علي عبد الأمير *
ما إن اعلن عن اصدار فريق الروك البريطاني الشهير "بينك فلويد"، إسطوانة جديدة في تشرين الأول المقبل، وستكون بعنوان "ذي إندلس ريفر" (النهر اللامتناهي او الأبدي)، وهي الأولى لها في 20 سنة وبعد "ذي ديفيجن بل" الصادرة العم 1994، حتى استعاد كثيرون من محبي أنغام هذا الفريق "الاسطوري" على امتداد العالم، ومنهم في بغداد التي تكاد تعرفهم جيدا منذ نحو 40 عاما، نمطا من الالحان والمعاني التي غيرّت اللحن الغنائي المعاصر، ونقلته من مستوى اللهو والتسلية الى التأثير الثقافي والفكري العميق. إسطوانة "ذي إندلس ريفر"، وبحسب الموقع الرسمي للفريق: http://www.pinkfloyd.com/theendlessriver/aboutتتضمن آخر أداء لعازف الأورغ ومؤسس الفرقة، ريك رايت، الذي توفي عام 2008 ، وستكون على الاغلب، عزفا آليا، يظهر تأثير العازف الراحل على موسيقى الفريق، كما ستضم اغنية واحدة فقط بعنوان " أعلى من الكلمات".
لمسة بغدادية في "الجانب المظلم من القمر" معرفة بغداديين متذوقين للنغم الغربي المعاصر، والروك منه على وجه الخصوص، لفريق "بينك فلويد"، جاءت عبر اسطوانة"The Dark side of the Moon "، ولتحطم الصورة التقليدية السائدة عراقيا عن الموسيقى الغربية المعاصرة، بوصفها ايقاعات يرقص عليها مجموعة من الشباب اللاهي. فقد انتقلت الصورة الى مستوى فكري عميق، فثمة تلك الايام الانغام الاحتجاجية على الحرب الاميركية في فيتنام، وثمة الرفض الواسع للرأسمالية واحتقارها الانسان، ضمن افق من الحرية بدأت مع جيل متفتح على الحياة في سبعينيات القرن الماضي، افق يرى ان الحرية ممكنة في حدود ما عبر الانظمة الديمقراطية الغربية، وهو ما لم يكن متوافرا على نحو مقابل في انظمة تتدعي الحرية لكنها تناهضها بقوة، وهو ما كان يتعمق في دول المعسكر الاشتراكي، وبخاصة قمعها للادباء والفنانين الرافضين انماط القطيع الثقافي وسيطرة الدولة على العقول والمشاعر. ظلت اسطوانة فريق الروك "بنك فلويد" التي صدرت في اذار العام 1973 وحملت عنوان " الجانب المظلم من القمر"، وشاعت في الاوساط البغدادية، بعد نحو عام تقريبا، الاشهر في اسطوانات هذا اللون من الموسيقى، فهي ظلت على لوائح الاسطوانات الاكثر مبيعا طوال 741 اسبوعا، اي انها فعليا عبرت ليس مجرد سنوات بل عقود ايضا، وهي تنافس على الصدارة وتشغل اهتمام متذوقين يتجددون. الاسطوانة تقدم الحانا واغنيات ليس صعبا القول عنها، انها تقدم الحب والعاطفة الرقيقة ضمن اجواء من الوعي الاجتماعي المتقدم، وهو ما كان تلمسه عراقيون على نحو واسع في عروض لفرق غنائية محلية كانت تقدم اللحن الغربي المعاصر، راحوا ينقلون بدأب ومحبة وشغف نادر، الحان "بنك فلويد" التي تواصلت لاحقا مع اسطوانة Wish You Were here (1975)
ثم اسطوانة " Animals" (1977) عبر مساءات تبدأ من مسرح معرض بغداد الدولي ولا تنتهي بحدائق النوادي الاجتماعية الانيقة. تجربة فريق الروك الشهير "بنك فلويد" تضمنت اغنيات تعبيرية عميقة، صوّرت غربة الانسان في المجتمعات الغربية المعاصرة، وما تزال اغنيات الفيلم الرؤيوي "الجدار –1980" الذي اخرجه آلان باركر اعتماداً على موسيقى الفريق وافكاره، ضمن اسطوانة حملت العنوان ذاته " The Wall" ماتزال تقدم لنا نشيداً شاملاً عن التركيبة المعقدة لجيل ما بعد الحرب "ممثلاً بطفل يفقد والده في الحرب". جيل وجد نفسه وسط فوضى اجتماعية تجعله يتأرجح بين يقين انساني وثوابت اجتماعية تأخذ منه كل شيء حتى الذكريات فتجعله يقترب من حدود الجنون، ومع تلك العوالم كم تبدو "السماوات الزرق" مستحيلة في الحروب، وكم بدت الاغنيات دقيقة في رؤاها، اذ توقعت للجدران ان تتهدم. واذا كانت اسطوانة " الجدار" وجدت صداها بين محبي النغم الغربي الرفيع، فان الفيلم الذي حمل العنوان ذاته، تسلل لاحقا الى بيوتات بغدادية كثيرة عبر نسخه على اشرطة الفيديو " في أتش أس". كاتب هذه السطور ومن خلال عمله ناقدا موسيقيا متخصصا بالنغم المعاصر، ومنه الغربي، كتب في العام 1983 مقالة في مجلة "فنون" البغدادية، عن اسطوانة اخرى مؤثرة في ادانة الحرب والاغتراب الانساني، اصدرها "بينك فلويد"، وحملت عنوان The Final Cut "الجرح النهائي- أحلام ما بعد الحرب"، وجاءت متطابقة مع اجواء الرعب التي كان يعيشها معظم العراقيين في حربهم التي ستطول لعقود ولم تنته حتى اليوم! كانت تلك الاسطوانة هي الاخيرة للفريق بوجود كاتب ومؤدي معظم اغنياته، روجر ووترز، الذي انفصل عن فريقه مفضلا الغناء واداء الحفلات الكبرى بمفرده، وليستمر الفريق بقيادة المغني وعازف الغيتار دافيد غليمور، ولينتج اسطوانة( A Momentary Lapse of Reason (1987 وأخيرا The Division Bell (1994).
مصري شاب يصمم غلاف الاسطوانة الجديدة اللافت في اخبار الاسطوانة الجديدة، هو ان غلافها (صورة لرجل متجه نحو وهج الشمس ويجدّف فوق سطح نهر لا ينتهي من الغيوم)، جاء من تصميم المصري أحمد عماد الدين البالغ من العمر 18 سنة، وفقاً لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، التي اشارت الى ان عماد الدين هو فنان و مصممّ "غير معروف" ولد في مدينة جدة في الممكلة العربية السعودية، وبدأ التصميم وهو في سن مبكرة اذ كان لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره وهو يقيم حالياً في القاهرة. وأكد عماد الدين للصحيفة أن "إحدى الوكالات الّتي تعمل لحساب الفرقة إتصلت بي بعدما اطلعت على أعمالي عبر الإنترنت". من جهته يرى مصمم إسطوانات الفريق: "عندما رأينا تصاميم عماد الدين شعرنا أنها تعبّر عن روح الفرقة ومحتوى الألبوم الجديد".
غلاف الاسطوانة، "مستوحى من الطبيعة والوجود والماورائيات"، وهو تعبير ضمني عن جوهر اعمال "بينك فلويد" ومسارها النغمي والفكري ايضا.
|