علي عبد الأمير عجام* فتح وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل الباب واسعا امام عودة القوة العسكرية الى العراق، مؤكدا في جلسة استماع امام الكونغرس امس، أن "المعارك في العراق ضد متطرفي "داعش" قد تتطلب وجود قوات على الأرض".
"قوات (بساطيل) على الأرض" او ما يعرف " Boots on the ground " تعني عودة صريحة للقوة الاميركية أبعد من مئات المستشارين الذي بلغ عددهم نحو الفين، مع الاعلان عن ارسال اكثر من 380 الاسبوع الماضي، وهي تعني اشارة الى طبيعة الوجود العسكري الاميركي منذ العام 2003 الذي ترسخ بعد الاطاحة بنظام صدام حسين. هذا ما يستدرك اليه، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، الذي قال في جلسة الكونغرس ذاتها، إن "عمليات القصف لن تكون مماثلة للغارات الواسعة النطاق التي صاحبت بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003" والتي سميت "الصدمة والرعب".
عودة القوة الأميركية، تحيلنا الى ريتشارد هاس الذي استقال من منصبه كأعلى مستشاري وزير الخارجية الأميركية كولن باول في العام 2003، فهو كان يتماثل مع صورته الأقرب إلى "الحمائم في إدارة يسيطر عليها الصقور"، كما انه لم يخف شعوره بالإحباط من فترة العامين ونصف العام التي قضاها في موقعه السابق، ولم يتردد من اظهار عدم ارتياحه لبعض سياسات اميركا التي شددت على العمل المنفرد وعلى الاستخدام المفرط للقوة.
وعلى الرغم من الدور الرفيع الذي لعبه هاس في ادارة جورج بوش الاب اثناء ازمة غزو الكويت 1990 ولاحقا حرب "عاصفة الحرب" التي اخرجت صدام من الجار الجنوبي للعراق، بوصفه نائب مستشار الامن القومي الاميركي، الا انه فيما خص حرب الاطاحة بصدام 2003، أبدى اعتراضا على "انفراد اميركي" في العراق الحاضر وخلال عقدين او اكثر في مفكرة هاس السياسية والوظيفية الضخمة، كتابه الصادر العام 2009 ، وحمل عنوان " حرب الضرورة..حرب الاختيار" فكأنه بذلك كان يصف حرب اخراج العراق من الكويت بانها "حرب ضرورية" فيما كانت حرب اسقاط صدام "حرب اختيار" وهو مصطلح استخدمه الرئيس اوباما قبل ايام في خطابه بالقاهرة لوصف حرب اميركا في العراق!
العام 2002 : بوش يستعد للعراق في ايلول 2002 ابلغ هاس بان " الرئيس (بوش) قد يتخذ قرارا بشأن العراق."، فأعرب عن أمله في المزيد من الفرص لمناقشة هذه القضية مع مستشارة الامن القومي حينها كوندليزا رايس او غيرها من كبار مسؤولي الادارة فـ"التخطيط للحرب وما بعدها" امر حاسم كان يراه هاس ووزيره (الخارجية) كولن باول. وبتاريخ 26 ايلول (سبتمبر) عام 2002 ، كتب هاس مذكرة تحت عنوان "اعادة الاعمار في العراق .. من دروس الماضي" وقراءة المذكرة اليوم تذكي الكثير من الالام، فهي كانت تتحدث عن اولويات وضرورات تبدأ من كيفية "منع حدوث فراغ أمني بعد الاطاحة بصدام حسين" ولا تنتهي بجداول زمنية وعملية لاعادة اعمار العراق، ولكن صقور الادارة رموا بتلك المذكرة جانبا ومعها ذهبت جهود الرجل وتحذيراته أدراج الرياح. وعن تكاليف الحرب في العراق يقول هاس في مقابلة مع "واشنطن بوست" انها عالية، موضحا "هناك التكاليف المباشرة : أكثر من 4000 من ارواح الامريكيين، وعشرات الآلاف من أرواح العراقيين، 4 أو 5 مليون عراقي نزحوا عن ديارهم، وتريليون دولار اميركي او نحو ذلك. وهناك على المدى الطويل عواقب غير معروفة تأتي مع إهدار المصداقية الاميركية وتطرف الالاف من الارهابيين المحتملين". وبالعودة الى كتابه، يعرض هاس سجالات حول حربي العراق الأولى والثانية على انهما تنطلقان من سياسة قائمة على تحقيق أهداف تتعلق بمصالح أميركية. فـ"حروب الضرورة"، قد يتم خوضها للدفاع عن النفس، ويجب اللجوء إليها كحل أخير في وجه خروج وتمرد على القانون الدولي.أما "حرب الاختيار"، فهي تلك التدخلات التي يذهب اليها صاحبها مختارا، لكنها قد تقوده الى زاوية ضيقة ونتائج غير منظورة. ويبدو ان هذا الوصف هو ما تطابق مع رؤية هاس وتحذيراته من حرب الولايات في العراق العام 2003.
ما رفضه البيت الابيض عن "إعادة بناء الأمة العراقية"؟ كانت رؤية هاس تقوم على ان شن الحرب لاسقاط صدام ستؤدي الى " مخاطر عدم استقرار المنطقة، تقوية إيران بمقابل عراق ضعيف، وكلفة كبيرة ستتطلبها على الأرجح عملية إعادة بناء الأمة العراقية"، فيما كان بديله للحرب هو "حلولاً بديلة لغزو العراق، نظام تفتيش دولى أكثر صرامة، عقوبات أقسى، حملة دبلوماسية عامة للإطاحة بصدام، وغيرها من الاقتراحات" لكن ما كان يأمله هاس بان يكون" الوسائل الضرورية والنقاط الأساسية لإقناع الرئيس بالتخلي عن فكرة الغزو" حمله وزير الخارجية كولن باول الى خانة الحفظ، فقد كان الآوان قد فات! يكشف ريشارد هاس في كتابه بان قلة من المحللين والخبراء الذين يعرفهم اعترضت على ادعاء الرئيس بوش بأن صدام يملك أسلحة دمار شامل، ومن هنا تداخلت "حرب الاختيار" التي عادة ما تبدو اقرب الى غير المبررة مع "الحرب كضرورة" التي توجبها مصالح الامن الوطني الاميركي "المبررة والمشروعة". كتاب هاس ليس بالضرورة موقفا ضد الحرب بل هو اقرب الى مراجعة "مؤلمة" لعملية اندرجت فيها البلاد ولكنها خرجت عن مسارها المنطقي والصحيح، على الرغم من اشارته الكثيرة عن كون حرب العام 2003 كانت اقرب الى العمل السري، وهي لم تكن رد فعل حيال عمل عدائي طارئ "لم يتزايد آنذاك الخطر الذي شكله العراق، لا سيما صدام حسين". وبدت أهدافها مبهمة وغير محددة، وان السبيل الذي ستعتمده لتحويل العراق إلى بلد ديمقراطي كان غائبا. لنلاحظ جيدا رؤية هاس كأنه عبرها يقرأ مشهدنا اليوم: فيقول " ساء وضع الولايات المتحدة الاستراتيجي: صارت إيران أقوى والعراق أضعف ومقسّم، وباتت الأنظمة العربية السنية تخشى إيران، وتنظر بريبة الى دور المجموعات الشيعية داخل حدودها". ويضيف "نعيش اليوم حقبة تتمتع فيها إيران والميليشيات والإرهابيون بحصة أكبر من النفوذ. ومع أننا لا نزال أهم لاعب خارجي في المنطقة، لكننا منينا بأضرار فادحة". دليل المسؤول السابق ريشارد هاس في ادارتي بوش الاب والابن، الى رؤية العراق، بحاجة الى الى مراجعته، من قبل العراقيين قبل غيرهم.
* قصة خبرية نشرتها وكالة "واي نيوز" العراقية |