نزار جودي: من احتفاء خاص في البيت الابيض الى ملجأ المشردين
جودي عاد الى بغداد ليدير مكتبا للصيرفة واستهدف بانفجار مدبر ثم سرقة لنحو مائة وخمسين الف دولار، مما حدا به الى طلب اللجوء الى الولايات المتحدة، ونقل للاقامة في ولاية فيرجينيا. غير انه، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست(الاحد)، لم يتوقع ان يتحول من مركز اهتمام البيت الابيض في العام 2004 الى رقم منسي من ارقام اللاجئين العراقيين الذين بدأوا بالتدفق على الولايات المتحدة منذ العام 2007، والذين تقول منظمات تأهيل اللاجئين في الولايات المتحدة، بأن أكثر من 30 بالمائة منهم يواجهون الآن مخاطر التشرد.
ويوضح نائب رئيس "هيئة الإنقاذ الدولية" روبرت كيري ، وهي إحدى المنظمات التي تعنى بشؤون اللاجئين في الولايات المتحدة، أن المنظمة تقوم بتدريب أعداد من اللاجئين العراقيين على كيفية تقديم الطلبات للحصول على المساعدات الحكومية المخصصة للمشردين، لافتا الى أن منظمته تقوم بمساعدة أربعة آلاف لاجيء عراقي كل عام، للحصول على وظائف تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم في توفير مستلزمات المعيشة والسكن خلال ستة أشهر، مضيفا أن 75 بالمائة منهم كانون ينجحون في الحصول على عمل، غير أن إحصاءات الأشهر الأخيرة من العام الماضي أشارت إلى أن نسبة اللاجئين الذين يتمكنون من الحصول على وظائف عبر المنظمة انخفضت بنسبة كبيرة.
وأكدت مديرة منظمة "كوردش هيومان رايتس واتش" بيري قراداغي ، أن العديد من اللاجئين العراقيين يواجهون صعوبات معيشية كبيرة حاليا، مشيرة إلى أن أعدادا من الذين عملوا مترجمين مع القوات الأميركية في العراق لا يستطيعون الآن الحصول على فرصة عمل.
وزير صحة عراقي سابق يعمل في سوبر ماركت
وتضيف قراداغي إن حملة الشهادات من اللاجئين يعتبرون أنفسهم محظوظين لحصولهم على وظائف في مجال المستلزمات المنزلية ومطاعم الوجبات السريعة، مشيرة إلى أن وزير الصحة العراقي السابق علي الشمري( في حكومة الجعفري والمالكي مرشحا عن التيار الصدري قبل ان يقرر اللجوء الى اميركا) يعمل الآن في سوبرماركت يدعى ويكمنز.
وتشير الناشطة الانسانية إلى أن بعض اللاجئين العراقيين من الذين عملوا مع الحكومة الأميركية في العراق، يعتقدون أن الولايات المتحدة مدينة لهم، وأنهم يستحقون معاملة من نوع خاص، بيد أن برامج اللجوء في الولايات المتحدة لا تميز بين لاجئ وآخر، على حد قولها.
وحيال هذه الوقائع المرة يقول نزار جودي أن "مجيئه إلى الولايات المتحدة كان غلطة"، إذ ليس لديه الآن إلا أن يتقدم بطلب لإسكان عائلته في ملجأ للمشردين، الأمر الذي يعتبره جودي مذلا.
ليس جودي مثالا فرديا فكثير ممن عملوا مع المؤسسات الأميركية مباشرة ام بطريقة غير مباشرة باتوا على يقين اليوم من انهم تعرضوا الى "خديعة"، فواشنطن استخدمت مشاعر عداءهم للنظام السابق دون ان تقدم لهم شيئا، فأحد الجراحين العراقيين ممن كانوا يعملون في مستشفى حكومي اردني قبل ان يقرر الهجرة الى اميركا ابلغ "الغد" من انه اليوم وبعد خبرة طويلة، وحصيلة انسانية من المعاناة والالم، " يشعر وكأنه عبد" في اشارة الى التعامل المهين الذي تعرض ويتعرض له من قبل المؤسسات الاميركية.
وما يراه المعنيون بشؤون اللاجئين في الولايات المتحدة من أن الحكومة الأميركية ملزمة أخلاقيا بقبول ما يزيد عن مليوني لاجئ عراقي نزحوا من العراق خلال السنوات التي أعقبت الحرب عام 2003، مشيرين إلى أن العديد من هؤلاء تعرضوا للاضطهاد بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة، الا ان قوانين اللجوء وتشديد الاجراءات من قبل ادارة بوش جعلت مثل هذه النظرة الخاصة امرا مستحيلا، مما حدا بكثير من اللاجئين الذين وصلوا الولايات المتحدة الى اتخاذ قرار بالعودة الى العراق، فما تمنحهم السلطات الاميركية لا يكفيهم سوى شهر واحد، فيما تبدو فرص الحصول على عمل في وقت تضرب فيه الازمة الاقتصادية عمق المجتمع الاميركي ضيقة للغاية.
قرار العودة هو ما يفكر به نزار جودي اليوم، فهو يرى ان السلطات الاميركية التي كانت استخدمته اعلاميا وسياسيا "ترمي به اليوم الى سلة المهملات"، بل ان زوجته تقول "على الاقل سنكون في العراق محتفظين بكرامتنا".
* تقرير نشر في صحيفة "الغد" الأردنية، 2009 التي كنت مراسلها في واشنطن تحت اسم "حسين الأمير".