علي عبد الأمير* حين اكتظت القاعة الكبرى في "قصر المؤتمرات" بعدد كبير من أعضاء القيادة الحاكمة في العراق فاق عدد الشعراء والصحافيين والكتّاب العرب المدعوين الى "المربد" (22- 28 كانون اول الماضي)، بدا الشعراء وكأنهم في مشهد "ضيافة" نادر، فثمة قائد "ضرغام" لكل واحد منهم أو أكثر، الشاعر الفلسطيني المتوكل طه وقد صار من حصة "قائد" تحول من الإنطباعية الى البُنيوية إيماناً منه بالحداثة وهو مزبان خضر هادي، والشاعر السوداني سابقاً والليبي لاحقاً محمد الفيتوري وقد صار أسير ضيافة لطيف نصيف جاسم (إعتماداً على صداقة قديمة، تفرضها تسمية "وزير الشعر" التي نالها جاسم حين كان وزير الثقافة والإعلام في الثمانينات).   شعار مهرجان "المربد الشعري"     وبسبب مقاطعة أغلب الشعراء العرب لـ "المربد" كان عدد الحاضرين من قيادات السلطة الحاكمة في افتتاح المهرجان أكثر من الشعراء العرب الحاضرين، حتى ان هؤلاء صاروا أسرى "القادة" في أغرب حفل استقبال: وجوه يقطر الموت من ملامحها، عقول استعارت من الجحيم مدارها، بزات عسكرية لقادة ما زالت معالم هزيمة البلاد على أيديهم ماثلة، كل هؤلاء يتحدثون عن إشكالات الشعر العربي المعاصر، وعن قدرة الشاعر العربي في الخروج من مدار الأزمة الى فضاء التعبير الحر، وهل بإمكان قصيدة النثر ان تبزّ اشكال الشعر العربي العتيدة، وكل هذا الحديث والشعراء العرب يتعثرون بالمفاجأة تلو الاخرى، فمن تفتيشهم قبل الدخول الى حفل الإستقبال، الى مفاجأة الإستماع الى مزبان خضر هادي وهو يتحدث عن الشعر العربي المعاصر واشكالات التلقي، مروراً بشتائم طارق عزيز لكل الشعراء العرب الذين لم يحضروا، تلك الشتائم الممزوجة بوصفه للحكام العرب من على منبر الشعر بأنهم "خونة". في "مربد" 2000 اُقتيد الشعراء العرب قسراً في "قطيع" استعرض عسكرياً أمام صدام في "ساحة الإحتفالات الكبرى"، وفي "المربد" الأخير وجد الشعراء العرب المولعون بـ "القائد الفذ" أنفسهم في حفل إستقبال أغرب من الخيال، إستبدل فيه رموز السلطة الحاكمة في العراق الحديث عن خبرتهم في قمع الشعب بالحديث عن الأنماط الشعرية المعاصرة والإنشغال العميق في الإجابة عن السؤال المعرفي الذي صار عنواناً للحلقة النقدية المقامة على هامش المهرجان: الشعر الى أين!؟   *كلمة الختام في عدد مجلة "المسلة" 2000