السياسي والوزير العراقي السابق علي عبد الأمير علاوي
كتابه " احتلال العراق.. ربح الحرب وخسارة السلام"، اشبه بمدونة وثائقية عن المهمة الاميركية في العراق واداء سياسيين صعدوا الى السلطة مع الغزو الذي قادته ادارة الرئيس بوش، وهو( مكتوب بالانجليزية اصلا) يبدو كثير الشبه بكتب سيرة مهنية لشخصيات اميركية وغربية مسؤولة، توثق تجاربها بشيء من المراجعة النقدية والحساب الفكري والاخلاقي، ولكن بعد خروجها من الحكم والسلطة والنفوذ.
حكم "مجموعة من المرتشين فاقدي الكفاءة"
وما بين كتابه عن وقائع "العراق الجديد" التي شارك في صوغها وتنفيذها اداريا وسياسيا، وكتابه عن الملك فيصل الاول، يرى علاوي ان "دورة لا نهاية لها من العنف والرعب يراقبها العالم اليوم وهي تتصاعد في العراق"، موضحا في مقالة نشرها في صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية، امس الثلاثاء، انه "من الجدير بالذكر أن حياة العراقيين لم تكن دائما على هذا النحو، ولم يك العراقيون دائما رهائن طغاة مأسورين بجنون العظمة، أو حكم الحزب الواحد، ولا كانوا طائعين لمجموعة من المرتشين فاقدي الكفاءة مثلما هم في طبقتنا السياسية الحالية."
ويمضي في قراءة ما آلت اليه اوضاع العراق انطلاقا من سلطة " المرتشين فاقدي الكفاءة"، فيقول ان " الديمقراطية القائمة على الانتخابات وحسب، لاتوفر قيادة بناءة في بيئة المؤسسات المتدهورة والمعايير الأخلاقية المروعة، بل هي وصفة لحكومة غير خاضعة للمساءلة، ومستويات لا يمكن تصورها من الفساد وتفاقم الصراعات والانقسامات".
ويقدم علاوي هذا المستوى من "الفساد والصراعات والانقسامات"، كسبب جوهري للهزيمة " فهل من عجب أن الجيش العراقي ذاب كليا عندما واجه تهديد "داعش"؟ لماذا يقاتل أي جندي تحت امرة رؤساء كانوا يضعون في جيوبهم جزءا من راتب الجندي ويحولون تموين وحداتهم لتحقيق مكاسب خاصة لهم؟ انها وصمة عار أن تكون قوات الأمن العراقية، التي يبلغ عددها ما يقرب من مليون رجل، والتي أنفقت عليها المليارات من قبل كل من الحكومتين الأمريكية والعراقية، غير قادرة على مواجهة "داعش" دون اللجوء إلى القوى الأجنبية، بما في ذلك إيران وروسيا والآن الولايات المتحدة".
ويرى الوزير السابق ان "الدولة العراقية التي ولدت نتيجة الغزو الأميركي عام 2003 فشلت في المحافظة على كيانها، ويجب علينا استخلاص الدروس من الدولة العراقية الاولى، التي اقامها البريطانيون في عام 1921 على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. فقد ولدت تلك الدولة أيضا وسط العنف والشقاق، مع جزء صغير من الموارد المتاحة لعراق اليوم، ولكن كان هناك جوهر ثمين سمح لها البقاء على قيد الحياة وكي تزدهر حتى اصبحت كنموذج للمنطقة، فهي كانت بقيادة واحد من أعظم رجال الدولة العربية في القرن الماضي: الملك فيصل الأول".
ويعتقد انه "اذا كان العراق بحاجة، اكثر أي وقت مضى، الى إعادة بنائه كدولة موحدة تعمل على خدمة شعبها، فيجب ان يكون نموذج الملك فيصل، حاضرا بين قادتنا، فقد كان الحس الوطني العربي المعتدل لفيصل قادرا على استيعاب مختلف الأديان والطوائف والقبائل والأعراق واظهار الاحترام لهم جميعا. انه كان يضم الوفود المرافقة له العرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة ورجال القبائل والأفندية. واعترف أيضا بالحرمان النسبي للطائفة الشيعية التي تشكل الأغلبية في العراق، بعد قرون من التهميش وسعى إلى تصحيح هذا الخلل. كان الملك سنيا، لكنه كان يقوم بزيارات متكررة إلى الأضرحة الشيعية، وكان يظهر احتراما لزعماء الشيعة ورموزهم وطقوسهم. بل وصل أيضا إلى أقليات العراق التي لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك المسيحيين واليهود".
ويتواصل علاوي في تتبع هذا المسار لباني العراق المعاصر: "فيصل سعى لبناء المؤسسات التي من شأنها توفير الحكم الرشيد. وعلى العموم، كان بامكان كل الجماعات العراقية الوصول العادل إلى المناصب في هذه المؤسسات وكان الملك لا يتورع عن الاعتماد على الخبرات الأجنبية للمساعدة على تطوير تلك المؤسسات".
وبحسب علاوي، فأن الملك فيصل الاول الذي "حافظ على مستويات عالية من المساءلة وتجنب المحاباة والمحسوبية، ورفض ان يحيط نفسه بزمرة من الإمعات والأتباع... كان قلقا بشأن التعليم والتنمية الاقتصادية في البلاد، وخاصة الزراعة والموارد المائية. ورعى الجيل الأول من المعلمين والإداريين والأطباء والمهندسين والمهندسين المعماريين في العراق خلال فترة حكمه".
نموذج مثل فيصل لانقاذ العراق؟
وحين يرى علي عبد الامير علاوي "لا تزال هناك فرصة لانقاذ العراق من حافة الهاوية"، فهو يربط ذلك مع " عملية استبدال رئيس الوزراء بزعيم مثل الملك فيصل، يمكن أن ينقل البلاد من العواصف المدمرة المحتملة وجمع جمع العراقيين بعيدا عن عقلية المظالم والانتقام"، هنا بالتأكيد ينسى علاوي توقيعه على "البيان الشيعي" الذي كان واضحا في التأكيد على القيم الطائفية الضيقة، ووقوعه أسير "عقلية المظالم والانتقام".
* قصة صحافية نشرت في "واي نيوز عراقية" كانون الأول/ديسمبر2014