مهرجان الموسيقى العربية التاسع عشر :إستذكار حميم لـ"العندليب الأسمر"

تاريخ النشر       21/09/2014 06:00 AM


القاهرة- علي عبد الأمير*
اختار مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ان يفتتح اعمال دورته التاسع عشرة بدار الاوبرا بالقاهرة مساء الاثنين الاول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 استذكارا حميما لشخصية شكلت علامة في الموسيقى العربية المعاصرة، فالراحل عبد الحليم حافظ كان حاضرا في امسية الافتتاح ضمن عرض استعاد وفق اشكال المسرح الغنائي والتعبيري الراقص ابرز محطات "العندليب الاسمر" في الموسيقى والحياة الاجتماعية والسياسية لنحو ربع قرن من تاريخ بلاده والوطن العربي فضلا عن  مآسيه الشخصية .
وكانت مقرر وامين المهرجان د رتيبة الحفني افتتحت الحدث السنوي الابرز في الحياة الموسيقية العربية المتواصل الانعقاد في القاهرة منذ 19 عاما لافتتة "منذ اليوم الاول لميلاد هذا المهرجان والمؤتمر وانا اعتبره اعز الابناء، لم ابخل عليه بحب او فكر او جهد ... واضعف امامه" .

رتيبة الحفني: المهرجان مركز مشع  في مهمة الحفاظ على اصالة الموسيقى العربية
وربطت الحفني بين رسالتها الفنية والجمالية ورسالة والدها الموسيقي العربي الراحل محمود الحفني" انا ابنة لرجل جاهد وناضل لاقامة اول مؤتمر للموسيقى العربية عام 1932، اي منذ 78 عاما. لم تضعف عزيمته او يفتر حماسه او يقل جهده فى الحرص على اقامة مؤتمر بعد الاخر. ثم سعى لتكوين المجمع العربى للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية .. وعين رئيسا شرفيا له الى ان توفى الى رحمة الله عام 1973 .
فوجدت نفسى مدفوعة بحبى لوالدى ومعلمى اولا، ولحبى للموسيقى العربية، سرت على نهجه كى احافظ على هذا الانجاز الموسيقى العربى العظيم" .
واعتبرت الحفني مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية مركزا مشعا في مهمة الحفاظ على اصالة الموسيقى العربية قائلة " اصبح المهرجان حائط الصد الوحيد ضد محاولات النيل من موسيقانا التى تمثل عنصرا بارزا من عناصر الهوية العربية والمدافع الرئيسي ان لم يكن الوحيد ضد دعاة التغريب والتقليد والجرى وراء العالمية المفتعلة".
وعلى جاري تقليد المهرجان في دوراته، فقد كرّم في عامه التاسع عشرة عددا من الذين خدموا الموسيقى العربية، فخص بلمسته هذا العام من مصر: الموسيقي سامي الحفناوي، الناقد الفني والملحن محمد قابيل، الموسيقي عماد عاشور، المطرب احمد ابراهيم، الموسيقي رضا بدير، الشاعر الغنائي فاروق شوشة، والمطربة انغام التي تأخرت لعودتها من سفرة عمل عن استلام شهادة المهرجان وجائزته لكنها حرصت على الحضور آخر الامسية وخصت ادارة المهرجان وجمهوره بكلمة عرفان ووفاء. وفي ربطه بين الموسيقى وفنون عربية اصيلة اخرى كرّم المهرجان فنان الخط العربي الباهي احمد، فيما خص من الوطن العربي، الباحث والاكاديمي اللبناني د يوسف طنوس لتكريمه عن جهد معرفي غزير صب في خدمة الموسيقى العربية وتاريخها.


من حفل الافتتاح: عبد الحليم حافظ نجما مشعا (كاميرا علي عبد الأمير)
 
وفي حدث الإفتتاح الحميم، كانت سيرة صاحب أغنية"صافيني مرة" حاضرة في عرض وضعت سيناريوه ومادته العلمية د رتيبة الحفني واخرجته جيهان مرسي، ضمن اسلوب جمع السرد التاريخي عبر شخصية الراوية التي جسدها الفنان سامي عبد الحليم، والمشاركة الحية لاحد ابرز الشخصيات الاعلامية والثقافية المصرية التي ارشفت ووثقت ودرست الموسيقى العربية الاذاعي وجدي الحكيم، والمشاركة المسجلة والمعروضة على شاشة في عمق المسرح، للاعلامي مفيد فوزي، فضلا عن مشاهد من حياة عبد الحليم وفنه مجسدة بالسينما او بالفوتوغراف، الى جانب تقديم مختارات من اغنياته التي شكل بعضها الارشيف العاطفي لاجيال عربية كثيرة، باداء جميل من اصوات مصرية جديدة من مغنين ومغنيات غالبا ما يحتفي بها مهرجان الموسيقى العربية، وهو ما كان ميزة بارزة له، لجهة تحوله الى ورشة انتاج تبقي للاصالة في النغم العربي فسحة ممكنة.
الجديد في استذكار مهرجان الموسيقى العربية للراحل عبد الحليم حافظ هو السياق المتناغم بين المعلومات والاشارات النقدية والعرض الفني والغنائي،  فثمة اشارة الى ان نص اول خطوة في الغناء لصاحب "رسالة من تحت الماء" وضعه الشاعر صلاح عبد الصبور، فكانت اغنية "لقاء" لمسة جمعت بين كمال الطويل وحافظ وعبد الصبور، وادت لحنها المشع بالجمال والرشاقة الاوركسترا التي قادها باقتدار المايسترو صلاح غباشي.
ومثلما كانت "صافيني مرة" اغنية بارزة ليس في سيرة مغنيها الراحل وملحنها محمد الموجي بل في سيرة الحداثة الموسيقية العربية، كانت "لحن الوفاء" التي وضع لحنها الراحل العملاق رياض السنباطي واداها بروحية طيبة ثنائي شاب حاكى ما قدمه الثنائي الاصلي: شادية وعبد الحليم حافظ، الذي وجدناه رقيقا في رائعة منير مراد "حاجة غريبة".
وكرت سبحة الاغنيات الجميلة باداء مرهف وشخصي تارة ومطابق للاصل تارة اخرى، فثمة " أهواك" و"لست ادري" بلحنها التعبيري ثم الحان "عبقري النغم" بليغ حمدي بدءا من "تخونوه" وصولا الى "جانا الهوى" التي قدمت في العرض الاستذكاري بمرافقة مجموعة تعبيرية شابة من الراقصين والراقصات، استعادت اجواء لبنانية موروثة في اشارة الى اجواء الاغنية التي صورت في لبنان ضمن احداث فيلم "ابي فوق الشجرة" الذي قدمت فيه اول مرة وجمعت حافظ والنجمة نادية لطفي.
وفي مشهد مؤثر تحدث الاعلامي وجدي الحكيم عن حكاية اليومين الاخيرين في حياة صاحب " انا لك على طول" وعرض لصورة حافظ متحدثا عبر الهاتف ليخبر المستمعين انه سيعود بعد يومين الى مصر، لكنه يعود في الثلاثين من اذار (مارس) 1977 نعشا تحيطه الملايين بمحبة لا تتكرر.
ولان عبد الحليم حافظ ارتبط بتحولات مصر والمنطقة العربية اجتماعيا وفكريا لذا جاء الختام منسجما مع هذه الفكرة، لتكون "احلف بسماها وبترابها" اشارة الى فترة من التعبير الراقي موسيقيا وغنائيا ميزت حافظ وجيله وارتباطها بالمضمون الاجتماعي للموسيقى العربية المعاصرة.
* تقرير لصحيفة "الغد" الاردنية تشرين الثاني 2010


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM