والجواب على ذلك التساؤل، بعد قراءة الكتاب، تحيل الى حقيقة صادمة هي ان لا جديد حقيقيا في الكتاب يميزه عن نسخته الاصلية "القديمة" عدا اضافات تتعلق بالسنوات الاخيرة لصاحب إسطوانة "ثريلر"، وما عاناه من ازمات نفسية وفنية ليست بعيدة تماما عن نهايته الماساوية.
لكن هذا، وان بدا استثمارا للتعاطف الشعبي مع رحيل جاكسون من اجل ترويج واسع للكتاب، لا يقلل القيمة النقدية والتاريخية لبحث المؤلف ترابيللي الذي كان قد التقى في العام 1970 اعضاء فريق" جاكسون فايف"، واصغرهم مايكل، وهم يشقون طريقهم الى عالم كان صاخبا بالالحان والاسماء الاسطورية.
ويوفر الكتاب فرصة التعرف عميقا على حكايات طبعت مسيرة صاحب اسطوانة " باد": سوء المعاملة على يد والده المتسلط، الشهرة والثروة في سن العاشرة، صدور الاسطوانة الأولى لمايكل بعيدا عن اشقائه والتي حملت عنوان "خارج الجدار" او "اوف ذي وول" 1979 ، ثم الاسطوانة الاكثر شهرة وتوزيعا في عالم الغناء الغربي المعاصر " ثريلر"1982 ، ثم حكايات "عاطفية" تتصل بعلاقته مع النجمة الجميلة بروك شيلدز التي ستنتقل الى مستوى "فضائحي" هو العلاقات الشاذة، ثم بناء المقاطعة الشخصية " نيفرلاند" التي جاءت تعويضا عن حرمانات شكلت جزءا من ذاكرة الطفل مايكل، اذ حرص على ان يبني في مقاطعته تلك عوالم خيالية هي مما حرك فيه قوة الاحلام لكنه لم يكن قادرا على الوصول اليها.
في الكتاب ايضا مراجعات حياتية ونقدية فنية متلازمة لاسطورة فنون الموسيقى الشعبية الاكثر شهرة في القرن العشرين، فثمة وقفة عند اسطوانة " دينجرص" العام 1991 التي حملت مؤشرات تراجع "المبيعات القياسية"، وهي مؤشرات لم تكن لمجرد تراجع توزيع الاسطوانات حسب، بل تراجع التوازن النفسي والفكري عند صاحبة "اغنية الارض" وهو ماقاده الى زواج سريع فاشل من ابنة "ملك اميركي آخر" آخر هو الفيس برسلي "ملك الروك اند رول" بغية التعويض عن فقدان بعض الشهرة بالاتصال مع مركز آخر من مراكز توليدها: الفيس، عبر الاقتران بابنته الجميلة التي ضاقت سريعا ذرعا بصاحب الاطوار الغريبة الذي وصف بانه يقضي وقتا على عمليات التجميل اكثر من اي وقت كان يمارس فيه حياته الطبيعية.
ومن زوجة اولى هي ابنة برسلي (ليزا ماري) التي كانت وجدت في جاكسون طريقا مضمونا لشهرة شخصية، الى زوجة ثانية هي الممرضة الاسترالية ديبي رو التي شكلت النقيض التام لما وجده مايكل سيئا في الوسط الفني، فهي كانت، رغم ولعها بصاحب اغنية " بيلي جين" اقرب الى ام عادية لاطفاله الذين اراد لهم ان يخلفوه وهو "الملك" فسمى احدهم " الامير مايكل الاول"، لكن حتى هذه الزيجة "التقليدية" لم تصمد حيال ريح الازمات والفضائح التي هبت مع اتهامات وصلت حد المحكمة وتعلقت بـ" إستغلال الاطفال جنسيا" والهجرة بعيدا عن اميركا والانزلاق شيئا فشيئا الى فخاخ الادمان الى العقاقير المهدئة.
كل هذه قد تكون معلومات وقصص مكررة تماما، لكن صاحب كتاب "الحياة السرية لماريلين مونرو" الذي اعتبره ملحق الكتب في صحيفة "نيويورك تايمز" احد اكثر الكتب شهرة ونجاحا في هذا العام، يحاول ضخ دماء جديدة في كتابه الجديد " القديم" عن مايكل جاكسون، عبر لقاءات شخصية لم توفر حتى كبار السياسيين والشخصيات العامة في اميركا، فضلا عن لقاءات مع اسرة جاكسون وعشرات الاسماء المشهورة في عالم النغم الاميركي المعاصر من اجل منح صاحب فيلم "السائر على القمر" ملامح جديدة وغير متداولة انسانيا على الاقل ( شهادة شقيقه جيرمين المؤثرة).
صحيح ان كتاب ترابيللي عن ما يكل لم يكن بقوة كتابه عن المغني الاميركي الشهير فرانك سيناترا " سيناترا: ما وراء الاسطورة" 1997 لكنه لم يكن مجرد "اعادة لثرثرة قديمة وقصص معروفة لملء أوقات البث والأعمدة الصحافية"، بل هو جاء استعادة موظفة جيدا انطلاقا من النهاية " الغامضة" والماساوية التي انتهى اليها مايكل جاكسون وحصد فيها تعاطف الملايين من الناس على امتداد المعمورة.
* نشرت في "الصباح الجديد"