والدعم لهم، استعداده التام لدعم تظاهرة حقيقية كالتي تعنيها «أيام الموسيقى العراقية»، ومتعهداً في تصريح إلى «الحياة» بمؤازرة فرصة كالتي يعنيها وجود حدث كبير للنغم الرفيع، يشارك فيه مؤلفون وعازفون موسيقيون، من داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن «ضمان البعد الفني ولا شيء غيره في عروضهم، ودون أي إطار سياسي أو وصاية حكومية».
 
*نشرت في "الحياة"


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM