مهرجان الثقافة العربية في واشنطن يقدم صورة متعددة الرؤى للشاعر محمود درويش
واشنطن- علي عبد الامير*
كان لافتا ان يخصص مهرجان الثقافة العربية المتواصلة اعماله في "مركز كنيدي" بالعاصمة الأميركية ندوة خاصة حملت عنوان "الشعر ديوان العرب..في الالفية الرابعة"، ولافتا اكثر في ان يجعل الندوة احياء لذكرى الشاعر محمود درويش. وقد يكون ترتيب المشاركين في الندوة ( الاحد الماضي) وادارتها غير ذي قصد، الا انه جاء محمولا بدلالات غنية ومؤثرة، فكان هناك مادخلات لافتة للشعراء: ايمان مرسال(مصر)، محمد بنيس(المغرب) و قاسم حداد(البحرين) كأن في تلك الخريطة، انعكاسا لظاهرة عربية سياسية وفكرية وانسانية شكلها الشاعر الراحل، بينما كانت ادارة الندوة من مسؤولية فادي جوده، الشاعر الفلسطيني الاميركي ومترجم أعمال درويش الى الانجليزية، وهو كان يعني بوجوده مديرا للندوة ومنظما لاعمالها، الجذر الفلسطيني الذي انبثقت منه تجربة صاحب"مديح الظل العالي"، مثلما عنى ان يظهر الجوهر الانساني في شعر درويش والذي تمكن جوده من نقله باقتدار الى الآخر.
مركز كنيدي للفنون في واشنطن العاصمة وفي الاطار شعار تظاهرة "فنون العالم العربي" 2009
وفيما تنقل الشاعر بنيس بين اجواء درويش ودرسه الغني لجهة تمكنه من تقديم صورة فنية وادبية خصبة عن موضوعة الحرية لفلسطين، حرص ان يقرأ نصا شخصيا حمل اهداء لدرويش بعنوان" سبعة طيور"،فضلا عن حرصه على الامساك بقضية مثيرة للجدل تتمثل في كون درويش عبر بقضية وطنه الى آفاق معرفية وانسانية، فيما يرفض مثل هذا التأويل "الفني" والادبي المحض، أناس (كان بعضهم موجودا في القاعة) ما اتفكوا يرفضون النظر الى درويش بعيدا عن صورته الثابتة" ممثل المقاومة الفلسطينية".
حداد: درويش رفض ان يكون صوت المؤسسة السياسية مثل هذا السجال تواصل مع ورقة الشاعر البحريني قاسم حداد الذي اشار الى سعادته الشخصية حين قرأ دوريش "بعيدا عن فلسطينيته"، وهو قصد "بعيدا عن التفسير السياسي المباشر لشعر دوريش"، لكن اشارته تلك قوبلت باثارة جديدة للسجال، وهو ما رآى فيه مدير الندوة الشاعر والمترجم جوده"دليلا على حيوية درويش وقدرة نصه الشعري في ان يثير التأويل والنقاش". الشاعر حداد اورد في ورقته "درويش بدأ في عبور مسافات لا يمكن اجتيازها الا عبر شاعر يعرف ما يتمناه، ويعرف الطريق الى امنياته".وزاد صاحب "قبر قاسم" في ان درويش"قاتل بضرواة عدوا يحتل وطنه، ثم قاتل المؤسسة السياسية في قضايا عدة، فهو اختلف معها ولكن لم ينفصل عنها ابدا، مثلما رفض ان يستخدم من قبلها أو ان يبدو مؤيدا لسياساتها أو وجهات نظرها وافكارها". وانسجاما مع فكرته حول درويش بوصفه شاعرا خارج المؤسسة السياسية، اضاف الشاعر قاسم حداد" رأيناه يقاتل سلطة فكرة ما انفكت تنظر الى الشاعركبوق عليه تلبية الدعوة بالانشاد، تلك الفكرة التي تعامل الشاعر على انه ناطق رسمي باسم القبيلة، وهي فكرة اصبحت ارثا متواصلا ما لبثت المؤسسة السياسية ان اعتمدته ايضا". صاحب ديوان"يمشي مخفورا بالوعول" حرص في آخر الندوة ان يقرأ من "جدارية " درويش مقطعا اختاره بعناية كي يمثل عمق السؤال الانساني والوجودي عند شاعر الحرية الفلسطيني والانساني.
ايمان مرسال: دوريش جوهر انساني عميق ونقلت الشاعرة والاكاديمية المصرية ايمان مرسال في ورقتها حول درويش تفاصيل عن تجربة شخصية ، فهي تكشف كيف وقع طلاب اجانب كانت تدرسهم الادب العربي المعاصر، على جوانب شديدة الغنى في شعر صاحب" احد عشر كوكبا" مع انهم لم يعرفوا عنه الا نصه المترجم، ولا قرأوا له من قبل ولا عنه، معتبرة ان سر احتفاظ درويش بتوهجه الشعري والانساني، وقدرته على التاثير خارج حتى من هم في دائرة لغته وقضاياه الوطنية والقومية، عائد الى خروجه بتمكن من دائرة التأويل السياسي الضيف الى الافق الانساني الارحب. وتوقفت صاحبة ديوان " المشي أطول وقت ممكن" في مداخلة لها عقب تقديم ورقتها الى عند حدثين رأت فيهما سببين اضافيين لتحول درويش الى المسار الانساني بعيدا عن ثقل المكون السياسي، وهما سقوط المعسكر الشيوعي ومشاركة العرب في الحرب على العراق العام 1991. فادي جوده: درويش سؤال الحرية المتجدد وحيال قراءات كهذه، وسجال اثارته بين الحضور العربي والاميركي، كان طبيعيا ان ينهي مدير الندوة الاميركي الفلسطيني جوده تلك الاحتفالية الخاصة بدرويش في واشنطن، بالقول ان صاحب" اثر الفراشة" يؤكد غنى في تجربته الشعرية والانسانية، غنى يتمثل في كونه ما انفك مثيرا للنشاط الفكري والنقدي، فضلا عن ابقائه سؤال الحرية متجددا في قرائه ومحبيه على امتداد وطنه والافق الانساني بعامة.
* متابعة ثقافية نشرت في صحيفة "الغد" الاردنية العام 2009 يوم كنت اوقع قصص الصحافية باسم "حسين الأمير".
|