واشنطن- علي عبد الأمير*
تتصاعد في الولايات المتحدة مخاوف من ان تكون قوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التي زادتها نتائج الانتخابات الاخيرة توسعا وثباتا، قد وفرت ارضية لنظام الرجل الواحد وان كان ذلك ديمقراطيا كما الحال في تجربتي بوتين روسيا وشافيز فنزويلا. وأفاد تقرير لصحيفة "يو أس أي توداي" أن قرار رئيس الوزراء نوري المالكي بإنشاء قوة عسكرية خاصة غير تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، يثير الكثير من القلق من أن يكون المالكي بصدد تأسيس نظام ديكتاتوري جديد، لافتا الى أن أياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق وأحد المنتقدين لحكومة المالكي، حذر بلهجة شديدة من خطورة تمرير مشروع القرار الذي تقدمت به الحكومة العراقية، والذي يهدف إلى إنشاء قوات خاصة تكون تحت مسؤولية رئيس الوزراء مباشرة ولا علاقة لها بوزارتي الدفاع والداخلية.
وكان المالكي قد أصدر قرارا سنة 2007 تم بموجبه إنشاء مكتب قوة مكافحة الإرهاب الذي يتألف من أربعة آلاف مقاتل يعدون الأفضل في قوات الجيش العراقي، لكن مقربين من رئيس الوزراء ، يحملون على المخاوف الاميركية، فنتقل الصحيفة عن النائب عباس البياتي إن "واشنطن كانت تتبرم في الماضي من ضعف مؤسسة رئاسة الوزراء، وبعدما نجح المالكي في تقوية مركزه وأخذ بزمام الأمور داخل العراق باتت واشنطن تتخوف من قوته وتشكك في نواياه وتحذر من تحوله إلى ديكتاتور". من جهته، أعرب الكولونيل المتقاعد بيتر منصور الذي كان عمل مع القوات الأميركية في العراق عن مخاوفه من أن يستخدم المالكي هذه القوة لضرب خصومه السياسيين. بينما يشعر خبير مكافحة التمرد ديفيد كلكولين ان الظروف التقليدية لقيام انقلاب عسكري تتشكل في العراق. وتتضمن هذه الظروف بحسب الخبير الاميركي "وجود نخبة سياسية فاسدة منفصلة في المنطقة الخضراء عن حياة الناس، بينما خارج اسوار هذه المنطقة تنمو قدرات الجيش العراقي الذي يقترب اكثر من حياة الناس فهو يعمل معهم ويحاول ان يحل مشاكلهم. وتخشى اصوات اميركية معنية بالقضايا الاستراتيجية مما يوصف بانه خلل كبير في الجيش العراقي يتعلق باحتمال عودته الى اداء "ممارسات قمعية"، ، ويعتقد الكثير من العسكريين الاميركيين ان الجيش العراقي وان تحسنت قدراته كثيراً، فانه "مؤسسة لا تتوفر على ايمان قوي بالحكم المدني الديموقراطي". و يتوقع ضابط اميركي عمل مستشاراً لكبار الضباط العراقيين انه "ما ان تنسحب القوات الاميركية سيعود القادة العسكريون العراقيون الى ممارسات عهد صدام التي اعتادوها". و يقول الميجر مات ويتني "لقد علمّهم صدام كيف يفرضون السيطرة على الناس وقد اسهمنا نحن ايضا في ترسيخ هذا الاتجاه لديهم على مدى السنوات الاربع الاخيرة في اثناء مكافحتنا التمرد"، مضيفا "انهم مستعدون لقتل الناس، الكثير من الناس لتحقيق الاستقرار في العراق". ويقول ضابط آخر هو الميجر جاد كويل الذي عمل مستشاراً لوحدة عسكرية عراقية اشرف على تدريبها الجيش الاميركي "عندما تعرف الضباط العراقيين ويكونون صادقين معك، سيقولون لك ان فكرة الديموقراطية والحكومة المنتخبة في العراق مثيرة للضحك تماماً." وتشير شخصيات عسكرية وامنية اميركية الى ما تعتبره ثلاثة تهديدات محتملة تواجه المهمة الاميركية في العراق، فالتهديد الاول هو من "انقلاب عسكري يقوم به جيش عراقي يزداد قوة وغير فاسد". اما الثاني فيتمثل بـ"ظهور رجل قوي يخرج من رحم النظام الديموقراطي كالمالكي ليقوم بتقويضه كما هو الحال في المثالين الروسي والفنزويلي". اما التهديد الثالث فهو "انهيار النظام الحالي بسبب انسحاب أميركي مبكر يؤدي إلى انهيار الامن". وتجمع تلك الشخصيات على ان منع التهديدين الاول والثاني هو من مسؤولية العراقيين، اما منع التهديد الثالث فأنه يقع على عاتق الولايات المتحدة، انطلاقا مما تراه "مسؤولية" الرئيس اوباما مشددة على ان "واجبه الان كزعيم للبلد الذي كان السبب وراء ولادة التجربة الديموقراطية العراقية الناشئة ان يتأكد من انه لن يفعل شيئاَ يقوض هذه التجربة". ولكن ما تعتبره تلك الشخصيات "مسؤولية أميركية" في عدم انهيار النظام السياسي في العراق جراء الانسحاب الوشيك، يتضمن " مسؤولية عراقية" نتيجة تفاقم الصراع بين اطراف الحكم، وثمة رأي اميركي واسع مفاده ان الكثيرين يخشون من لجوء العراقيين نحو العنف لحل خلافاتهم عند انسحاب القوات الاميركية"، وفي هذا الصدد يتوقع المحلل الاميركي جون ماكريري ان على بلاده ان" تقلق بشأن ترتيبات تقاسم السلطة التي فرضتها على الفرقاء العراقيين" ويرى ان تلك الترتيبات لم تنتج سلاما واضحا بين الفرقاء العراقيين، وعبر ذلك فان احد اقوى الفرقاء سيحاول في حالة انسحاب الولايات المتحدة ان يخرق ترتيبات اقتسام السلطة مؤكدا "دائماً ما يكون تقاسم السلطة تمهيداً للعنف خصوصاً بعد انسحاب القوة التي فرضت ذلك الاسلوب". وحول احتمالات قيام انقلاب عسكري في العراق يلفت ماكريري الى ان "الكثير من المراقبين للوضع العراقي يتوقعون اشتعال حرب اهلية شاملة في الاعوام المقبلة" فينقل عن احد الضباط الاميركيين قوله"لا اعتقد ان العراقيين قد خاضوا حربهم الاهلية بعد."
* تقرير نشر في صحيفة "الغد" الأردنية 2009 التي كنت مراسلها في واشنطن تحت اسم "حسين الأمير".
|