رعد كريم عزيز*
لم اتصور يوما اني ساقابل عطاء قاسم عجام بدمعة، فليس بيننا غير الابتسامة، ابتسامتة الخجلى وتعليقه على بقايا ضحكة اثارتها نكتة عابرة بتعبيره الاثير(قوية) كناية عن اعجابه، وكيف يمكن لطلقات رخيصة ان تغلب تنوعه الثر في النقد والعلم وهو من قضى حياته متابعا رغم كل الظروف التي مرت بحياته. تصوروا ذهب مرة الى حقله الزراعي مشيا ولم يجعل اي من الفلاحين ينقله بسيارته حتى لا يحمله دينا قد لايستطيع سداده.
رعد كريم عزيز( وسط) ينظر نحو الراحل قاسم عجام في امسية باتحاد بابل
تمتد علاقتي به منذ ايام السبعينات من القرن الماضي يوم ظهر ناقد تلفزيوني جديد اسمه قاسم عبد الامير عجام وحل ضيفا على برنامج "السينما والناس" الذي كانت تعده اعتقال الطائي وعرفته ناقدا للقصة والاغاني وله ملاحظات خاصة عن جهل القاصين بالمعلومة الزراعية ووصف الطبيعة باعتبار انها تدخل في تخصصه العلمي .ثمة سحر يحيط بقاسم وكأنها هالة خاصة به وانا قلتها عنه في حياته ولست اقولها بعد رحيله هو دمث الخلق حقا ان ابتعد عنك اشتقت اليه وان التقيته تريد المزيد من حلو حديثه ورقة مشاعره. كان اذا جلسنا في مقهى ( ابو سراج ) الصيفي وقد عاد من مصر قبل فترة قصيرة تحدث لنا عن لقائه بنجيب محفوظ ومقهى ريش ومجموعة من ادباء مصر ومثقفيها فكان كمن يعرض شاشة عريضة لمشاهد بعيدة ولكنه يقربها مثل "قصخون" حديث. وتقاطعت السبل وعادت علاقتنا ايام التسعينات حيث عمل في مختبر لمعمل "البيبسي" في الحلة مع رجل يقدر الادب و الفكر هو صاحب المعمل، ضياء عفتان، وكنت ازوره في المختبر فيقابلني بتلك الروح الشفافة القديمة. مكتبه انيق، محبوب من العاملين فهو اشعاع للصداقة المتينة ومرتكن للثقة. مرة التقيته في سوق الحله الكبير ودعوته لامسية في اتحاد ادباء بابل قال حسنا لتكن عن بلوغي الخمسين، وكان له ما اراد وطلبت منه ان يزودنا بصورة وهو طالب في كلية الزراعة ومراحل أخرى من حياته لتكون الامسية مختلفة وكانت الامسية في يوم ماطر ودارت الصور بين أكفنا وصوره وهو يفلح في حقل بكليته وصورة مع زملاء في الدراسة وقدمته كما اخبرني قلبي عنه بكلمة قصيرة وما ان انتهت الامسية فاذا به يمسك بورقتي ويقول:انها لي وعني قضيت جل حياتي اكتب عن الاخرين ولم يكتب عني. واكتشفت بعد مدة انه حفظها عن ظهر قلب تلاها علينا ونحن في غرفة بفندق "المنصور ميليا" سنة 1997 حيث شاركنا غرفتنا انا والشاعر موفق محمد. اما حين قررت ان اغادر البلاد متوجها نحو الاردن فقد كان آخر المودعين لي في مدينة الحلة وحملني رسالة الى اخيه الشاعر علي عبد الامير ايام كانت الرسائل صعبة الوصول ومحفوفة بالمخاطر عام 2001 ولم تنقطع الصلة رغم خوفنا عليه من الرقابة. كل يوم جمعة نلتقي انا والشاعر علي عبد الامير في مقهى "السنترال" وبعدها الى كشك الكتب الذي يقع في الجهة الثانية المقابلة للمقهى ويشتري علي لقاسم اخر المطبوعات المصرية واخر الكتب الحديثة فادسها انا مع بعض المواد التي ارسلها الى مدينتنا الحلة ويكون هو سائلا عن اولادي وعن دراستهم، كنا نتبادل دور الاخوة مابين عمان وبغداد هو وانا وعلي عبد الامير. لو انه عاش لزمن فيه الانترنيت والموبايل بهذا الاتساع ترى ماكان حجم مشاركته نسبة لمثابرته، اكيد سينافس الشباب في حضوره، لو عاش حياة اخرى في حياتنا..نحن الذين نحتاجه صديقا، كاتبا وانيسا. نحن لم نفقده بل فقدنا ......انفسنا.
* مقالة خصها الشاعر رعد كريم عزيز بكتاب "قتل الملاك في بابل" |