على الرغم من صخبها وعنف وقائعها، الا ان بغداد لم تزل قادرة على الاحتفاء بالابداع والمعرفة. وفي الذكرى الاولى لرحيل الشاعر محمود درويش خصت جريدة "المدى" البغدادية صاحب " مديح الظل العالي" بعدد خاص من ملحق "منارات" الثقافي الشهري والخاص بالابداع العربي الذي كان صدر العدد الاول منه قبل نحو شهر وخصص لقراءة الاثر العميق الذي تركه الناقد والمفكر الراحل طه حسين.
الراحل محمود درويش
وكتب رئيس تحرير "المدى" فخري كريم كلمة حملت عنوان " اختقى البرق.. ولكن ظلت العاصفة" قال فيها ان "محمود درويش هو فنار الروح الفلسطينية العصية على الانمحاء، وقبس نور هذه الروح في ليل القهر والعسف والطغيان، وهو صخر الكلمات حين تتحدى القتلة..ورهافة الهديل حين ينشد للمقهورين". وقرأ الناقد علي حسن الفواز في تجربة درويش مثالا للانسجام بين الارتباط مع قضية شعب والشروط الفنية الاساسية لاي عمل ابداعي.بينما تابع الناقد والاكاديمي د.ثائر العذاري ثنائية الموت والحياة في شعر محمود درويش. ودعا الناقد فاضل ثامر في مقالته " درويـش شاعر صاخب بـالحياة" الى ما وصفها اعادة قراءة درويش بامعان لافتا الى ان "محمود درويش شاعر كبير وهو لم يرحل عنا لذا أجد من الضروري أعادة قراءته بتمعن ودقة أكثر خاصة من قبل الشعراء.. ان محمود درويش شاعر مثقف ومفكر ، فقد مر بتحولات كثيرة في رؤيته الشعرية والإنسانية . من يقرأ قصائده الاولى يرى فيها حماسة ونبرة عالية ربما بلغت ذروتها قي قصيدة "مديح الظل العالي" التي كتبها عند خروج الفلسطينيين من بيروت عام 1982، ولكن ما تلاها من القصائد كانت تحولا ملحوظا باتجاه البعد التاملي والفلسفي. ان تحولا كهذا ربما يكون امرأ طبيعيا لكل إنسان أو شاعر تمرس في تأمل الأشياء ومعالجتها حيث يتحول ما هو قطعي ونهائي ، إلى نسبي يتحمل معالجات وزوايا نظر مختلفة. اان الوفاء الحقيقي لذكرى الشاعر الراحل، احسب انه يتطلب تمعنا في قراءة أشعاره واستنطاق أبعادها وتحولاتها أكثر من كلمات التمجيد والتعظيم التي تتكرر باستمرار.
ومن منفاه السويدي كتب الشاعر العراقي يحيى السماوي كلمة بعنوان" رحيل درويش نكبة للابداع الانساني" فيما كتبت الروائية والمترجمة ابتسام عبد الله كلمة مؤثرة "محمود درويش..ستملأ الوادي بالسنابل" استعادت فيها كيف كان صاحب " حصار لمدائح البحر" نجما في برنامجين تلفزيونيين اجرتهما معه " كان محمود درويش، نجمأ في برنامجين للحوار من اعدادي – تلفزيون بغداد. الاول سجل في النصف الثاني من السبعينيات بعد خروجه من الارض المحتلة والثاني في عام 1986، عند حضوره الى بغداد منشداً قصائده في امسية خاصة اقيمت في مسرح الرشيد. جمهور عريض وقف في تلك الامسية منتظراً شاعره قبل ساعات من البدء امتلأت القاعة وجنباتها والممرات المؤدية اليها. وعندما حل الموعد ووقف الشاعر امام جمهوره صمت الجميع وعم المكان سكون يوحي بقدسية اشعار المقاومة والصوت الذي ينشدها مترنماً بالاحرف والكلمات والابيات، سكون يقطع ، كلما توقف الشاعر، بعاصفة من التصفيق والاعجاب وسيطر الشاعر الذي يقول عن نفسه "شاعر محاصر بالموت" على الجمهور، بالرسالة التي يحملها، وهو القائل ايضاً، "انه يحمل الامل، والفلسطينيون يعبرون بقدرة اكثر عن حياتهم". وتوقف الباحث والناقد د فائق مصطفى في مقالته " محمود درويش ناثرا" عند جماليات كتابة المقالة والقطعة النثرية التي ترقى الى مصاف الادب الجميل، بينما قرا الناقد عواد علي جانبا من تجربة صاحب " لا اريد لهذه القصيدة ان تنتهي" عبر "قناع احمد الزعتر". وكتب الشاعر طالب عبد العزيز "حين ينفجر الضوء ..حين يموت" وجاء فيها : "ربما تسهم السماء بقدراتها الخارقة بتأجيل موت الكثير من الشعراء العرب داخل وخارج بلادنا اليوم،لكنها تعجلت بإيقاف قلب الفلسطيني محمود،وسواء أتمكن الأطباء في مستشفى ميموريال هيرمان الأمريكي في هيوستن من تضييق سعة شريان قلبه الأبهر أم لم يتمكنوا، ومها كانت حججنا نحن الذين لم نمت بعد،علينا أن نتقبل موت محمود المفاجئ هذا،لكي يتسنى للآخرين تقبل موتنا القادم،لقد انفجر الضوء، لقد مات الشاعر"! ورأى الشاعر عبد الرزاق الربيعي درويش بوصفه " شاعرا كونيا" فيقول : الان وقد ادى درويش واجبه نحو قضيته ووطنه وشعبه علينا ان نقرا درويش من جديد لنبحر معه في تاملاته ونصغي الى جمالياته فسنجد اننا ازاء شاعر غنى للحب والجمال والكون والانسان لذا فهو شاعر كوني قبل ان يكون شاعر مقاومة" وفي المحلق ايضا كتب الشاعر الكردي العراقي "شيركو بيكه س" نصا شعريا بعنوان" مات قمر وندبته جميع اشعار الدنيا"فيما اعاد الملحق نشر مقالة للناقد والشاعر العراقي د كاظم جهاد كان نشرها في مجلة "الكرمل" 2008 المخصص لدرويش وتوقف عند ابرز الملامح التي حفلت بها قصائد الشاعر الاخيرة.
|