علي عبد الأمير*
في مشهد يكثف الأزمة التي يعيشها المثقف العراقي جلس "الرئيس" مسترخياً في إستعراضِ غطرسة آخر في صدر قاعة قبو من أقبيته التي تنشطر عدداً وضخامة بحجم الآثام، ليتحدث الى مجموعة من كتًاب القصة والرواية داخل العراق، (منظّراً) عن "بواعث كتابة القصة وفرقها عن كتابة الرواية". وافتتاح كهذا يوفر مزيجاً من خديعة الكلام ومن حقيقة المشهد الإرهابي فيصبح الحديث عن (الرواية الطويلة) مدخلاً مناسباً للحديث عن "النفس الطويل لأم المعارك" أي ان الرواية العراقية الطويلة لابد لها أن تخوض أجواء "ألم المعارك" وبالتالي: عليكم كتابة روايات طويلة عن "أم المعارك".
محمد خضير
ومن خديعة كهذه، الى أخرى، تتعلق بالسياسي والثقافي، فـ "الرئيس" يتحدث عن بقاء الثقافي والأدبي وسقوط الشعار السياسي، وهذا بحسب أية مراجعة (باردة) يبدو منطقياً، غير أن هذا المدخل كان بمثابة رعب جديد لكتّاب القصة والرواية الذين اُقتُلعوا من بيوتهم وآلامهم ومن رصيف (شارع المتنبي) حيث احترفوا بيع الكتب، لأنه ربط (المنطقي) بخدمة خطبه السياسية التي يعترف أنها لا تصل الى الجمهور العريض في الوطن العربي، ويرى أن خير وسيلة لتوصيلها هي النصوص الأدبية في الرواية والقصة، كونها أبقى وأكثر ديمومة مما هي خطب في إطار المناسبة السياسية، تذكّر أدباء العراق ومثقفوه، رهافة القاص المبدع محمد خضير إزاء مشهد كهذا، حيث قُذف من عزلته (البصراوية) ومن فكرة "المواطن الأبدي" ومن المصائر المجبولة على تحويل الألم رمزاً لحكايات الدهشة والنبض الحقيقي للتراب العراقي، الى قسوة سماع "الرئيس" يتحدث عن "خيال الكاتب وضرورته في بناء القصة"!. هنا بدت "الكتابة في درجة 45 مئوي" برغم (الجو اللاهب) الذي تحيل اليه أكثر رهافة على النفس و رقة من حديث يجعل العقل وإن بدا ثابتاً وحاضراً، يهتز بمقدار 9 درجات على "مقياس ريختر". رهافة محمد خضير وغيره من كتّاب عراقيين اُحضروا لسماع محاضرة "الرئيس" في (فنون الكتابة القصصية والروائية) غطتها رايات سود جعلت من الكائن (البصراوي) الوديع نهب كوابيس "مملكة سوداء" حقيقية هذه المرة.
* الكلمة الاخيرة لعدد مجلة "المسلة" شتاء 2001
|