مقالات  



فسحة التنوير ضاقت بعدك

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       07/07/2014 06:00 AM


الى صلاح حزيّن

مثلما انفتح قلب عمّان لاوجاعي وغربتي وهواجسي ومخاوفي وصارت محطة لأمالي، انفتح قلبك الرحيم لاغنيتي ونبرة الوجع في نصوصي، وكنت ذراعا ساندة لي، مثلما كان قبل ذلك الصديق الكريم حازم مبيضين الذي قادني الى رفقتك وصداقتك، فنهلت منهما معرفة وتنويرا وحسا انسانيا يبدأ من الاتصال المباشر القائم على التضامن مع ضحايا التعسف والقمع وصولا الى اصالة وجدية في العمل الادبي والصحافي راقتا لي كثيرا، فهما قدمتا سيرة جدية بالاقتداء، انعكست في اتصالي بعمق وشفافية مع المشهد الثقافي الاردني طوال عقد هو عمر اقامتي في "مدينة الحجر الوردي".
حزيّن كان يفرح لنصوصي الشعرية، مثلما كان يبتهج ويؤازر ما كنت مندرجا في متابعته: الحياة الثقافية الاردنية من بوابة الموسيقى، عبر متابعاتي النقدية شبه اليومية لظواهر في الموسيقى الاردنية والعربية والغربية من خلال عملي في صحيفة "الرأي" (1996-2002) الذي بدأ مع الزميل والصديق باسل رفايعة، وازدهى وتعمق مع الزميل والصديق موسى برهومة، وامتد عملا مثابرا في غير قليل من الصحف والمطبوعات الدورية الثقافية الاردنية والعربية، كان بينها عملي مراسلا لصحيفة "الحياة" اللندنية للشؤون العراقية من عمان وطوال نحو خمس سنوات.

صلاح حزيّن

ومثلما انفتح بيته لعشرات الادباء والكتاب العراقيين المهاجرين، كانت لي اكثر من زيارة الى ذلك البيت الجدير بتسمية "بيت المعرفة" والذي منه سيخرج مشروع مثقف وصحافي لافت هو غسان حزين الذي أوجع قلب والده كثيرا بغيبوبته (اثر حادث سيارة) وجاءت معادلا موضوعيا لغيبوبة فكر التنوير في حياتنا الثقافية العربية.
 من افتقد بغياب صلاح حزين؟ أأفتقد القلب الرحيم؟ ام ثقافته العميقة القائم على تنوع فذ يمتد من الترجمة الى الكتابة النقدية مروروا بنهج صحافي  يجمع الصرامة المهنية وحلاوة الاسلوب وفرادته؟ أأفقتد فيه قوة البصيرة التي كانت تمده بقدرة لافتة على تمييز الغث من السمين؟ أأفتقد فيه خفة الظل وتعليقات مستمدة من طرافة "الكوميديا السوداء"، أأفتقد فيه العلو والكبر على الاساءات والنسيان المتعمد لجهده وحضوره؟ أأفقتد فيه صدق انتمائه الاردني لجهة الاخلاص للمكان وانسانه معرفة وثقافة وتطلعا نحو مستقبل حر وآمن؟ أم أفتقد فيه "فلسطينيته" التي لم تكن غير فكرة حرية مطلقة لم تتسع لها أطر فكرية ولا مناهج محددة، بل كانت رؤية مطلقة للامل والصدق؟
أأفتقد فيه من علمنا اول درس في الاتصال الانساني حين عرفنا عبر عمله الشائق في مجلة " العربي" الكويتية بعشرات الامكنة والمدن والبيئات من كل بقاع المعمورة عبر "استطلاعات" كانت درسا في فنون التحقيق الصحافي؟ أم افتقد فيه قوة الفكرة النقدية القائمة على تأصيل الحداثة الفكرية وفق ملامح الوعي الاجتماعي العربي، أم براعته مترجما لرواية "قلب الظلام" ام للرواية المتمردة "انهم يقتلون الجياد.. اليس كذلك" التي صارت فيلما تحول ايقونة في السينما الاميركية والعالمية صاغها المخرج الراحل سيدني بولاك؟
كل ذلك افتقده مع غياب قلبك الرحيم يا ابا قصي، مثلما افتقد حاجتي لعمان بوصفها قلبا رحيما بغربتي ومخاوفي  وقلقي ومشاعري كمنفي أبدي، ومثلما اتحسس ضيقا في فسحة التنوير وسط مشهدنا الثقافي العربي، اقول بلا تردد ان تلك الفسحة صارت اضيق بغيابك.

* نشرت المقالة في "المدى" 2009



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM