قراءات في العلاقة بين التكنولوجيات الحديثة وهوية الموسيقى العربية

تاريخ النشر       21/09/2014 06:00 AM


عمّان- علي عبد الأمير*
تضمنت الندوة العلمية الدولية حول موضوع "الصناعة الموسيقية والتكنولوجيات الحديثة" التي تواصلت على امتداد يومين في إطار انشطة الدورة الأولى لأيام قرطاج الموسيقية  (الاسبوع الاخير من 2010) بحضور مجموعة من المثقفين والمهتمين بالمجال الموسيقي و الإعلاميين، تضمنت ورقة تمهيد للنقاش في هذه القضية الجوهرية وجاءت على النحو التالي:
لما ظهرت تقنية التسجيل في نهاية القرن التاسع عشر، كانت الموسيقى من أكثر مجالات النشاط الانساني تأثرا بهذه التقنية خصوصا بعد انتشار آلة الحاكي، فأصبح استهلاك المادة الموسيقية متاحا لعدد كبير من المستمعين بعد أن كان مقصورا على عدد قليل منهم ومشروطا بالحضور الشخصي في أماكن العروض، وتوالت بعد ذلك الاختراعات والتطورات التقنية التي ساهمت في مزيد انتشار الموسيقى على أوسع نطاق ممكن مثل السينما والاذاعة والشريط الممغنط وصولا الى شريط «الكاسيت» الذي ساهم بشكل كبير في «دمقرطة» الموسيقى.

ملصق مهرجان ايام قرطاج الموسيقية الاول

وابتداء من أواسط الثمانينات من القرن العشرين، عرفت البشرية نقلة نوعية بفضل الانتشار السريع للتقنيات الرقمية واستعمالاتها في مختلف نواحي النشاط الانساني، فكان أن واكبت الموسيقى هذه التطورات فانتشرت الآلات الكهربائية والالكترونية على أوسع نطاق في مختلف أرجاء المعمورة، وتحسنت تقنيات التسجيل بشكل كبير، غير أن الطفرة الحقيقية وقعت عندما دخلت الموسيقى الى العوالم الرقمية، فأصبحت الحواسيب والبرمجيات وآلات التسجيل والدمج الرقمية والمؤثرات والمضخمات الصوتية من المكونات الأساسية للانتاج الموسيقي، فتغيرت بذلك ملامح هذا الانتاج من الناحيتين الفنية والجمالية.
ومن جهة أخرى، فإن ظهور تقنيات جديدة لضغط الملفات الموسيقية وتداولها وتبادلها عن طريق شبكة الانترنيت أثر بشكل كبير على المسالك التقليدية لترويج الانتاج الموسيقي وتوزيعه، فطفت على السطح اشكالات جديدة على المستوى الاقتصادي وكذلك القانوني في ما يتصل بحماية حقوق الملكية والادبية والفنية.
فهل ساهمت التكنولوجيات الحديثة باستعمالاتها المتعددة في مختلف مناحي الحياة في المساعدة على استحداث أنماط موسيقية جديدة؟ وهل أدت هذه الاستعمالات الى تغيير ملامح الموسيقى العربية الحديثة؟ واذا وجد تغيير ما، فإلى أي حد يمكن الحديث عن الخطورة التي قد يمثلها الاستخدام المجحف للتكنولوجيا على الهوية الموسيقية العربية بما فيها من فرادة وخصوصية؟ ومن جهة أخرى، هل واكب التعليم الموسيقي العربي المختص هذه المستحدثات الجديدة؟ وهل واكبت التشريعات والقوانين المتصلة بحماية الملكية الفكرية والأدبية والفنية التغيرات السريعة التي تشهدها مسالك الانتاج والترويج الموسيقيين؟ واذا وجدت التشريعات والنصوص القانونية، فماذا عن الآليات الكفيلة بتطبيقها في ظل التطور المذهل الذي يشهده التبادل الافتراضي عبر شبكة الانترنيت؟

ندوة «الصناعة الموسيقية والتكنولوجيات الحديثة» جاءت ضمن محورين:
المحور الأول إهتم بمسائل عامة، تعنى بالتقنيات الحديثة والانماط الموسيقية المستحدثة وتعنى كذلك بالصوت والصورة، بالاضافة الى الاشكالات القانونية المتصلة بحماية الملكية الفكرية والادبية والفنية.
وأما المحور الثاني، فقد جاء بعنوان «التكنولوجيا الحديثة في الانتاج الموسيقي العربي المعاصر»، وفي هذا المحور درست عدة اشكاليات ومواضيع وقع تحديدها أو تلخيصها في ما يلي:
- تأثير التكنولوجيا الحديثة في الانتاج الموسيقي العربي المعاصر
- اشكاليات توظيف التكنولوجيا الحديثة في الابداع الموسيقي العربي: مسألة الهوية، اللغة الموسيقية، المسألة الجمالية،...
- موقع التكنولوجيا الحديثة في التعليم الموسيقي العربي المختص
- الفضائيات الموسيقية العربية ودورها في تشكيل الذائقة الموسيقية.

وتم خلال جلسة ختام الندوة تقديم جملة من المداخلات حيث قدم الأستاذ سمير بشة قراءة في "جدلية العلاقة بين التكنولوجيات الحديثة ومقاصد الهوية في الموسيقى العربية" معتبرا إن "الهوية الموسيقية إنتاج إبداعي له خصوصيات ثابتة،  ولكن عناصر هذه الخصوصيات متحولة، ومن الضروري إن يعمل الموسيقي على تحريكها والبحث فيها والانفتاح على أنماط موسيقية جديدة عبر التكنولوجيات الحديثة مع الحفاظ على الأشكال التقليدية والسعي الى تطويرها".
وفي مداخلة تحت عنوان "التربية الموسيقية والتكنولوجيات الحديثة" أكد الباحث خليل حفحوف على ضرورة استعمال التكنولوجيات الحديثة في الدرس الموسيقي داخل المدارس، وهو "ما من شأنه إدخال جو من البهجة وحث التلميذ على الإقبال على المادة الموسيقية من خلال تدريبه على الاستماع الجيد للأصوات الموسيقية والتعود على تأليف المقطوعات".

وأضاف ان "استعمال الكنولوجيا في التدريس بصفة عامة هو خيار وطني لرفع الأمية الرقمية وضمان الجودة" مشيرا الى ان "إدراج مثل هذه التكنولوجيات يسهل عملية التواصل بين المعلم والمتعلم" ونوه الى تميز مجموعة من المدرسين في إنتاج برمجيات وأقراص تتماشى والدروس المبرمجة.

وفي السياق ذاته كانت جاءت مداخلة التربوي رضا بن منصور الذي تحدث عن التعليم الموسيقي وتحديات التكنولوجيات الحديثة مستعرضا نماذج من البرمجيات الموسيقية التي تساعد على مزيد إقبال الشباب على تعلم القواعد الموسيقية عبر التكنولوجيات الحديثة.

أما الباحث حلمي بن نصير فتطرق الى موضوع توظيف التكنولوجيات الحديثة في التدريس الموسيقي الجامعي، واشار الى ان "ظهور تقنيات جديدة تسمح بوضع الملفات الموسيقية وتداولها على محامل رقمية اثر بشكل ايجابي على آليات التعليم الاكاديمي ومكن الطالب من الاعتماد على منظومة التعلم عن بعد فأصبح باستطاعته استعمال الوسائل التكنولوجية لانجاز تأليفات موسيقية خاصة به".
كما أكد عدد من المحاضرين في الندوة على انه في ظل تنامي استخدام التقنيات الحديثة طفت على السطح إشكالات جديدة على المستوى الاقتصادي وكذلك القانوني، فيما يتصل بحماية حقوق الملكية الفكرية والأدبية والفنية، وهي إشكالات مرشحة للتفاعل في الساحة الفنية حاضرا ومستقبلا .

* تقرير لصالح مجلة "الموسيقى العربية" 2010



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM