علي عبد الامير عجام* كثيرون قرأوا هذا الانغماس الكلي لفرنسا ورئيسها فرانسوا أولاند في التحشيد السياسي واللوجستي لمحاربة "داعش" في العراق والتنسيق الذي يقارب التحالف مع الرئيس الاميركي اوباما، بل حتى الذهاب الى ما يبدو موقفا شخصيا في التضامن مع بغداد- اربيل، على انه يبدو مقاربة فرنسية للدور البريطاني الذي لعبه رئيس الوزراء الاسبق توني بلير في التحالف مع الرئيس الاميركي جورج بوش في الحرب على العراق.
اللافت ان "فرنسا شيراك" التي عارضت التوجه الاميركي-البريطاني لشن الحرب واسقاط نظام صدام حسين 2003، هي اليوم فرنسا مختلفة كليا مع الرئيس اولاند، الذي يبدو في حماسه وقد بزّ بريطانيا في كونها الحليف التقليدي للحروب الاميركية، فهو اذ ينتقل بين بغداد وأربيل مؤكدا المشاركة مع اميركا في الضربات الجوية ضد "داعش"، يجعل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في موقف لا يحسد عليه، لا سيما بعد تراجعه عن اشاراته الاسبوع الماضي بالمشاركة في الحملة العسكرية على التنظيم الارهابي، ليعلن عبر وزير خارجيته أن بلاده لن تشارك في توجيه الضربات الجوية.
كاميرون الذي يؤكد ان "العراقيين يجب أن يتولوا قيادة القتال ضد مسلحي تنظيم "داعش"، فانه لا ينسى "المحاصصة" حين يدعو القبائل السنية الى "الانتفاضة بوجه تنظيم "داعش" الرهيب"، بينما يشدد على ان "العراق بحاجة الى إنهاء سياسة رعاية الشيعة فقط". كاميرون يستدرك بشأن "عودة" بريطانيا الى العراق والذي خرجت منه بطريقة مذلة عبر البصرة في العام 2009، قائلا "يجب أن يكون هناك قوات على الأرض، ولكنها يجب أن تكون القوات العراقية.. وقضية بريطانيا بهذا الشأن، هي ما الذي يمكن أن تفعله لمساعدة العراق". هذا يأتي عبر مؤشرات دعم لكاميرون تغطي شن غارات جوية ضد مسلحي تنظيم "داعش"، في وقت تتدارس فيه حكومته قرارا بإرسال قوات الى العراق في مهمات تدريبية. واذا كان أوباما حائرا حيال العراق بسبب "إرث بوش"، فان الامر يبدو اكثر سوءا عند كاميرون الحائر بسبب "إرث بلير". مراقبون وكتاب يجمعون على انه فيما يشبه المفارقة، فان بريطانيا التي قامت في العام 1917 باخراج العراق من "ظلام" الاسلام العثماني الى الدولة المعاصرة، تولت بريطانيا في العام 2003 البدء بنقل البصرة ومناطق واسعة من جنوب العراق من عصر الدولة الى عصر المليشيات حين نفذت خطة واسعة لرسم السلطة وقوات الامن، ولم يكن مصادفا ان يتولى الحكم الحقيقي في البصرة وجنوب البلاد 2003 -2007 اثنان: الجيش البريطاني والاسلام السياسي الميليشياوي. تلك الصورة "تنسجم ما بين الاساس الديني لحرب بلير وبوش والاساس الديني الطائفي للقوى العراقية الحاكمة"، كما يقول كتاب بريطانيون ولاحقا اميركيون وحتى بعض العراقيين، حين يجمعون على ان "استغلالا قذرا تم لفكرة الحرية في حرب العراق، فقد جاءت النتيجة قذرة ايضا: موت آلاف الاميركيين والبريطانيين وقتل مئات الالاف من العراقيين من اجل ايصال قتلة وفاسدين الى سدة الحكم، وهذه حقائق لم يكن بامكان بلير وبوش اخفائها، فكانت اصوات البريطانيين والاميركيين كفيلة بالحاق الهزيمة بهما. السؤال الان: اذا كان العراقيون قد تمكنوا من نسيان "إرث بوش- بلير"، فهل وضع قادتهم خطة تضمن استثمارا سليما لحلف اوباما- اولاند، كي لا تكون حالهم دائمية: البحث عن فرصة ما بين خيارين سيئين، فهم هذه المرة بين "داعش" او اتمام "المشهد الملتهب" الذي اسمه "حرية العراق" حتى وإن بدا العلم البريطاني بألوان وخطوط الغريم التاريخي: فرنسا؟
* نشرت في "واي نيوز" 13-9-2014 |