وعاد الرئيس اوباما للثناء على الموسيقي البالغ من العمر 58 عاما، وأشار إلى اغنيات وندر والحانه وفرت له "السلام والإلهام ، لا سيما في الأوقات الصعبة" لافتا الى ان موسيقى وندر كانت جزءا اساسيا من حياته المشتركة مع ميشيل قبل الخطوبة".
وفيما اعرب وندر عن سعادته الغامرة لكونه كان جزءا من الحياة الخاصة للرئيس وزوجته، قال ان اللحظة التي يعيشها اليوم(في اشارة الى انتخاب اول رئيس اميركي من اصول افريقية) هي "اسعد لحظات حياتي، حيث اميركا تبرهن على انها تستحق كل الاشياء العظيمة التي انجزتها وتستحقها".
الضرير الذي يغني الحب والامل
وستيفي وندر مغنِّي البوب الضرير، كان أضفى حيوية على الحفل الغنائي الخاص الذس شهدته واشنطن وحضره اوباما قبيل استلامه منصبة رسميا، في حدث تلتقي فيه الموسيقى مع السياسة ضمن منطقة مشتركة عمادها فكرة التضامن الانساني، وهو المعنى الذي كان تميزت به مشاركة ستيفي وندر في مناسبات سياسية عدة، منها مشاركته في المجلس العام للأمم المتحدة ايار 1985 لإسهامه الموسيقي المتميز في إستنكار سياسة النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وتكريمه من قبل اللجنة الخاصة ضد السياسة العنصرية لمناسبة ذكرى ميلاده الـثلاثين، وحيث احتفى الديبلوماسيون بالمغني وامتدحه السكرتير العام للأمم المتحدة (دي كويارحينها) في رسالة تحية خاصة بوصفه: "فناناً بضمير اجتماعي وبدعوة انسانية عميقة".
بدأ وندر مشواره عبر الحرمان، وكبرت موهبته في بحثه عبر سجل من سبقوه من مغني ذلك التراث الضخم لموسيقى الزنوج الأميركيين، واجتاز "ظلمته" القوية عبر ما خلقه من تأملات موسيقية، "أبصر" عبرها العديد من الحالات الإنسانية، وجسدها في نمط موسيقي متميز، واستطاع ان يكتسب ملامح التطور في غاية التأني، فهو لا يتأثر بالصرعات الحديثة، فهو الشاعر الرقيق في كتابة الأغنية، الملحن العميق الذي يؤلف في ألوان: البلوز، السول، البوب واسلوب الأغنية في البحر الكاريبي "الريغي". كما انه العازف البارع على البيانو، وعيون أصابعه تستدل الأماكن المؤثرة في المفاتيح. هو باختصار عالم الأغنية المتكامل، صوته فيه صدى لحزن عميق وعبر لحنه يحاول ان ينسجم مع مفرداته التي تشكل صورة يتأملها، فيختار عناوين مدهشة لمجموعاته الغنائية فمن "الرؤى الداخلية" الى عنوان جميل آخر "رحلة خلال الحياة السرية للنباتات"، "أشد قيظاً من تموز"، "حوض الماء الموسيقي" وإنتهاءً بمجموعة الحانه في فيلم " إمرأة الرداء الأحمر" للمخرج جين وايلدر في العام 1984 والتي فاز عنها بجائزة اوسكار لأفضل "أغنية في فيلم سينمائي".
الرؤى العميقة في الغناء
في مجموعته الغنائية "الرؤى الداخلية" ترجم المغني كل "الرؤى" التي تستوطن رأسه، فهو غالباً ما كان يسترسل في خلفية بسيطة من ضربات على الغيتار لكي يرسم خطوط حياة، ومن ثم يضخ السمع بإستمتاع بالغ لإيقاعها الحي. انه يمزج الأصوات الحقيقة والمؤثرات بالألحان كي يظهر صورة حية لمدينة صاخبة كنيويورك، انه يعترض على نمط حياة تسلب كل أثر انساني، فهناك ضجيج سيارات منطلقة وأصوات مارة عند ناحية الشارع وسيارة شرطة يصدر عنها صوت قوي ينادي على شخص ضمن المارة يتهمه بحادث لا يعرف عنه شيئاً، ووسط كل هذا الإضطراب يظهر صوت المغني ثانية ويصرخ ضد "حياة تستهلكها المدينة".
وفي مجموعته "رحلة خلال الحياة السرية للنباتات" أقام ستيفي وندر مهرجاناً للأغصان والورد وقدمها بكل القوة التي تجيء بها: قوة الحياة. انه يقيم معها علاقة حب تنمو مع كل صباح عبر نافذته، حيث "يرى" زهرة تطلع اليه جميلة توعده بالمحبة الدائمة، فيض حياة كانت أنغام هذه المجموعة الغنائية، تسمو بمشاعر الإنسان على إيقاعات "خضراء".
ينابيع الموسيقي مصادر للحلم والتأمل
وعبر جولة واسعة شملت مسارح أغلب المدن الاوروبية في صيف عام 1982، قدّم المغني إصداره التالي في مجموعة غنائية هي عبارة عن اسطوانة مزدوجة أطلق عليها عنوان "حوض الماء الموسيقي"، حيث كان كمن يغمر يديه بماء سري، ويمسك بأحياء موسيقية يطلقها بين ثنايا متذوقي فنه الرفيع، لتربك كل ذلك التراكم للتعب البشري وتُعيد رجفة المشاعر الاولى، انها تخدش الجلد وتمضي الى ينابيع الحلم ومكامن التأمل الروحي العميق، انه يكشف عبر اغنية "أرض أعلى" كل السكون الذي يغلف حياة تتكرر ذاتها: "الناس ما زالوا يتعلمون / العالم ما زال يدور / الأقوياء ما زالوا يكذبون / الناس ما زالوا يموتون / العشّاق ما زالوا يعشقون / المؤمنون ما زالوا يؤمنون"، انه يدعو للإنتهاء الى بُعد انساني آخر، انه يدعو الى "أرض أعلى".
ولانه مبدع من طراز أصيل، ولأنه يعرف نفسه جيداً يشبهها بخشب "الأبنوس"
في اغنية مشتركة مع فنان آخر لا يقل عنه جودة، الإنكليزي بول مكارتني الذي يدعوه بعظم "العاج". انهما رمزان للأصالة والندرة اجتمعا معاً وقدما لحناً مشتركا كتب وندر كلماته ولحّن وادّاه المغنيان سوية على بيانو واحدة إشارة لمعنى انساني في الوجود الطبيعي: "الأسود" جنب "الأبيض".
* تقرير نشر في صحيفة "الغد" الأردنية، شباط (فبراير) 2009 التي كنت مراسلها في واشنطن تحت اسم "حسين الأمير".