بعد مرور 75 عاما على شرارتها الاولى: الحرب العالمية الثانية بملامح عراقية

تاريخ النشر       02/09/2014 06:00 AM


علي عبد الأمير عجام*
في مثل هذا اليوم انطلقت الشرارة الاولى للحرب العالمية الثانية، حين أقدم زعيم النازية الالمانية أدولف هتلر على مهاجمة بولندا عام 1939، مبتلعا البلد المجاور خلال أسبوع، بعد أن دمر عاصمتها وارشو تدميراً شبه كامل، وأباد مئات الآلاف من سكانها، لتدرك بريطانيا وفرنسا أن المجنزرة النازية لن تقف عند حد، وستصل اليهما بلا ريب، فأعلنتا الحرب على المانيا في 3 أيلول 1939، لتتحول الشرارة لهيبا شمل أوروبا بأسرها، ثم العالم بأسره مع دخول اليابان الحرب و قصفها ميناء  بيرل هاربر الأمريكي، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى دخول الحرب التي ستمتد الى مناطق في الشرق الاوسط بينها شمال افريقيا وايران، اي ان نيرانها بدأت تقترب من البيت العراقي الذي خسر ملكه غازي الاول في العام ذاته الذي اشتعلت فيه الحرب.
العراق: اعلان الحرب على المانيا؟
وبعد يومين من اعلان بريطانيا الحرب على المانيا، إتصل السفير البريطاني في بغداد برئيس الوزراء المخضرم نوري السعيد، مشددا على ضرورة تطبيق الجانب العراقي " معاهدة التحالف" المبرمة بين البلدين في 30 حزيران 1930، وإعلان الحرب على  المانيا، مما حدا بالسعيد الى الاتصال بالوصي على العرش، الأمير عبد الإله،  الذي ترأس اجتماعا لمجلس الوزراء في 5 أيلول 1939، للبت في الطلب البريطاني. وبحسب معارضة وزيرا الدفاع  طه الهاشمي، والعدل محمود صبحي الدفتري لفكرة إعلان الحرب على المانيا، (فضلا مقترحا بقطع العلاقات الدبلوماسية معها)، اضطر نوري السعيد للتراجع مؤقتاً والقبول بمقترح الوزيرين، وهو ما دفع السفير الألماني الى مغادرة البلاد تحت حراسة الشرطة نحو سوريا، لكن كما السعيد، قام باعتقال كافة الرعايا الألمان، وتسلميهم للقوات البريطانية المتواجدة في قاعدة الحبانية، و تسفيرهم لاحقا إلى الهند كأسرى حرب.
وبحسب ما رآه السعيد تطبيقاً لمعاهدة 1930، فتح الباب على مصراعيه للقوات البريطانية لكي تعود الى العراق، مبررا ذلك بـ"منع القوات الألمانية من الوصول إليه، حيث يمتلك العراق مصادر الطاقة التي تبدو ألمانيا بأمس الحاجة لها لإدامة ماكنتها الحربية".
لوجستيا،  فتحت حكومة نوري السعيد " طرق المواصلات وموارد البلاد لخدمة الإمبريالية البريطانية وحربها"، بحسب مؤرخين، رأوا في ذلك "خنوعا للانجليز"، فيما اعتبره آخرون " حماية للعراق الضعيف عبر حليف قوي هو بريطانيا".

حركة وطنية ... "نازية" الهوى؟
ابرز ما افرزته وقائع الحرب العالمية الثانية في العراق، دخول جيشه مع "حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941"، في صدام مع القوات البريطانية، ما لبث ان انتهى بعد ان " أصرت حكومة رشيد عالي على منع الحكومة البريطانية من إنزال قواتها في البصرة"، لتسقط تلك الحكومة، و"تزيد بريطانيا من تمسكها بالعراق"، عبر موافقة الحكومة التالية (جميل المدفعي) على ان "تعسكر القوات البرطانية البرية والجوية في الأمكنة التي يتطلبها الدفاع عن العراق".
ورغم تعاون المدفعي، الا ان حكومته تم اسقاطها، ليتولى نوري السعيد الوزارة مرة اخرى، ومعها عاقب الكيلاني ومؤيديه "المتهمين بالإخلال بالأمن وسلامة البلاد"، والاشارة على انهم كانوا "نازيي الهوى" وتحركوا بأمر من برلين، بشعارات "وطنية عراقية"، امام محكمة عسكرية، قضت غيابياً على كل منْ يونس السبعاوي والعقيد فهمي سعيد ومحمود سلمان بالإعدام شنقاً حتى الموت، ثم القبض عليهم لاحقا وتنفيذ حكم الإعدام، كما اعدم صلاح الدين الصباغ وكامل شبيب وهما من ضباط الحركة اياها التي سميت شعبيا " دكة رشيد عالي الكيلاني".
نوري السعيد: بريطانيا منهكة فعلينا بأميركا
بحسه الاستراتيجي، أدرك نوري السعيد أهمية تأسيس علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، معتبرا ان الحرب انهكت بريطانيا، ففتحت مفوضية للعراق في العاصمة واشنطن، آذار 1942 ترأسها سياسي مخضرم ورئيس سابق للوزراء، هو علي جودة الأيوبي. من جهتها ارسلت واشنطن المندوب الخاص للرئيس روزفلت الى العراق ليلتقي نوري السعيد، ثم توفد خبيراً اقتصادياً وآخر زراعياً إرسلا عددا من الآلات والأدوات الزراعية التي ادخلت العراق الى عصر "المكننة الزراعية" المتطورة، وما اثمرت علاقات العراق مع اميركا برفع التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفارة بايام قليلة بعد نهاية الحرب، فيما أصبح العراق زمن الحرب طريقاً طبيعياً لمرور البضائع الاميركية الى تركيا- ومرور البضائع التركية الى الولايات المتحدة وذلك عن طريق سكة حديد بغداد-الموصل المتصلة بسكة حديد التركية-السورية. وقبيل النهاية الرسمية للحرب، وتحديدا  في آذار 1945 وجه الرئيس روزفلت الدعوة للوصي على عرش العراق، الامير عبد الاله، لزيارة أميركا، التي اعتبرت لاحقا "صفحة مجيدة في تاريخ العلاقات الاميركية العراقية".

كوبونات الغذاء  و"الخبز الأسود"
واذا كان العراقيون عرفوا في العقد الاخير من القرن الفائت وعلى نحو واسع، كوبونات الغذاء و"الخبز الأسود" بعد تطبيق العقوبات الدولية اثر قيام النظام السابق بغزو الكويت، لكن اجداد من عاشوا تلك الايام، كانوا سبقوا احفادهم في مكابدة أفتقاد المواد الغذائية، والملابس، التي راحت الحكومة تطبق نظام الحصص (الكوبونات) او (البطاقة التموينية)  لكي تحصل العوائل على حاجتها من المواد الغذائية والأقمشة لصنع الملابس، بل ان تلك الفترة سميت "أيام الخبز الأسود" بسبب رداءة نوعية الطحين، وخلطه بمواد غريبة، (استعادها العراقيون ايام الحصار).
 


العراق ممثلا بالدبلوماسي الرفيع فاضل الجمالي يوقع على وثائق قيام الامم المتحدة 26 حزيران 1945
 
وعلى مستوى التحديات السياسية لجهة، تصاعد الوعي بالديمقراطية، وكبح جماح سلطة الوصي المطلقة ونفوذ نوري السعيد، فان وقائع الحرب عراقيا، اسهمت في تعزيز نفوذ الاحزاب والقوى اليسارية التحررية وفي مقدمتها: الشيوعي العراقي، على حساب القوى التقليدية، فيما كانت وسائل الاعلام المسموعة، وحرب الدعاية والدعاية المضادة، ( اذاعة برلين – القسم العربي للنازية، اذاعة لندن- لبريطانيا والغرب عموما، انتصارات "الجيش الاحمر" على النازية بوصفها ترويج للشيوعية والاتحاد السوفياتي) قد انهت فعليا عزلة الشارع السياسي والثقافي العراقي، لتدخله عبر وقائع الحرب في اتون مرحلة صراع رهيب، تمخض عن قيام الامم المتحدة، كمنظمة عالمية حاكمة للعلاقات الدولية، وبوجود العراق فيها بدور رائد (الصورة)، هو امتداد لدوره التأسيس لعصبة الامم المتحدة 1932. 

* قصة اخبارية نشرت في وكالة " واي نيوز" 2-9-2014


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM