في ملجأ عميق تحت الارض، غرف مضاءة - منذ فترة لم أر مصابيح مضاءة- منظمة، كمكاتب وأخرى للنوم والجلوس والطعام، وفيها تجمع الضباط والفنيون وآمرو الاقسام والوحدات الفرعية. كرهت إحساسهم المفاجئ بالامان، خرجت نحو مكاننا القديم بحجة التأكد من الخزين ونسبة النضح في الوقود.
خارج الملجأ، عجلات الضباط تجثو متباعدة وتتطلع بسكون نحو ظلام الأفق الصحراوي، الجنود عند باب الملجأ تجمعوا بصوت وهم يستمعون للاخبار من الراديو، تفرقوا وأنا اسرع لسيارتي حين بدأت غارة جديدة.
إنطلقت بالسيارة مسرعاً، غير انها سرعان ما ارتفعت عن الارض ونزلت بقوة فضرب رأسي سقفها القماشي، وارتطمت السيارة بمرتقى ترابي، المكان في كرة من لهب برتقالي، رميت بنفسي على الارض، فيما توجه بصري على مركب اللهب، يا الهي انه الملجأ.
تحول الملجأ الى مقبرة جماعية.
صوت طائرة، ثم اخرى ثم اخرى، ثم صوت رعد فبرق يضي أفق المحرقة، لم يخرج أحد واستغرقت منا عملية الانقاذ الليل كله. في النهار اتضحت معالم الجثث.
حامت حولنا القاصفة الستراتيجية "بي 52 " ولكنها اختارت محور صفوان –البصرة لتلقي بمقذوفاتها البالغة 39 طناً! وفي فترة تطول لاكثر من ربع ساعة تزلزل فيها الأرض وتنتزع فيها الافئدة من الاجساد. في حمم كهذه هناك من يطالب الجسد البشري الهش بان يبقي في خط المواجهة.
أحد ضباط القاعدة حضر لتقديم التعازي اليّ، وقال: خذ من بقي معك وعودوا الى مكانكم القديم.
*من "الخروج من قبة النار" يوميات "عاصفة الصحراء".