علي عبد الأمير عجام* حتى قرار اعضائه الاربعة ( اثنان بحرف الأي وآخران بحرف الباء: بيورن أولفيوس، بيني أندرسون، أغنيتا فالتسكوغ و آني- فريدا لينغستاد)، الانفصال في العام 1982، لم يكن اي فريق موسيقى غربي، يداني "آبا" شهرة في العراق ومناطق عدة من العالم، فهو من نقل ليس رسالة السويد (بلدهم الأصلي)، بل رسالة تيار جديد في الثقافة الاوروبية والغربية بعامة، قائم على اشاعة الاتصال الانساني عبر نغم معاصر وافكار تشيع المحبة، وعبر تلك الرسالة حفرت "آبا" اسم السويد بقوة في الكوكب الارضي، حد انها كانت تنافس شركة "فولفو" في القدرة على لفت انتباه العالم بقدرة الخلق والابتكار السويدية.
ومنذ فوزها بجائزة الاغنية الاوروبية (يوروفشن) العام 1974 حتى آخر اطلالة لها في العام 1982، اصدرت الفرقة عددا من الاسطوانات بمعدل واحدة في كل عام، غير ان الاغنيات التي حققت الانتشار التجاري والاعتباري الفني الرقي، كانت من الوفرة، حد انها تستعاد اليوم وكأنها ايقونات عصر غنائب نادر. خذ مثلا " ماما ميا" الاغنية الايقاعية الرشيقة التي منحت عنوانها لمسرحية غنائية شهيرة تجسد اغنيات الفريق السويدي وعصره، وما لبثت ان صارت ايضا عنوان فيلم سينمائي غنائي ناجح، ادت بطولته النجمة الاميركية القديرة ميريل ستريب. كما يمكن ان تتوقف عند "دانسينغ كوين" او "ملكة الرقص" التي من النادر ان يمر يوم في وقتنا هذا دون ان تكون واحدة من محطات اذاعية او تلفزيونية على امتداد العالم دون ان تقدمها وتبدو معها كأغنية مصنوعة اليوم لفرط اتقانها وعذوبتها. دون ان ننسى " غيمي غيمي غيمي (رجل في منتصف الليل)" و"فولي فو" او "انا عندي حلم" المستغرقة برومانسيتها ثم " شكرا للموسيقى" و" سنة جديدة سعيدة" التي صارت تعويذة ليلة السنة الاخيرة من كل عام وعلى امتداد المعمورة، واخيرا "الرابح يأخذ كل شيء" التي ادتها وصورتها اغنيتا فالتسكوغ، بطريقة كأنها ترسم المسار الاخير للفرقة قبل انفراط عقدها. ومع عروض كثيرة رفضتها الفرقة الى ان تعود من جديد، حتى لفترة قصيرة (تقوم خلالها بجولة عالمية لاحياء عدد من الحفلات) مقابل مليار دولار، الا انها وافقت اخيرا على طبع اسطوانة جديدة ( بالحقيقة هي اسطوانتان مضغوطتان و3 اسطوانات عادية)، ستصدر نهاية الشهر الجاري، وتتضمن تسجيلا لواحدة من الحفلات الحية الاكثر نجاحا للفرقة، هي حفلتها المباشرة في ملعب ويمبلي الانجليزي الشهير. الجديد في الحدث، ان الاصدار سيتضمن أغنيتين لم يسبق اصدارهما من قبل وهما: "أنا على قيد الحياة" بالانجليزية " و "الجمال" بالسويدية. و" أنا على قيد الحياة" كتبها بيورن اولفيوس العام 1979 كأغنية ميلودرامية، فيما اغنية" الجمال " ترنيمة رعوية سويدية كتبها الملحن أوسكار يندبرغ، وتقدم غالبا كمقدمة افتتاحية للحفلات الموسيقية. الاسطوانة "آبا: لايف إن ويمبلي ارينا" تسجيل لواحدة من الحفلات الحية الاكثر نجاحا للفريق الرباعي، والتي شهدها ملعب ويمبلي في تشرين الثاني 1979، ضمن جولة عالمية استغرقت نحو عام ( انتهت في خريف 1980).
"آبا" واليسار الثقافي السويدي وكان نقاش ثقافي عاد الى السويد، العام الماضي، ويتمحور حول الانزعاج الكبير الذي تحمله الثقافة اليسارية لكل ما يتعلق بفريق الغناء "آبا"، الذي لا يزال اليسار يعتبر موسيقاه دعائية ولا تتجانس مع الموسيقى التي رافقت التحركات السياسية في تلك الفترة. وتساءلت المحررة الثقافية في صحيفة "داغنز نيهيتر"، ماريا شوتينيوس، عن الاسباب التي جعلت اليسار الثقافي في السويد يقف بوجه "الموسيقية الشائعة" او"بوب ميوزيك"، موضحة، "اعتقد ان الثقافة الموسيقية اليسارية عانت من المشاكل في علاقتها مع الموسيقى الشائعة، فالعلاقة بين الطرفين الموسيقيين لم تكن بريئة، واللغة المتبعة قاسية والمواقف متباينة، بل ان العديد من القراء اعتقدوا بان السويد ليست مكانا لهم، وبأن عليهم الانتقال منها اذا ما كانت افكارهم وممارساتهم الموسيقية مخالفة للتوجه الثقافي اليساري". وتضيف ماريا شوتينيوس "هذا النقاش يعود الى الفترة التي كان اليسار الثقافي يتمتع فيها بحجم كبير على الارض، بعكس يومنا هذا. الحركة الموسيقية التقدمية وقتذاك كانت تضم فرقا موسيقية كفرقة المسرح الوطني، وفريق هولا باندولا، وايضا نينينغن، جميعها فرق موسيقية ذات توجهات يسارية واضحة. هذا الوقت تزامن مع مرور فريق آبا في اوج مراحله، بموسيقاه الشائعة الراقصة، واغانينه عن الحب، جميعها امور تناقضت كليا مع الموسيقى السياسية التي كانت تحظى بمرتبة مرتفعة على الساحة الثقافية". وتنتهي الناقدة السويدية الى القول "لا يستطيع احد الان اتهام "آبا" بانه فريق تجاري يغني دون اي دور سياسي على المسرح الغنائي. الشحن الذي كان سائدا في السابق لم يعد كذلك الان".
* نشرت في "المدى" 13-9-2014 |