الراحل قاسم عجام مقدما الروائية والكاتبة والمترجمة لطفية الدليمي في اتحاد ادباء بابل
ولد الناقد قاسم عبد الامير عجام في مدينة الحلة -قضاء المسيب -عام 1945 و أكمل دراسته الاكاديمية في الهندسة الزراعية حاصلاً على درجة الماجستير بتخصص " مايكرو بولوجيا التربة " عام 1975، بيد أن تخصصه العلمي لم يمنعه من الانخراط في الهم الثقافي العراقي بدءا من عقد الستينات. عرف ببراعته في النقد التلفزيوني و السينمائي حتى أن كتاباته في صحف و مجلات ،" طريق الشعب " و " الثقافة الجديدة " و " الثقافة " لصلاح خالص، عدت و كأنها معيار لجودة الاعمال او ردائتها، بالاضافة الى كتابات ناطق خلوصي وقاسم خليل ..كما كتب عجام في نقد القصة و الرواية في محاولة جادة منه لاستكشاف صلة الأدب بالحياة متجوزاً الانشغال بالاتجاهات الحديثة في النقد من شكلانية وبنيوية وتفكيكية وغيرها والتي كانت في بدايات اقتحامها الجريء للثقافة العراقية ، وربما يعود ذلك إلى الثقافة اليسارية التي طبعت ثقافة عجام منذ بداياته ، وهو الذي كان آخر ما أصدره كتاب تحت عنوان لافت : " الضوء الكاذب في السينما الامريكية " والذي صدر في العام 2001 عن الموسوعة الصغيرة في بغداد . على أن تركيز الراحل على نقد الفنون المرئية التلفزيونية من برامج ومسلسلات وأفلام وما إلى ذلك كان يدفعه إلى تطوير منهجه النقدي القائم على دراسة أثر الفنون الجماهيرية على مشاهديها وملاحقة آخر ما يستجد فيه .. ومن المعلوم في هذا الخصوص شحة المتخصصين في النقد التلفزيوني عموماً والفني بوجه أعم فيما تزدحم هذه الساحة بكتبة التقارير الصحفية السريعة ..
سيرة الرجل الذي غادر تخصصه الأكاديمي منحازاً إلى قيم الجمال التي تمنحها الفنون لا تشكل بالتأكيد سيرة من قتلوه، الذين يجيدون حوار الدم ولا يفقهون حوار الجمال، وهي مشكلة حقيقية في عراق اليوم الذي فقد العشرات من أصحاب التخصصات الثقافية والعلمية ضمن موجة القتل العمياء التي تجتاح البلاد ، والمؤسف في الأمر حقاً هو استهداف شخصيات لم يعرف عنها انخراطها ذات يوم في العمل الحزبي أو الجهو ، كما أنها خرجت بيض اليدين من عقود القهر والاذلال السابقة .. فما معنى اغتيال مثل هذه الشخصيات ، وفي هذا الوقت بالذات الذي يشهد تغيرات سياسية عراقية متلاحقة ؟ والسؤال يبدو صعباً أيضاً لأن المستهدف في عمليات الاغتيال المشينة تلك لم يكن مسؤولاً بارزاً في نظام الدولة العراقية الحالي أو سلطات الاحتلال !
وفي قراءة أخرى لما حدث يبدو الإقرار بوجود جهة، جهات، تتقصد اغتيال الرموز الثقافية العراقية الرصينة ما هي إلا محاولة خطيرة لتحطيم مستقبل العراق، حيث تجري هذه العمليات على الوتيرة ذاتها التي تجري فيها وتائر قتل الكوادر العراقية المتخصصة من سياسيين وفنيين وتقنيين مما يولد أسئلة أخرى عن هوية هذه الجهة، الجهات التي يهمها فعلاً النتائج الوخيمة لعملياتها الإجرامية تلك والجميع بصدد إعادة بناء الدولة العراقية وما تحتاجه من كوادر ضخمة في جميع التخصصات .
أبرز الشهود عن فجيعة وطن
لا يخرج مشهد الرعب المتمثل باغتيال الناقد قاسم عبد الأمير عجام من سياق المسلسل التراجيدي المتأزم الذي يعيشه عراقيو الآن، وهو مسلسل من المتوقع استمرار حلقاته ما ظلت النخب الوطنية، السياسية وغير السياسية، بعيدة جداً عن اجتراح الحلول اللازمة للخروج من النفق المظلم الذي يعيشه العراق، وما انتشار الأسلحة إلا واحد من مظاهر هذا النفق الذي يبشر بعمليات تصفية متكررة للكوادر العراقية ما يمثل خسارة فادحة لا يمكن تعويضها.
أن النخب الوطنية العراقية مدعوة إلى البدء فوراً في قراءة الواقع قراءة صحيحة غير متعالية تؤشر ذلك الانحسار المخيف للشعور الوطني عند نسبة كبيرة من المواطنين، ما يدفعهم بالتالي إلى اعتبار عمليات القتل اليومي عمليات طبيعية تجري بماء بارد يوازيها عمليات قوات التحالف المفرطة في العنف والتي تزيد الأمور سوءاً على سوء ..هكذا يبدو المشهد مغرقاً في سوداويته، وما دام الأمر يتعلق بالثقافة العراقية على وجه الخصوص فليس أنسب من الظروف الحالية لتدشين مرحلة جديدة لا يكون فيها المثقف مجرد ضحية عابرة على مسلخ الضحايا العراقيين .
عاش قاسم عبد الأمير عجام حياته يمثل دور الرائي الشريف، ومن أجل أن يحافظ على هذا الدور كان عليه أن يفقد يوماً أثر يوم ما تمنحه له الحياة من وجاهات زائلة أو بالأحرى مكللة بالدم، وهو انسجم مع سيرته بشكل أخاذ عندما كان موته يمثل الحلقة الأخيرة في مسلسل حياته التراجيدي والذي كان فيه أحد الأبطال وأبرز الشهود عن فجيعة وطن !
*النص نشر في صحيفة "الشرق الاوسط " اللندنية بعد ايام على اغتيال قاسم وكتبه الشاعر والصحافي عبد الخالق كيطان من مقر اقامته في أديلايد الاسترالية.