واشنطن- علي عبد الأمير*
تجمع اراء اميركية من داخل ادارة الرئيس اوباما والكونغرس، آذار 2009، وصولا الى كبار المحللين والمعلقين، على ان العراق خرج من مرحلة الحرب الاهلية دون ان يعني هذا نهاية للعنف في البلاد، فيما تركز تلك الاراء على الخلافات بين الفرقاء العراقيين باعتبارها ممرا الى عودة اجواء العنف الى البلاد. وفي مراجعتها للوضع السياسي في العراق وافاقه المستقبلية في ضوء خطة الانسحاب الاميركية ترى الكاتبة الصحافية المعروفة ترودي روبن ، بان العراق يخطو إلى الامام. وتوضح "لقد اقنعتني زيارتي الاخيرة للعراق في كانون الاول الماضي (ديسمبر) ان الحرب الاهلية في البلد انتهت. لقد تعب العراقيون بجميع طوائفهم من القتل فيما لم تعد الميليشيات الطائفية تتمتع بدعم قوي بين طوائفها. لا يعني هذا نهاية العنف في البلد فلا يزال تنظيم القاعدة يحاول عبر انتحارييه اعادة اشعال نيران الحرب الطائفية، فضلاً عن حصول ارتفاع في وتيرة العنف مؤخراً".
وتؤكد الكاتبة انه برغم ارتفاع مؤشر العنف قليلاً فان العراق تجاوز احتمالات السقوط في هاوية الحرب الاهلية " شبح الحرب الاهلية الشاملة الذي كان يخيم على البلد في عامي 2006 و2007 تراجع. اما بخصوص خطر حصول مواجهات عسكرية بين الجيش العراقي والقوات الكردية، فهو خطر مبالغ فيه، وكلا الطرفين تراجع عن ممارسة سياسة حافة الهاوية". وفي حين يثير الفرقاء والسياسيون العراقيون خشية في واشنطن، الا ان الامل يأتي من جهة حيوية شعبية عراقية، فالكاتبة روبن تتحدث عن ما تعتبره تغيرا ايجابيا في المزاج السياسي العراقي على المستوى الشعبي، لافتة الى ان انتخابات مجالس المحافظات اظهرت ان معظم الناخبين العراقيين يريدون بلداً موحداً ما يعني خسارة فكرة الاقاليم الفيدرالية الثلاثة للاكراد والسنة والشيعة. وتؤكد "اخبرني عراقيون ان الناخبين رفضوا في هذه الانتخابات الأحزاب الدينية، سنية كانت ام شيعية. حتى حزب المالكي، حزب الدعوة الاسلامية الذي هو ديني شكلاً، ادار حملة انتخابية ذات شعارات وطنية ولم يركِّز على المواضيع الدينية". وتنقل الكاتية الاميركية عن مستشار المالكي لشؤون التعليم العالي، زهير حمادي قوله "لقد ملَّ الشعب العراقي الأحزاب الدينية"، وعندما زار حمادي شارع الثقافة العراقية، شارع المتنبي المليء بالمكتبات، اخبره صاحب المكتبة المفضلة لديه ان مبيعات الكتب الدينية قد تراجعت كثيراً على نحو سريع. يقول حمادي "لقد تغير المزاج العام." وترى الكاتبة ان المزاج السياسي الشعبي العراقي يتجه نحو العلمانية والدولة القوية " اذن، يبدو ان الشعب العراقي يتحسس طريقه نحو سياسة علمانية توحده. انه متلهف لمسؤولين اقل فساداً وكفوئين، بامكانهم اعادة الكهرباء وتوفير الاعمال. كما انه واضح ان العراقيين يريدون زعامة قوية (الكثير منهم انهم سيرحبون بدكتاتور عادل). بهذا الخصوص، ارتفعت شعبية المالكي عندما هزم الميليشيات الشيعية في الجنوب ورفض المطالب الكردية بالحاق اراضٍ باقليم كردستان. وتتناول الكاتبة التحديات التي يواجهها العراق في تطوره المفترض نحو دولة متماسكة "الجانب السلبي في الأمر هو انه لم يظهر لحد الان زعيم عراقي بمقدوره ان يقدم للعراقيين ما يريدونه، فالمالكي اليائس من الاجراءات الديموقراطية والبرلمان، لم يقدم لهم الخدمات ولم يضع حداً للفساد. كما ان حزب الدعوة الذي يتزعمه معزول عن الناس وغير فعال فيما الأحزاب الاخرى منقسمة على نفسها داخلياً. في ذات الوقت ومع انخفاض اسعار النفط، يفتقر العراق المواردَ المالية اللازمة لخلق فرص عمل لمواجهة البطالة الواسعة".
مدينون للعراقيين بعد ان فككنا بلدهم وفي ما خص المواقف الاميركية تقدم الكاتبة نصيحتها للرئيس اوباما بتأخير سحب القوات الأميركية من البلد ريثما يتم تعزيز المكاسب السياسية المتحققة، لافتة الى ان "وضع العراق لا يزال هشاً في ذات الوقت الذي يتقدم فيه بخطوات صغيرة إلى الامام. صحيح ان العراق لا يمثل النموذج الديموقراطي الذي حلم به المحافظون الجدد، لكنه يتلمس طريقه نحو نظام سياسي يناسب حاجاته. لذلك اعتقد انه من المنطقي ان يؤخر الرئيس اوباما عمليات سحب القوات الأميركية، وينتظر إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية في نهاية هذا العام، ثم يبدأ بتسريع خطى الانسحاب. لقد حقق العراقيون ما يكفي من تقدم سياسي بحيث اصبح معقولاً اعطاؤهم وقتاً لترسيخه. اننا مدينون للعراقيين بهذا القدر بعد ان فككنا بلدهم. وفي ما وفرت الذكرى السنوية السابعة لبدء حرب العراق فرصة اخرى لمراجعة التجربة الاميركية في العراق، تجمع الاراء الاميركية على ان العراق حقق تقدماً لا بأس به، لكن لا تزال العديد من التحديات امامه، فتلفت الى ان التحسن الأمني تحول احساسا اكبر بعودة الحياة الطبيعية للعاصمة، لكن هذا التقدم لم يكن كافياً إلى حد جعل العراقيين يثقون بقدرة سياسييهم وقواتهم الأمنية على إدارة البلاد وحمايتهم. وينقل تحقيق صحافي اميركي عن المواطن العراقي أزهر أمين قوله ان "الاوضاع الان في العراق جيدة بنسبة 70% وسيئة بنسبة 30%. ان هذا افضل مما كان عليه قبل عامين. لكن اذا غادر الاميركيون اسرع مما يجب، ستعود الاوضاع إلى سابق عهدها من السوء. لا اعتقد ان أي احد، اميركياً كان ام عراقياً، يصدق فعلاً انه بحلول العام 2012 سيكون جيشنا قادراً على حمايتنا في الداخل وتأمين سلامة الحدود." وعبر اشارات كهذه تجمع التحليللات الاميركية على ان لتعزيز التقدم الحاصل في البلد تحتاج القوات الأميركية ان تبطيء انسحابها في المرحلة المقبلة، "لقد اقنع قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال ري اديرنو، اقنع الرئيس اوباما بسحب لوائين فقط قبل نهاية هذا العام، وذلك من اجل الاحتفاظ باكبر عدد من القوات الأميركية حتى موعد اجراء الانتخابات البرلمانية نهاية هذا العام". فضلا عن اديرنو فان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، يقول "اعتقد ان جذور الديموقراطية او الحكومة التمثيلية في العراق لا تزال ضعيفة. لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من المصالحة وضمان حل سلمي لبعض القضايا العالقة بين الاكراد والعرب."
* * تقرير نشر في صحيفة "الغد" الأردنية، آذار (مارس) 2009 التي كنت مراسلها في واشنطن تحت اسم "حسين الأمير". |